
بداية من الحرب العالمية الثانية ومعسكرات الاعتقال في بولندا مروراً بهجمات بوكو حرام في نيجيريا ومجازر قرى دارفور غرب السودان، وصولاً إلى نزوح أقلية الروهينجا في بورما، شهد العالم عشرات الصراعات عبر قرن من الزمان، وكان من بين الضحايا دائماً أطفال.
في مدينة مرسيليا، جنوب فرنسا، وثّق معرض "ديفلاجراسيون" (انفجارات)، أحداث العنف والجرائم الجماعية التي وقعت في العقود المنصرمة، من خلال 150 عملاً لأطفال استعرضوا روايتهم عبر الرسم.
"هؤلاء الأطفال ضحايا، ولكنهم شهود أيضاً، فمن خلال قلم رصاص في أيديهم ابتدعوا أعمالاً تشكل ذاكرة"، هكذا شرحت أمينة المعرض زيران س. جيراردو الفكرة.
وتابعت: "لحظات الإعدام أو النهب والاغتيالات لا تُصَوَّر فوتوغرافياً أو بالفيديو في كثير من الأحيان".
وينطبق ذلك على رسم حصلت عليه منظمة اليونيسف نفّذه صبي من أقلية الروهينغا المسلمة المضطهدة في بورما.
فهذا الصبي اللاجئ في مخيم في بنجلاديش يمثّل بقلمه عمليات الإعدام التي شهدها، من خلال رسوم ظلية لجنود، مخربشة باللون الأخضر، يطلقون النار ويقطعون رؤوس رجال ونساء وأطفال ملطخين بالدماء ذات اللون الأرجواني.
وتوضح أمينة المعرض قائلة "عندما نشرع في وضع هذه الرسوم جنباً إلى جنب، نرى أن ثمة تقارباً بيانياً أو سردياً بينها". وتعتبر أن لها قدرة على "إزالة حواجز التاريخ الفاصلة" وبناء "الجسور بين الذكريات".
الرسوم التي عايش الأطفال أحداثها تعوّض مفهوم "الصورة الناقصة" التي يتحدث عنها المتخصص في النزاعات المسلحة مع منظمة "هيومن رايتس ووتش" غير الحكومية، الشريكة في المشروع، أوليفييه بيركو.
ولم يكن غيّوم وفانيسا الآتيان من بوردو (جنوب غرب فرنسا) يتوقعان أن يكون المعرض مؤثراً إلى هذا الحد عندما كانا يعبران جسر المشاة المؤدي إلى متحف حضارات أوروبا والمتوسط "موسيم"، المطلّ على الميناء القديم.
يقول "غيوم" البالغ من العمر 32 عاماً إن "هذه الرسوم تتلاقى رغم أنها جاءت من قارات وحقب مختلفة"، وتابع: "إنها المرة الأولى التي أرى هذا، إنه لأمر مؤثر حقاً رؤية مثل هذه الأحداث المدمرة في عيون الأطفال ... لا بل هي، في الواقع، تصبح جميلة"، فيما ترى "فانيسا" أن الأعمال تجعل الناظر إليها "يشعر بغضب هؤلاء الأطفال وألمهم".
جُمِعَت هذه الرسوم وجرى اختيارها منذ عام 2013 من المتاحف والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية والمكتبات بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
مشاهد الرعب بما فيها من قصف ونهب واغتيالات وتهجير عائلات لا يستطيع الأطفال التعبير عنها بالكلمات فيرسمونها، لأن الرسم هو قبل كل شيء ملجأ، وهذا ما حدث مع فتاة عراقية في الثامنة كانت خائفة من أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي الذي سيطر لمدة على أجزاء كبيرة من العراق.
بادرت الفتاة عند وصولها إلى مخيم للنازحين في كردستان العراق إلى رسم أزهار وردية صغيرة على ورقة بيضاء، وكأنها بذلك تطمئن نفسها من خلال جمال الطبيعة.
وفي الجزء الخلفي من قاعة المعرض، يرتفع صوت يجذب الزوار، إنه صوت عالمة الأعراق والأنثروبولوجيا التي توفيت عام 2017 فرانسواز إيريتييه، وهي تفكك في مقطع فيديو رموز رسم ملون حصلت عليه المنظمة غير الحكومية "ويدجينغ بيس".
في هذا الرسم دبابات ومركبات مزوّدة بمدافع رشاشة، وأكواخ تقصفها الطائرات، ورجل مقطوع الرأس على الأرض.
يوثّق هذا العمل الذي رسمه طفل يبلغ من العمر 9 سنوات الهجوم الذي شنه الجيش السوداني وميليشيات الجنجويد العربية على قريته في دارفور عام 2003، ويصف أساليب الإعدام التي اتبعت خلاله.
كما تتناول بعض الرسوم في المعرض أعمال العنف في نيجيريا التي تعاني منذ نحو عشر سنوات من هجمات جماعة بوكو حرام الجهادية، أو في رواندا حيث تسببت الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد أقلية التوتسي بمقتل أكثر من 800 ألف شخص.
وستبقى هذه الأعمال معروضة في مرسيليا حتى نهاية أغسطس، بينما تأمل أمينة المعرض زيران س. جيراردي أن تكون هذه الرسوم يوماً "عناصر توفر معلومات" عن ظروف قضايا ينبغي للمحكمة الجنائية الدولية أن تنظر فيها.