أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي.. كتاب يوثق لرحلاتها الوطنية

time reading iconدقائق القراءة - 7
المغنية المصرية الراحلة أم كلثوم خلال حفل فني في مسرح "أولمبيا" في باريس - 1967 - Getty Images
المغنية المصرية الراحلة أم كلثوم خلال حفل فني في مسرح "أولمبيا" في باريس - 1967 - Getty Images
القاهرة-آلاء عثمان

بمنديلها الحريري وأغنياتها التي لا تزال تلقى دفئاً وتقديراً في وجدان مستمعيها، تحتفظ أجيال متتابعة بذكريات تخص رمز الطرب العربي السيدة أم كلثوم، إلّا أن الباحث المصري الشاب كريم جمال طرح جانباً من عملها الوطني في كتابه الصادر حديثاً في مصر بعنوان "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي".

على الرغم من ثراء مشوار الفنانة المصرية منذ سنوات عمرها الأولى، قرر جمال أن يركز الضوء على فصل واحد من تلك السيرة الطويلة، يتمثل في دورها الوطني خلال السنوات القصيرة، التي تلت هزيمة مصر العسكرية عام 1967، المعروفة حتى اليوم بـ"النكسة".

ويقول كريم جمال في كتابه إن أم كلثوم قررت في تلك السنوات تحويل ألمها إلى عمل دؤوب، عبر القيام بجولات غنائية في المنطقة العربية وحول العالم، تخصص عائداتها لدعم المجهود الحربي في مصر، فضلاً عن جهود أهلية داخلية أخرى أفنت فيها "ثومة" أيامها، إلى أن رحلت في فبراير عام 1975 بعد أقل من عامين على الانتصار في حرب أكتوبر.

نداءات حماسية

ويتطرق كتاب كريم جمال، الصادر في 17 فصلاً، إلى مسيرة "كوكب الشرق" بدايةً من منتصف 1967، وصولاً إلى أعتاب مرحلة جديدة من اليوميات المصرية بعد انتصارات حرب أكتوبر.

ويتناول الكتاب بعض أجواء شهر مايو عام 1967، وما صاحبها من حالة ترقب عام وحماسة في مصر، مستعرضاً جهد "ثومة" في سبيل المعركة المرتقبة وكواليس تسجيلها للأغنية الوطنية الشهيرة "راجعين بقوة السلاح"، ثم تسجيلها لاحقاً نداءات حماسية كان من المفترض أن تؤنس وحدة الجنود المصريين على الجبهة.

ومن بين نصوص النداءات الحماسية التي نقلها مؤلف الكتاب عن مجلة الكواكب المصرية: "أخي في وقفتك من أجل الملايين، أخي في كبريائك من أجل حقها في الحياة، تحية من القاهرة، لا بل من كل شبر في أرض العرب، فأنت حيث أنت، من أجل العرب. الله ينصرك .. الله ينصرك".

سجل الرحلات

خلال فصول الكتاب، يرافق المؤلف أم كلثوم في رحلاتها الطويلة حول المدن والعواصم العربية والعالمية لإحياء الحفلات، مستعرضاً سجلاً منظماً يوضح تفاصيل وصلاتها الغنائية وما شدت به في كل لقاء، وناقلاً همسات "الست" خلال الاستراحة بين الوصلات، إضافة إلى خط سيرها كزائرة وسائحة وممثلة عن الدولة المصرية أينما هبطت طائرتها بعد أن حصلت على جواز سفر دبلوماسي.

لم يغفل الكتاب، الذي يضم 600 صفحة، تفاصيل علاقات أم كلثوم في البلدان التي زارتها، مع ذكر الحفلات التي قدمتها سابقاً في تلك البلدان، وبعض من ردود الأفعال عليها مستعيناً بأرشيف صحافي ضخم، يرجع لمصر بالأساس، بجانب مقتطفات من الصحافة العربية والعالمية.

إيرادات الحفلات

ويضم السجل أيضاً جدولاً بعائدات حفلات المجهود الحربي، التي قدمتها "كوكب الشرق" للحكومة المصرية، بالجنيه المصري والجنيه الإسترليني والدينار التونسي والدينار البحريني.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، يوضح أن أم كلثوم جنت 14 ألف جنيه استرليني من رحلة باريس في نوفمبر عام 1967، و36 ألف درهم من رحلة المغرب في مارس 1968، وكذلك 176 ألف جنيه مصري في رحلة ليبيا عام 1969، و44 ألف دينار بحريني من رحلة أبو ظبي في نوفمبر عام 1971.

وجوه أم كلثوم

في كتابه، يحاول جمال رسم ملامح وجه أم كلثوم المختلفة، فهذا وجهها القلق حين تطلب من الصحافي محمد حسنين هيكل، أحد أبرز رموز الحقبة الناصرية، تسهيل مقابلة خاصة مع وزير الدفاع المصري المشير عبد الحكيم عامر، للاطمئنان بنفسها على وضع مصر العسكري في أواخر مايو من العام 1967.

ثم يتحدث عن ملامح وجه أم كلثوم المفزوع من "هول صدمة الهزيمة وخطاب التنحي"، في إشارة إلى إعلان الرئيس جمال عبد الناصر التنحي عن الحكم عقب إعلان الهزيمة في 1967.

ثم الوجه المضطرب عقب استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، الذي كان قائداً عاماً لما يسمى بـ"الجبهة الأردنية" آنذاك، قبل ساعات من مغادرتها مصر إلى الأراضي الليبية، إذ يقول: "تلك الظروف الصعبة جعلتها طوال رحلتها في ليبيا تبدو شاردة العين أغلب الوقت، ينازعها شعور عميق بالقلق والهم من اللحظة الأولى التي وضعت فيها قدميها على سلم الطائرة".

كما يعرج أيضاً إلى وجه أم كلثوم في الحداد بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أثناء زيارتها للأراضي السوفيتية في سبتمبر من العام 1970. وأخيراً، "ثومة" التي أثقلها المرض صارعت من أجل إنهاء وصلتها الثانية خلال حفلها الأخير لصالح المجهود الحربي في يناير 1973.

وعن علاقة "الست" الوثيقة بالدولة المصرية إبان الحقبة الناصرية وأثرها في تلك الفترة، يقول الكاتب إن أم كلثوم بحكم شخصيتها وطبيعتها الريفية تنظر للحاكم بوصفه "رمزاً للدولة"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنها "ارتبطت بعبد الناصر بشكل شخصي، ودانت له بالفضل إذ جعلها صوت مصر ورمزاً لها".

ومع ذلك، يقول كريم جمال إن "أم كلثوم لم تكن بحاجة إلى دولة يوليو، إذ أنها كانت بالفعل دولة مستقلة لها أتباعها وجمهورها ومحبيها"، ورأى أن "العلاقة بين أم كلثوم والدولة الرسمية بنيت على المنفعة المشتركة، لا بالأمر، لكن بالمودة والاحترام المتبادل".

الباحث والست 

وقال كريم جمال لـ"الشرق" إن العمل على الكتاب استغرق 3 سنوات، واختار تقديم معلومات موثقة بشكل أقرب للروائية بدلاً من تقديم نص تاريخي جاف، لافتاً إلى أن 90% من المعلومات الواردة في الكتاب جاءت من الأرشيف الصحفي، الذي نقل أخبار أم كلثوم بشكل شبه يومي.

غير أن جمع الأرشيف الدسم لسيدة الغناء العربي بين دفتي كتاب، لم يكن بالمهمة السهلة كما يوضح جمال، سواء بسبب تعقيدات عمليات البحث نفسها أو خضوع بعض المطبوعات القديمة للترميم.

كما أشاد بالمساعدة التي تلقاها ممن وصفهم بـ"الكلثوميين" في مختلف البلدان العربية، مؤكداً أن "أم كلثوم ليست محددودة بأي حال، ففي كل بلد عربي مجموعة من الكلثوميين كونت صداقات مع العديد منهم".

وأضاف: "تمكنت بمساعدتهم من الحصول على معلومات والوصول للأرشيف فضلاً عن تمائم الأسر ومقتنياتها، ممن لا يزالون يحتفظون بها جيلاً وراء جيل".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات