"إن طيبة هي أجمل كلمة في كل لغات الأرض". عبارة قالها العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، معبراً عن حلمه منذ طفولته بزيارة مصر، بعد كشفه لرموز حجر رشيد عام 1822، والذي كان سبباً رئيسياً في فك رموز اللغة المصرية القديمة، ما ساهم في نشوء علم المصريات.
وانطلقت الثلاثاء، احتفالات وزارة السياحة والآثار المصرية بمرور 200 عام على تأسيس علم المصريات، وتضمنت الاحتفالات فتح أبواب المتاحف مجاناً للمصريين والأجانب، وسط إقبال كبير.
وقال وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى إن الدولة تستهدف زيادة أعداد السياحة الوافدة إلى مصر بنسبة من 25 إلى 30% سنوياً.
وأضاف في تصريحات صحافية أنه سيتم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للسياحة خلال بداية العام المقبل؛ مشيراً إلى أنها تستهدف النهوض بالقطاع السياحي المصري.
احتفالات المتحف المصري
ورصدت "الشرق" الاحتفالات التي نظمها المتحف المصري في ميدان التحرير، حيث تم تنظيم معرض يظهر تطور الكتابة في مصر القديمة، وألقى الضوء على أبرز علماء المصريات.
وخصص المتحف صالة كبرى لوضع الآثار المصرية التي توثق التطور الذي لحق بالكتابة المصرية القديمة، كما عرضت إدارة المتحف الآثار الأولى التي ضمها المتحف منذ وضع حجر أساسه قبل 125 عاماً.
وعرضت القاعة قطعاً حجرية نادرة كتبت باللغة المصرية القديمة، بخطيها الهيروغليفي والديموطيقي، وباللغة اليونانية القديمة، وتشبه في مضمونها كتابات حجر رشيد، والذي يفوقها شهرة كونه كان أول أثر من نوعه تم الكشف عنه.
وقالت صباح عبد الرازق مديرة "المتحف المصري" لـ"الشرق" إن المعرض هو ملخص لتعريف الزوار بأدوات الكتابة في مصر القديمة، إذ تم عرض الأحبار القديمة المستخدمة والقطع المختلفة التي كتب عليها المصريون القدماء.
وأضافت أنه تم أيضاً عرض أول قطعة تم تسجيلها في المتحف منذ تأسيسه، وهي تمثال صغير لـ"إيزيس"، فضلاً عن عرض التمثال الشهير للكاتب المصري.
ويسلط المعرض الضوء على أبرز اثنين من علماء المصريات، هما الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، والذي فك رموز حجر رشيد، والثاني أحمد باشا كمال أول عالم مصريات مصري.
وتابعت صباح أنه تم تنظيم معرض للكتاب "لتشجيع الجمهور على القراءة"، بأسعار رمزية تصل إلى جنيهين (0.10 دولار) للكتاب.
نشأة علم المصريات
يندر أن يشتق اسم علم من اسم بلد في العالم، كما هو حال مصطلح "إيجيبتولوجي" الذي أطلقه علماء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وأصبح متداولاً على نطاق واسع بعد فك رموز حجر رشيد، وبالتالي معرفة قراءة النصوص المصرية القديمة.
ويختص هذا العلم بدراسة المنتج الحضاري والتاريخي واللغوي لمصر، منذ عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية العصور الرومانية. ويدرسه آلاف الطلاب في أغلب جامعات العالم. وتتميز مصر بتدريس هذا العلم في كليات الآثار المنتشرة في معظم جامعات مصر.
وقال عالم المصريات الفرنسي كريستيان ليبلان لـ"الشرق" إن شامبليون اعتمد على اللغة القبطية في فك رموز حجر رشيد، وأضاف أن المحاولات التي قام بها العلماء الذين حاولوا فك رمز اللغة المصرية القديمة قبل شامبليون، بداية من الراهب كيرشير مروراً بسيلفيستار دي ساسي والعالم الإنجليزي توماس يانج، لم تأت بنتائج دقيقة.
وذكر عالم المصريات الفرنسي إيمانويل دي روجيه، خليفة شامبليون كأمين لقسم الآثار المصرية في "متحف اللوفر"، في كتابه بالفرنسية "دليل المجموعة المصرية بمتحف اللوفر"، والذي نشر عام 1849، أن علم المصريات ولد على يد شامبليون "العبقري، وفتح الباب لعدد كبير من العلماء لاستكمال المسيرة من بعده".
وأكد دي روجيه أن كتاب شامبليون عن قواعد اللغة الهيروغليفية الصادر عام 1824، فتح الباب لدراسة اللغة المصرية القديمة، وتأسيس العديد من مدارس علم المصريات في الكثير من دول العالم.
أول مصري
يعد أحمد باشا كمال أول مصري يحمل لقب أثري وعالم مصريات، وقد تتلمذ على يد العالم الألماني هنري بروجش، ولعب دوراً كبيراً في تطوير منظومة الإدارة بالمتحف المصري ببولاق.
وأشرف كمال على نقل الآثار إلى متحف الجيزة، ثم "المتحف المصري" بالتحرير، وقاد العديد من الاكتشافات الأثرية الكبرى، وأهمها خبيئة مومياوات الملوك في الدير البحري عام 1881. كما قام بتأسيس العديد من المتاحف الإقليمية، وقاد حفائر مصلحة الآثار في مدن الدلتا وصعيد مصر، وأسس مدرسة الآثار، وتخرج على يده الجيل الثاني من علماء الآثار المصريين.
وكتب كمال العديد من الكتب المتخصصة بهذا العلم باللغة العربية، من ضمنها كتابه الشهير" العقد الثمين في محاسن أخبار وبدائع وآثار الأقدمين من المصريين"، وتقوم مكتبة الإسكندرية حالياً بترميم مخطوط قاموس أحمد باشا كمال، تمهيداً لنشره علمياً.
وعن الدور الذي لعبه أحمد باشا كمال، قال وزير الآثار الأسبق ممدوح الدماطي لـ"الشرق"، إن كمال اهتم باللغة المصرية القديمة، وساهم في نقل نصوص اللوحات البطلمية، وألّف قاموساً من أهم قواميس اللغة في 22 جزءاً بترتيب العلامات الهيروغليفية، وحاول نشره عام 1922 كقاموس "هيروغليفي عربي فرنسي"، لكن طلبه قوبل بالرفض وقتها.
وذكر العالم الإنجليزي جاسون طومسون في كتابه "أشياء عجيبة- تاريخ علم المصريات"، أن العديد من تلاميذ أحمد باشا كمال تسلموا الراية بعد وفاته عام 1923، ومنهم محمود حمزة أول مصري يتولى منصب مدير "المتحف المصري"، وسامي جبرة، وعبد المنعم أبو بكر، ولبيب حبشي، وأيضاً أحمد فخري صاحب الاكتشافات الأثرية الكبرى في الواحات ودهشور والأقصر، وتخرج على يديه العديد من علماء الآثار المصريين والعرب.