
ضمن فعاليات الدورة الـ 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، أقيمت ندوة وحفل توقيع رواية "غزة الناجية الوحيدة" للكاتبة والصحفية اللبنانية غادة خوري، أدارتها المديرة العامة لـدار الآداب رنا إدريس.
ناقشت الندوة توثيق الكاتبة لعام من الإبادة لغزة في عمل أدبي، وتفاعل المقيمون خارجها مع مشاهد الإبادة والصمود والتضحيات الكبيرة التي تقدمها فلسطين في مواجهة العدو الذي يحاربها، وكيف كانت غزة سبباً في تغيّر المفاهيم والمعاني وإعادة إحياء القيم الإنسانية.
وقالت رنا إدريس: "إن القضية الفلسطينية موضوعاً أساسياً في الأعمال التي تقدّمها دار الآداب منذ بدأت عام 1953، لأنها تعكس قيمنا الأخلاقية في معالجة قضايا العدالة ومحاربة الظلم والتحرر، ضمن إطار أدبي رفيع".
وأكدت أن "غزة الناجية الوحيدة" تّعدّ في قلب هذا المشروع، ويمكن القول إن مأساة غزة أسست لنوع جديد من السردية الأدبية التي أطلقت عليها الكاتبة "سردية ذاتية"، لكنها في الوقت نفسه عامة جداً، فنحن جميعنا نتشارك الشعور بالخوف، وهو ما يعطي للأدب ميزة تحويل التجربة الشخصية إلى تجربة إنسانية عامة".
وتحدثت غادة خوري عن كتابها، فأكدت "أن غزة هي الناجية الوحيدة بالفعل. فقبل أحداث 7 أكتوبر، كنا نتعرّض لإبادة بقفازات ناعمة، تقوم على محاور ثلاثة، أولها تشويش مفهوم التضحية وسيادة ثقافة تؤسس لفكرة، لا تضحي بنفسك وعواطفك وجهدك من أجل الآخرين، وركز على أن تكون أولوية ووطّن نفسك، وهو تكريس لمركزية الذات والأنانية".
وتابعت: "الأمر الثاني كان إباحة الخيانة وتبريرها حتى تحوّل الإنسان إلى شخص نرجسي. ثم الأمر الثالث وهو سيادة وهم السعادة والسلام النفسي، حتى جاءت غزة وقلبت الطاولة على هذه الثقافة المتناقضة وفضحت العالم".
حول عنوان الرواية أوضحت "أن غزة على مدار التاريخ، كانت دوماً مطمعاً للغزاة، لكنها كانت تنهض وترمّم عافيتها دائماً، لتصبح الناجية الوحيدة، ومن يقرأ التاريخ يعرف ذلك". وأشارت إلى أن الأرشفة الإخبارية مفيدة، لكن التوثيق الأدبي يُظهر المغزى، ويُحدث التأثير على البشر، ويمثّل مرجعية تاريخية هامة. فالأدب هو ما يشّكل وجدان الشعوب ووعيهم، ومن خلاله نرى ما خلف الحدث وعمقه".
وفي تصريح خاص للشرق قالت خوري: "حرب الإبادة في غزة تؤسس لنوع جديد من الأدب، يقوم على الحقائق ليبني سردية روائية، وهو أمر شديد الأهمية؛ فحربنا كلها هي حرب الرواية والحقيقة- التي تعتبر أول ضحايا الحرب- ودورنا ككتاب عرب أو غير عرب حفظ الذاكرة".
أضافت: "كل هذه التضحيات التي قدمتها غزة، منحتنا مخزوناً ثرياً من الموضوعات الروائية ننهل منها لمئة عام على الأقل، ونصنع السردية الدفاعية وسردية الذاكرة الحيّة، التي تكشف الحقيقة. وبدون ذلك لا نستحق أن نكون كتاب، فكل واحد منا يمكن أن يصنع فرقاً، ويزيد هذه السردية الفلسطينية فصلاً جديداً".
وتابعت: "قد يقول البعض أنه لا نتيجة من مشاهدة ما يحدث أو أننا تعبنا، لكن ذلك هو تكريس لثقافة العجز والهزيمة. في الوقت الذي لا تملك غزة- التي جعلتني أشعر بقيمة الحياة والخسارة- رفاهية التعب. وكثيراً ما أفكر أني لا يمكن أن أرقى لأكون أماً أو جدّة فلسطينية.. هؤلاء النساء اللاتي كن يقفن على الأكفان برأس مرفوعة، ويقولون نحن فداء فلسطين، ويقدّمن نموذجاً متفرّداً للصمود في العالم".
وأكدت الروائية اللبنانية أنها وثّقت كل فيديو شاهدته خلال الحرب على غزة، وصورة كل طفل يجمع الحطب أو أشلاء أخيه في حقيبته، وسِير الشهداء، "لكنه ليس توثيقاً بالمعنى الأكاديمي التاريخي". وأوضحت أن قتل 500 شخص في ساعة واحدة أو خلال دقيقة، وإلقاء قنبلة على وحدة الأجنّة في مركز للخصوبة، هو إبادة لشعب ومحاولة لزرع الصدمة والخوف داخلنا، فتوثيق الأرقام مهم لأن كل رقم خلفه حكاية، وحلم وأمل".
وحول متلازمة غزة قالت "خوري" إنها حالة سببتها لنا المشاهد التي تأتي من غزة ومعايشتنا لكل التفاصيل، وأعراض هذه المتلازمة قد تكون سلبية باعتياد رؤية هذه المشاهد، أو إيجابية فتجعل الشاعر أو الكاتب يفكر أن جرح غزة ولدّ مليون بطل وحبكة تصلح كلها لأعمال أدبية".
وأشارت إلى أن "زمن الإبادة أصبح ممتداً، ويصل لمحاولة إبادة الذاكرة". واعتبرت أن الكُتّاب "شهود على ما يحدث، والشاهد لا يصمت. صحيح أننا لسنا صُنّاع قرار، ولسنا المسؤولين عن عدم وصول الغذاء للفلسطينيين مثلاً، لكننا نملك أن نحكي، وأن نكتب سرديتنا".
وتحدثت عن "التناحة" الفلسطينية، وأنها قصدت بها في الرواية الصمود، "وهي طريقة يتوارثها الفلسطينيون، وتزداد قوتها جيلاً بعد جيل، وتظهر في السلوكيات الصغيرة التي رأيناها وقدّم بها الفلسطينيون رمزاً للإصرار على والحياة".








