"إنقاذ فرويد" قبيل رحلته الأخيرة من فيينا إلى المنفى

time reading iconدقائق القراءة - 6
غلاف كتاب Saving Freud: The Rescuers Who Brought Him to Freedom للصحافي الأميركي أندرو ناجورسكي
غلاف كتاب Saving Freud: The Rescuers Who Brought Him to Freedom للصحافي الأميركي أندرو ناجورسكي
القاهرة-آلاء عثمان

حتى العام 1938، بقي عالِم النفس النمساوي سيجموند فرويد مستقرّاً في منزله الهادئ بشارع بيرجاس في العاصمة فيينا. هناك قابل مرضاه، وعقد اجتماعاته، وأمضى ساعاتٍ طويلة في القراءة، فضلاً عن تمضية وقته مع أسرته.

غير أن عاصفة أوروبية بدأت تتشكّل حوله، وأجبرته على الرحيل من بيرجاس في رحلةٍ أخيرة نحو المملكة المتحدة، يوثّقها الصحافي الأميركي أندرو ناجورسكي في كتابه الصادر حديثاً Saving Freud: The Rescuers Who Brought Him to Freedom أو "إنقاذ فرويد.. منقذين أخذوه نحو الحرّية". 

وفرويد اليهودي الديانة، ما كان له أن يَعبُر الحدود النمساوية عقب الاجتياح النازي في مارس 1938، لولا مساعدة مجموعة من الأصدقاء المخلصين الذين سخّروا علاقاتهم وأموالهم، ووفّروا له ممرّاً مادّياً ومعنوياً آمناً، عاد من خلاله مؤسّس التحليل النفسي إلى الاستقرار، بحسب كتاب ناجورسكي الجديد. 

ممتلكات فرويد 

يفتتح ناجورسكي كتابه المؤلّف من 12 فصلاً، بيوم قاتم من حياة عائلة فرويد، عندما بدأت عصابات الحزب النازي تجوب الطرقات، وتستولي على ممتلكات اليهود، وتعتقل الناشطين منهم وتعتدي على آخرين.

ولم يشكّل منزل فرويد استثناءً عن القاعدة، إذ هاجم النازيون منزل البروفسور ومطبعته الواقعة في الشارع نفسه، واحتجزوا ابنه الأكبر مارتن لساعاتٍ عدّة، واستولوا على أموال كانت بحوزته في المبنى. 

أما منزل العائلة ومكتب فرويد الشخصي، فقد سارت الأمور داخله على نحو مختلف، إذ لم تصوّب البنادق إلى وجوه الموجودين كما جرى في المطبعة، بل قابلت زوجة عالِم النفس النازيين وكأنّهم ضيوف، وتحدّثت إليهم بمودّة ودعتهم للداخل، وأعطتهم المال من دون أن يضطرّوا للاستيلاء عليها بقوّة السلاح. 

يُرجع الصحافي الأميركي المأزق الذي وقعت فيه العائلة تحت الاحتلال النازي، إلى حالة النكران التي تمسّك بها فرويد طوال أشهر، متجاهلًا الأوضاع السياسية والتوتّرات المتلاحقة في المنطقة، على الرغم من نصائح المقرّبين من العائلة بالهجرة إلى خارج النمسا، بعد أن أصبح سقوطها تحت سيطرة الرايخ الثالث حتمياً، مع صعود هتلر في العام 1933، لكنّ فرويد بقي متمسّكاً بأمله في قضاء آخر أيامه بفيينا.

إنقاذ الأصدقاء

تهاوى موقف فرويد العنيد أخيراً، مدفوعاً بالضغوط الفعلية ومضايقات النظام النازي، فضلًا عن جهود مجموعة من الأصدقاء، سعوا لإقناعه بالرحيل عن النمسا.

وذكر  ناجورسكي في كتابه سيرهم الشخصية، بدءاً من إرنست جونز  تلميذ فرويد ومريده الأمين، و آنا فرويد ابنته الصغرى والمحلّلة النفسية المعروفة، التي اعتنت به خلال فترات مرضه.

كما ضمّت القائمة ويليام بوليت الدبلوماسي، الأميركي وأحد أصدقاء فرويد الشخصيّين، والأميرة ماري بونابارت المحلّلة النفسية والكاتبة وأميرة اليونان والدنمارك التي أنفقت من مالها الخاصّ لإصدار تصاريح السفر لكلّ من فرويد وأفراد عائلته.

فضلاً عن ماكس شور، طبيب فرويد الخاصّ الذي تتلمذ على يديه في الجامعة، ثم أصبح بين أحد أكثر المقرّبين إليه، وخصوصاً خلال رحلة مرضه وخضوعه لعددٍ من العمليات الجراحية المؤلمة، ومرافقته وهو على فراش الموت في العام 1939. 

ويقتبس الكاتب من خطابات فرويد إلى أصدقائه وتلامذته والمقرّبين منه، حتى إلى الذين تدهورت علاقته بهم في مراحل لاحقة من حياته، مثل المحلّل النفسي الشهير كارل جوستان يونج، الذي تولّى رئاسة جمعية التحليل النفسي الدولية، ثم تركها على خلفية تدهو علاقته بفرويد. 

رجل فيينا 

يتطرّق الكاتب الأميركي إلى بعض آراء فرويد وتوجّهاته حول القضايا التي عاصرها في زمنه، مثل التعصّب ومعاداة السامية وغيرها، فقد عاش البروفسور الحرب العالمية الأولى، وشارك أبناؤه الذكور في القتال، وبالرغم من حماسته للانتصارات الأوّلية للجناح النمساوي الألماني، لكنه سرعان ما ضاق ذرعاً بالحرب وتداعياتها الإنسانية. 

وعلى الرغم من أنباء القتال التي أحاطت به من كلّ جانب، حاول عالِم النفس الانفصال عن الحرب المشتعلة، وتخصيص طاقته ووقته للعمل، بيد أن ويلات الحرب عرفت طريقها إلى أسرته، بعد أن أصيب اثنين من أبنائه، وبقي أحدهم أسيراً حتى نهاية الحرب. 

ويتناول الكتاب كذلك أزمات فرويد المادّية في أعقاب الحرب الأولى، وخلال أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، فضلاً عن موقفه من بناء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، إذ يشير ناجورسكي إلى رفض عالِم النفس النمساوي المساعدة في ترويج التوجّهات الصهيونية، والاستيطان في الأراضي العربية، من خلال أحد خطاباته التي يستعرضها الكاتب. 

عملية الهرب

يستعرض ناجورسكي علاقة عائلة فرويد المعقّدة بالأمين النازي المكلّف رسمياً بملفّ العائلة. وعلى الرغم من أن أنطون سوروالد، احتفظ بتعصّبه تجاه اليهود في النمسا وألمانيا، إلّا أنه حرص على معاملة فرويد بإجلالٍ واحترام تقديراً لمكانته، وغضّ الطرف عن تفاصيل كان من شأنها عرقلة عملية الهرب الممنهجة، ومن بينها احتفاظ العائلة بمدخّرات خارج البلاد. 

رافق الكاتب العائلة المحاصرة خلال الأشهر القليلة التي سبقت رحيلهم عن الوطن، ورصد مساهمة أصدقاء فرويد كلّ على طريقته بهدف توفير ظروف آمنة للهرب، أو تصاريح للإقامة في دولة أجنبية، وكذلك تهريب بعض ممتلكات فرويد الخاصّة ومؤلّفاته ومخاطباته بعيداً عن أعين السلطات النازية، وصولًا إلى عبوره الحدود الألمانية الفرنسية في 5 يونيو بصحبة أفراد العائلة والأصدقاء، فيما لحقت به دائرته المقرّبة تدريجياً، قبيل عامٍ واحدٍ على اندلاع الحرب العالمية الثانية. 

إقرأ أيضًا: