مصر.. النشر يطلب الاستقلال عن الطباعة في "وثيقة ملكية الدولة"

time reading iconدقائق القراءة - 9
جانب من جلسة الخبراء لبحث مستقبل ملكية الدولة المصرية لمؤسسات النشر والطباعة في القاهرة-31 يوليو 2022 - Facebook/idsc.gov.eg
جانب من جلسة الخبراء لبحث مستقبل ملكية الدولة المصرية لمؤسسات النشر والطباعة في القاهرة-31 يوليو 2022 - Facebook/idsc.gov.eg
القاهرة-علا الساكت

كثيراً ما يصعب فك الاشتباك بين قطاع النشر وقطاع الطباعة بسبب تداخل الصناعتين في سوق الكتب والصحف. وانعكس هذا التداخل خلال جلسة نقاش نظمتها الحكومة المصرية بشأن مستقبل ملكية الدولة لمؤسسات النشر والطباعة، ضمن ما يعرف بـ"وثيقة سياسة ملكية الدولة".

وكانت الحكومة المصرية أطلقت جلسات مناقشة تمهيدية لبحث ما يعرف بـ"وثيقة سياسة ملكية الدولة"، وخصصت 35 جلسة تغطي القطاعات الحيوية كافة التي تمتلك فيها الدولة أصولاً واستثمارات ضخمة يجرى تقييمها بواسطة لجان محايدة. 

وجاءت الجلسة رقم 16 لبحث صناعة الطباعة والنشر، بحضور عدد من ممثلي القطاع الخاص والجهات الحكومية والمؤسسات الصحافية القومية والخاصة ودور النشر واتحاد الصناعات وجهاز حماية المنافسة.

وتطرق النقاش إلى مستقبل دور النشر والمطابع الحكومية، بين مقترحات بتصفيتها بعدما اعتبرها البعض أنها "تحولت إلى عبء على ميزانية الدولة"، أو تطويرها لتصبح مصدراً لتحقيق الأرباح، أو تطبيق نوع من المشاركة فيها بين القطاعين العام والخاص، كحل وسط. 

وكان الأمر الأبرز خلال الجلسة هو مطالبة المشاركين بفصل صناعة النشر عن الطباعة، والنظر إلى كل منهما باعتباره صناعة مستقلة.

وثيقة سياسة ملكية الدولة

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أطلق في 13 يونيو الماضي، وثيقة سياسة ملكية الدولة، باعتبارها إحدى خطوات الإصلاحات الاقتصادية التى تتبناها مصر حالياً.

وأُطلق النقاش بشأن الوثسقة فى منتصف يونيو الماضي، لتتواصل حتى منتصف سبتمبر، بهدف وضع تصور للتعامل مع أصول الدولة بمختلف القطاعات في المرحلة المقبلة، لتحديد القطاعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها أو زيادة حصتها فيها.

وقال مدبولي لدى إطلاق النقاش بشأن الوثيقة، إنها "خطوة رئيسية في إطار زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، ورسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي، كما تسهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية، بما يجعلها خطة متكاملة تستهدف تمكين القطاع الخاص وتنظيم وجود الدولة في النشاط الاقتصادي".

وأضاف في بيان أن الوثيقة تهدف لمشاركة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد المصري ليمثل 65% خلال 3 سنوات مقبلة.

وتعتبر جلسات الحوار مع الخبراء واحدة من 3 آليات لجأت إليها الحكومة لصياغة أفضل وسيلة للتعامل مع أصولها التي تقدر بمليارات الجنيهات، كما تضمنت الخطة أيضاً إطلاق منصة إلكترونية حوارية، وتطبيقاً هاتفياً يتيح المشاركة الشعبية في صياغة الوثيقة.

الصحف القومية

وكيل المجلس الأعلى للصحافة وعضو مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحافية الدكتور أحمد مختار، وهو أحد المشاركين في الجلسة، قال إنه لا يوجد تصور مسبق لوثيقة "سياسة ملكية الدولة".

 ومع ذلك، ترافق الكثير من الجدل بشأن الوثيقة، إذ يدّعى البعض أن هدفها "خصخصة ملكية الدولة والتخلص من أعباء إدارتها وتصفية الشركات الخاسرة".

وذلك رغم إعلان رئيس الوزراء المصري أن هدف الوثيقة هو مناقشة مستقبل الاستثمارات الحكومية فى جميع القطاعات، إما بالزيادة ورفع الكفاءة، أو الاستمرار على نفس الوضع، أو التخارج وترك المجال للقطاع الخاص والمستثمرين، شريطة أن يحقق ذلك التوازن المطلوب بين الخدمات الحكومية والقطاع الخاص.

وامتد الجدل إلى مستقبل المؤسسات الصحافية القومية التي تمتلك غالبية المطابع ودور النشر الحكومية، وتقدر أصولها بمليارات الجنيهات وتتعقد فيها العلاقات الاقتصادية بين مجالي الطباعة والنشر، إذ يغذي كل منهما الآخر.

ونفى مختار تماماً أن يكون الانسحاب من الاستثمار في هذا المجال هو الحل الوحيد، قائلاً: "من الواضح تماماً حرص الدولة المصرية على عدم التخلي عن المطبوعات الصحافية، كأحد أهم أدوات التأثير وقوة مصر الناعمة، بل ربما تحتاج الدولة لتنمية هذا القطاع والدفع بمزيد من الاستثمارات فيه" .  

والسيناريوهات كما يراها مختار كثيرة، تتراوح بين الشراكة بنسبة حاكمة، أو إسناد الإدارة للقطاع الخاص مع احتفاظ الدولة بملكيتها، لافتاً إلى أن الحلول تختلف باختلاف كل حالة.

وأضاف: "الأرقام هي التي تحدد الشكل الأمثل للتعامل مع كل مؤسسة على حدة، ما يعنى أنه لا بد من استئناف المناقشات في حلقات أكثر تفصيلاً لاحقاً، بعد أن تحقق الوثيقة هدفها، وهو وضع خطوط عريضة حاكمة لكل قطاع، وليس مجرد قرار جمعي يسري على جميع المؤسسات في هذا القطاع".

الطباعة والنشر

الناشر علي عبد المنعم، استشاري اتحاد الناشرين المصريين سابقاً وأحد المشاركين في الجلسة، قال إن القرار بشأن مستقبل الطباعة والنشر الحكومي ستكون له تداعيات كبيرة علي الأوساط الثقافية والإبداعية على مستوى الوطن العربي كله.

وأضاف: "أصبح من الضروري التعامل مع صناعة النشر كقطاع اقتصادي مستقل، لأنه يعتبر أحد أهم أدوات القوة الناعمة لمصر، إذ تنتج نحو 50% من منتجات الفكر والإبداع في السوق العربية، التي تستهدف 400 مليون قارئ".

وأوضح عبد المنعم أن وضع صناعة النشر ضمن مناقشات البنود التقنية لعملية الطباعة والأحبار والأوراق "لن يضمن أن تشمل المناقشة جميع أشكال الإبداع وطرق إنتاج المحتوى، فصناعة النشر الآن لم  تعد مقتصرة على النشر الورقي فقط، بل توسعت لتشمل أشكالاً ونماذج أخرى، مثل النشر الإلكتروني والصوتي والمدونات الشخصية على الإنترنت، وجميع أشكال نشر وصناعة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تيك توك ويوتيوب".

وتأتى أهمية الفصل بين تفاصيل صناعتي الطباعة والنشر، من وجهة نظر عبد المنعم، انطلاقاً من أن "الصناعات الإبداعية تمثل نحو 7% من إجمالي الناتج العالمي، وهذا رقم ضخم جداً ومؤشر مهم يمكن أن يستفيد منه الاقتصاد المصري".

المطابع والتكنولوجيا

وعلى الرغم من أن اهتمام عبد المنعم وممثلي دور النشر الخاصة يركز على أهمية أن تحظى صناعة النشر الحكومي وشكل الشراكة بينها والقطاع الخاص بجلسة منفصلة، فإن بعض المشاركين ذهبوا إلى أن وضعية دور النشر الحكومية تظل رهينة بوضع المطابع الحكومية كذلك.

وتمتلك الدولة فى مصر عبر المؤسسات الصحافية القومية عشرات المطابع العملاقة لطباعة الصحف والمجلات والكتب المدرسية والكتب، أبرزها المطابع الأميرية، التى تأسست فى عهد محمد علي باشا عام 1820، بالإضافة إلى مطابع المؤسسات القومية، مثل الأهرام وأخبار اليوم والجمهورية ودار الهلال.

وأرجع المهندس محمد أحمد إبراهيم، رئيس مجلس إدارة شركة "نهضة مصر للنشر والطباعة"، الوضعية المركّبة لدور النشر والطباعة الحكومية إلى ظروف نشأتها الأولى.

وقال إبراهيم: "صحيح أن المتعارف عليه فى العالم هو أن يتم التفريق بين دار الطباعة ودار النشر، ويمكن أن تقوم دار طباعة واحدة بخدمة عشرات من دور النشر، لكن نشأة مهنة النشر فى مصر جعلت الناشر مضطراً لأن يمتلك مطبعته الخاصة".

وأضاف: "الوضع اليوم بات مختلفاً، بسبب التطور التكنولوجى واتساع طاقة المطابع بشكل جعلها قادرة على خدمة أكثر من ناشر، وبالتالى لم تعد هناك ضرورة أن يمتلك كل ناشر مطبعته الخاصة".

وتابع: "على مستوى الدولة أيضاً، لم تعد هناك حاجة لأن تستمر كل دار نشر حكومية فى امتلاك دار طباعة خاصة بها، وهذا يعني أن الدولة ليست مضطرة للاستثمار فى 20 مطبعة حكومية، ويكفي أن تمتلك الدولة عدداً أقل من المطابع، وأن تحتفظ بكيانات نشر الكتب والمؤسسات الصحافية كما هي".

مشكلات في البنية 

ملكية المطابع ليست المشكلة الوحيدة في طريق صناعة النشر، بحسب علي عبد المنعم. الذي يقول: "لا يزال من الصعب اعتبار صناعة النشر في مصر من الصناعات الكبرى على مستوى العالم، بسبب غياب عناصر ومكونات البنية التحتية الأساسية لهذه الصناعة، وأبرزها الغياب التام للبيانات والإحصائيات الدقيقة الخاصة بصناعة النشر والمحتوى العربي".

وأضاف: "لا توجد في مصر حتى الآن خارطة للمهن الوظيفية لصناعة النشر، مثلاً ليس هناك وثائق أو مستندات معتمدة عن الجدارات والمهارات والمؤهلات والتوصيفات الوظيفية المطلوبة لممارسة مهنة الناشر".

وتابع قائلاً: "في وضعنا الحالي، ليس هناك أكثر من الوراثة والخبرة لكي تكون ناشراً، كما لا يوجد من الأساس تخصص علمي في الجامعات للدفع بكوادر إلى سوق العمل في مجال صناعة النشر".

ودعا عبد المنعم إلى ضرورة العمل على تنظيم السوق بشكل أفضل من خلال إعادة النظر في سلسلة إمدادات صناعة النشر بما تشملها من محطات كثيرة تعتبر عظيمة الأثر على الاقتصاد المصري، معتبراً أن ذلك يضمن تحقيق الاستدامة المطلوبة لإعادة الريادة الثقافية المصرية إلى سابق عهدها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات