حلم العودة إلى مصر يداعب "حجر رشيد" و"رأس نفرتيتي"

time reading iconدقائق القراءة - 15
زوار يشاهدون حجر رشيد في المتحف البريطاني بلندن. 13 نوفمبر 2018 - AFP
زوار يشاهدون حجر رشيد في المتحف البريطاني بلندن. 13 نوفمبر 2018 - AFP
القاهرة-ميّ هشام

يعكف عدد من المثقفين والأثريين في مصر على إعداد عريضة لتقديمها للمتحف البريطاني في شهر أكتوبر، ترمي لاستعادة حجر رشيد الأثري الذي عثر عليه جنود الحملة الفرنسية في مصر، ثم انتهى به الأمر بالمتحف البريطاني في ظروف ملتبسة، فيما تبدو احتمالات استعادة تمثال رأس نفرتيتي من ألمانيا أكثر تعقيداً.

وتعود محاولات مصر لاستعادة حجر رشيد من بريطانيا إلى العقد الماضي، دون أن تفلح ولو حتى في إعارته للمتحف المصري لبعض الوقت، ومع ذلك يعقد عديدون الأمل على تلك المبادرة الأخيرة التي يتقدمها الأثري المصري ووزير الآثار الأسبق الدكتور زاهي حواس، اعتماداً على تبدل بوصلة القارة الأوروبية في ملف الآثار التي آلت للقارة إبان الحقبة الاستعمارية.

صحوة

يعول الأثري المصري الدكتور زاهي حواس هذه المرة على ما أطلق عليه "صحوة" في ضمير زعماء أوروبا، من أجل استعادة حجر رشيد المهم في فهم الحضارة المصرية القديمة.

وقال حواس لـ"الشرق"، إن المبادرة التي يجري العمل عليها، تشمل استرداد حجر رشيد من بريطانيا ورأس نفرتيتي من ألمانيا و"الزودياك الدائري" من متحف اللوفر بفرنسا.

وأضاف حواس أنه حين كان وزيراً للآثار في مصر أرسل مخاطبة رسمية لمتحف برلين لاسترداد رأس نفرتيتي، ولم تكلل بالنجاح، غير أنه يفضل هذه المرة أن تكون المعركة "أهلية"، على حد تعبيره.

وأوضح حواس أن خطته تقوم على إعداد 3 نسخ من عريضته يتم توجيهها إلى متحف اللوفر في باريس لاستعادة "الزودياك"، والثانية إلى المتحف البريطاني لاستعادة حجر رشيد، والثالثة إلى متحف برلين لاستعادة رأس نفرتيتي، على أن تكون الوثيقة مذيلة بتوقيعات باقة من المثقفين المصريين، على نحو مستقل عن الحكومة المصرية.

وفيما يعتقد أن مطالبة الحكومة المصرية ستكون "أكثر فاعلية"، إلا أنه بحسب تصريحاته لـ"الشرق"، يسعى إلى أن يزيل عنها الحرج عبر تلك المبادرة التي يعتبرها تكليلاً لباعه الطويل في لجان استرداد الآثار.

ويقول حواس: "إذا لم تنجح تلك المبادرة، فلن تكون الأخيرة، فهدفنا بالأساس إثارة جلبة واسعة المدى حول الأمر في أوروبا التي تحفل متاحفها بالآلاف من القطع الأثرية الإفريقية"، مؤكداً أنه يعتمد على استكمال أجيال تليه لتلك المسيرة.

رياح التغيير

ويحفل المشهد الأوروبي مؤخراً بأكثر من إشارة قد توحي بتحول بوصلة الفكر المنتمية للحقبة الاستعمارية، صوب وجهة فيها قدر من المراجعة لتلك المواقف عامةً، وما يتصل بانتماء القطع الأثرية بوصفها ممتلكات تراثية لبلدها الأصلي.

وفي كلمة ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017 أمام طلاب إحدى الجامعات في بوركينا فاسو، أعرب عن قناعته بأن الآثار الإفريقية مكانها إفريقيا وليست المتاحف الأوروبية، ما اعتبُر حينذاك ليس بادرةً طيبة فحسب، وإنما تحول في سياسة باريس.

 وشهد نوفمبر الماضي ترجمةً لذلك التحول عبر شحن  26 عملاً من الكنوز الملكية لأبومي - بنين، من "متحف كاي برانلي" في باريس، فيما يستعد متحف هورنيمان الإنجليزي لإعادة مجموعة "برونزية بنين" إلى نيجيريا، وتشمل 12 لوحة نحاسية.

وامتداداً للحالة الفرنسية، قد تضع مبادرة حديثة حداً للمفاوضات طويلة الأمد بين اليونان وبريطانيا، حول منحوتات البارثينون الرخامية، والمعروفة بمنحوتات إلجن، بعد سنوات من التعنت المتواصل من جهة المتحف البريطاني حيث تقبع المنحوتات، إذ اقترح الجانب البريطاني مؤخراً ملكية مشتركة للقطع الأثرية، تتضمن إعارات طويلة المدى لليونان، والعكس.

حق لا يسقط بالتقادم

وتقول الأستاذة المساعدة بكلية الآثار في جامعة القاهرة الدكتورة هيام حافظ، لـ"الشرق"، إن "القناعات الأوروبية تجاه ملكية الآثار المهربة أو المهداة لم تتغير إلى حد بعيد، فيما ينطوي الجانب المحلي على اهتمام غير مسبوق بالحياة الأثرية، سواء في صورة كشوف أثرية أو اهتمام مكثف بالمتاحف ومواكب المومياوات، ما تعتبره علامة استحقاق على ضرورة استعادة آثارنا من الخارج".

وتضيف: "آثارنا حق لا يسقط بالتقادم"، فيما تؤكد أن المطالبة والسعي هما الضمانتان الوحيدتان للاسترداد، مستبعدةً أن يعرض الآخر إعادة القطع الأثرية لموطنها دون مطالبة بإلحاح من البلد الأصلي.

وتعتقد حافظ أن مبادرات المثقفين والأثريين لن تكون ذات فاعلية دون دعم الحكومة المصرية، وتقول إن "دور المثقفين يتمثل في توعية صناع السياسات وتوجيههم صوب الآليات الأكثر فاعلية، إضافة إلى القطع المنسية".

واستهجنت أستاذة الآثار نماذج التصالح حول القطع الأثرية لتحمل ملكية مشتركة بين البلد الأصلية والبلد الحاضنة للقطع الأثرية، مؤكدة "لا أوافق عليه تماماً".

وأوضحت أن "الإعارات الطويلة والنماذج الافتراضية ثلاثية الأبعاد والمعارض والجولات، بوصفها مساعي للإتاحة كحلول وسط، غير مقبولة من وجهة نظري، بالرغم من ذلك فهي معمول بها، فما لا يدرك كله لا يترك جله، كما أن عودة الأثر لبلده الأصلي، ولو على سبيل الإعارة، اعتراف ضمني من الآخرين بانتمائه الثقافي له".

استعادة سهلة

في كتابه "سرقات مشروعة" حول تاريخ سرقة ونهب وتهريب آثار مصر وتراثها في القرنين الأخيرين، يقول المستشار والكاتب أشرف العشماوي إن "سرقة الآثار ستظل دائماً عملاً غير مشروع، قد تنحسر أحياناً، وقد تنزوي أحياناً أخرى، لكنها لن تتوقف أبداً".

ويمثل كتاب "سرقات مشروعة" ما يشبه الشهادة القانونية والمهنية للعشماوي، إذ كان عضواً باللجنة القومية لاسترداد الآثار بدءً من عام 2007.

ويورد الكتاب جانباً من كواليس محاولات الاسترداد المصرية الحثيثة لعدد من القطع الأثرية القيمة، وتاريخ رحيلها، وفي مقدمتها حجر رشيد ورأس نفرتيتي.

وفقاً للعشماوي، لم ينعم خروج حجر رشيد من مصر بموافقة الحكومة المصرية، رغم أنه في تلك الآونة كان لذلك الخروج أن يكون مشروعاً تحت حزمة ضوابط قانونية تحكم عمل الحفائر الأثرية الأجنبية.

غير أن حجر رشيد، اللوحة البازلتية التي أسهمت في سبر أغوار الحضارة المصرية، أخذت عنوة من مصر أثناء الحملة الفرنسية، وفق "سرقات مشروعة"، ثم جرى تسليمه إلى الجانب الإنجليزي إثر اتفاقية بين الجيشين الفرنسي والإنجليزي عام 1801، قضت في أحد بنودها بحصول الطرف الإنجليزي على الآثار، فكانت تلك قصة وصوله للمتحف البريطاني.

أما محاولات استرداده فقصة أخرى، يسردها العشماوي بالتفصيل، بينها محاولة عام 2011 خاطب فيها المجلس الأعلى للآثار في مصر المتحف البريطاني الذي رد بأنه سيدرس قانونية الطلب، فيما يؤكد عبر كتابه المنشور عام 2012، أن استرداد الحجر "ممكن جداً" لأن رحيله لم يكن مشروعاً؛ إذ حدث بناء على اتفاقيتين بين دولتين مستعمرتين، ولم تكن مصر، صاحبة الحجر، طرفاً فيها.

ويعد القانون 117 لحماية الآثار الصادر عام 1983، هو الحد الذي توقفت لديه مشروعية الإتجار في الآثار أو تداولها، باعتباره أول قانون مصري يجرم الإتجار بالآثار، كما أنه قلص أيضاً نسبة اقتسام الآثار مع البعثات الأجنبية المنقبة للحد الأدنى.

عراقيل قانونية

أما ظروف خروج تمثال "رأس نفرتيتي" وحلوله ضيفاً دائماً على متحف برلين فتختلف إلى حد بعيد، وفق شهادة العشماوي، على نحو ربما يجعل مفاوضات استردادها أكثر تعقيداً.

ففيما خرج "رأس نفرتيتي" بشكل مشروع ظاهرياً، إلا أن الكواليس يشوبها بعض التدليس من قبل الجانب الألماني، خصوصاً المشرف على الحفائر السيد لودفيج بورخارت الذي تحتوي مذكراته على دلائل عدم مشروعية خروج رأس نفرتيتي.

وبالرغم من أن قواعد قسمة الآثار بين البعثات المنقبة والممولة لعمليات التنقيب ومصر كان معمولاً بها آنذاك، بالتحديد بين 1911 و 1914 حيث عثر على رأس نفرتيتي، شاب الأمر إخفاءً عمدياً للتمثال بحيث لم يتسن للمشرف المصري الإطلاع عليه أو على صورة دقيقة له قبل أن يوافق على رحيله.

ورغم تعنت الجانب الألماني، بحسب العشماوي، فإنه يعتقد أن عودة التمثال إلى مصر "حتمية"، شريطة إدارة ملف الاستعادة بصورة احترافية، بعيدة عن وزارة الخارجية والتوازنات السياسية والدبلوماسية الهادئة.

وأشار إلى أن أحد العوامل التي تتحكم في سير مفاوضات الاستعادة، اتفاقية اليونسكو التي وُقعت عام 1970، حول منع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات التراثية بطرق غير مشروعة.

20 مليون توقيع

وقاد الدكتور بسام الشماع، الباحث في علم المصريات، عدداً من الحملات والمبادرات لاستعادة الآثار المصرية من الخارج، وبالرغم من أن أياً منها لم يفلح في تحقيق المطلوب، لا يزال يرى أن مثل هذه المبادرات والمحاولات مهمة.

وقال الشماع، لـ"الشرق"، إن إحدى الحملات التي أطلقها تعود إلى قرابة 20 عاماً مضت، وحملت اسم "حملة 20 مليون توقيع"، واستهدفت توقيعات المواطنين العاديين غير المتخصصين.

وأضاف: "عندما تجمع توقيعات، فإن المطالبة تتحول من رسمية إلى مطالبة شعب، كما أن مطالبات القوة الناعمة تزيح الحرج عن وزارة الآثار فلا تطالب بالقطع الأثرية من الدول التي تعاونت معها في بعثات تنقيبية وأسهمت بالتمويل والتدريب في العثور على الآثار".

ويحدد الشماع ما يصفه بـ"الخمسة الكبار"، في إشارة إلى 5 قطع أثرية يرى أن لها أولوية للمطالبة باستردادها، وهي: رأس نفرتيتي وحجر رشيد، وزودياك الفلك الدائري، إضافة إلى عملة كليوباترا بحوزة المتحف البريطاني، ورداء طرخان أقدم ثوب في التاريخ بمتحف بتري في لندن، وتمثال حم ايونو مهندس الهرم الأكبر، الموجود بمتحف هيلدسايهم فى ألمانيا.

ودعا الشماع وزارة السياحة والآثار المصرية إلى المسارعة بإرسال مخاطبة رسمية للمتحف البريطاني بخصوص استعادة لوحة رشيد، رداً على زعم إدارة المتحف بعدم تلقيها أية مطالبات رسمية لاستعادة الحجر البازلتي القيم.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات