الموت يغيّب مظفّر النوّاب "شاعر الغربة والضياع"

time reading iconدقائق القراءة - 5
 الشاعر العراقي مظفّر النواب
الشاعر العراقي مظفّر النواب
بيروت-رنا نجار

رحل الشاعر العراقي مظفّر النوّاب، ظهر الجمعة، في "مستشفى الشارقة التعليمي" في دولة الإمارات العربية المتحدة، عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.

واشتهر النوّاب المولود عام 1934 في الكرخ بالعاصمة العراقية بغداد بشعره السياسي الناقد والمعارض، ولاسيما في العراق، فاختلف النقاد والأكاديميون حول تصنيفه الأدبي، خصوصاً أنه نظّم الشعر بالفصحى والعامية.

برزت موهبة النوّاب وهو صغير جداً، خاصة أنه ترعرع وسط عائلة شغوفة بالأدب والشعر، إذ كان جدّه لوالده ينظم الشعر بالفارسية والعربية. 

وعلى مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، أعطاه أحد أساتذته الشطر الأول من بيت شعر، فأكمله معتمداً على ما كان يحفظه من اختيارات جدّه من قصائد ومختارات أدبية، جعلته يبني أسلوبه الشخصي في الشعر والأدب، نظماً وتذوّقاً.

وفي المرحلة الثانوية ترفّع ليكون ناظم قصائد، لتتشكل شرارة شهرته الأولى في بغداد، بعدما نُشرت قصائده في الدوريات والمجلات الجدارية المدرسية.

مواقفه السياسية

عُرف النوّاب بمواقفه السياسية منذ كان طالباً في "جامعة بغداد"، حيث انخرط في العمل السياسي وانتمى إلى "الحزب الشيوعي العراقي"، بالإضافة إلى معارضته الشرسة لنظام الرئيس الراحل صدام حسين و"حزب البعث العراقي". 

غادر مظفّر النوّاب بلده عام 1963 بعد التضييق على الشيوعيين، قبل أن يعاد إلى العراق قسراً من قبل السلطات الإيرانية التي اعتقلته وهو في طريقه إلى روسيا، ليزُج في سجن "نقرة سلمان" الشهير جنوبي العراق.

هرب النوّاب من السجن عبر نفق تم حفره، وبقي متوارياً عن الأنظار حتى عام 1969 عندما صدر عفو عن المعارضين، وعاد حينها إلى وظيفته في وزارة التربية العراقية.

بعد إبعاده مجدداً من العراق، لاحقته السلطات العراقية في عدة دول عبر العالم، ونجا بأعجوبة من محاولة لاغتياله في اليونان عام 1981.

"شاعر الغربة والضياع"

عاش النوّاب شريداً على مدى 5 عقود من حياته لدرجة أنه لُقب بـ"شاعر الغربة والضياع"، فتنقل بين دمشق وبيروت والقاهرة وطرابلس والجزائر والخرطوم وسلطنة عُمان، وإريتريا وإيران وفيتنام وتايلند واليونان، وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، فضلاً عن فنزويلا والبرازيل وتشيلي.

تضمنت قصائده الشعبية لغة هجائية سياسية معارضة وجريئة وغاضبة إلى حد الشتم واستخدام ألفاظ حادة، كما شهدت أشعاره لغة شعبية في الغزل والحب والعتاب والحيرة والكلمة الطيبة بأسلوب شعري فريد.

ساهمت الأحداث والتحولات السياسية البارزة التي شهدها العراق وفلسطين وسوريا في خمسينات وستينات القرن الماضي في تشكيل هوية النوّاب الشعرية والأدبية والسياسية.

مفردات النوّاب

صاغ النوّاب مفردات معظم قصائده الشعبية بلغة أبناء الريف في جنوب العراق. ويرى غالبية النقاد ممن عاصروه أن قصيدة "قراءة في دفتر المطر" التي نظمها عام 1969 تمثل أولى محطات الشهرة العراقية لديه، لينتقل بعدها إلى مساحة أوسع عند الجمهور العربي بنظمه ملحمة شعرية حملت عنوان "وتريات ليلية" التي كُتبت بين عامي 1972 و1979.

سُحر جمهوره العربي بإلقائه للقصائد، إذ كان يعتري صوته نبرة جارحة حزينة وجريئة في الوقت ذاته، وكان يحرص بنفسه على تسجيل أمسياته الشعرية ليسمعها متابعوه.

وانتشرت له قصائد كثيرة مسجلة على الكاسيت ثم لاحقاً على الإنترنت، وأخرى مغناة مثل "الريل وحمد" التي لحّنها الموسيقي العراقي محمد جواد أموري في أوائل سبعينات القرن الماضي، وغناها المطرب ياس خضر الذي أدى كثيراً من قصائد النوّاب فيما بعد، على غرار "ليل البنفسج" و"حنّ وآنا أحنّ" و"روحي".

وأشهر من غنى للنوّاب الفنان العراقي سعدون جابر في قصيدة "حزن بحزن" التي لا تزال حتى الآن تجذب المستمعين.

العودة للوطن

بعد فراق وترحال لأكثر من 40 عاماً، عاد مظفّر النوّاب إلى وطنه العراق عام 2011، واستقبله بشكل رسمي الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني المعروف بعلاقاته مع الشعراء، ولكن الشاعر اختار العزلة.

خلال السنوات الماضية، لاحقت النوّاب شائعات وفاته، بعد ابتعاده عن الأضواء لأكثر من 5 سنوات.

ونشر حسابه على فيسبوك صورة له وهو طريح الفراش في يناير 2021، وكتب: "متعب مني.. ولا أقوى على حملي". وهي آخر جملة يتواصل بها النواب مع جمهوره العربي.

غادر النواب العراق منذ نحو 5 سنوات، وبقي طوال أكثر من عقد يعاني مرضاً عضالاً (الشلل الرعاش)، إلى أن وافته المنية في الشارقة، الجمعة.

ووجّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بنقل جثمان الشاعر العراقي بالطائرة الرئاسية ليوارى الثرى في بلاده.

تصنيفات