في واحدة من أوائل فعالياته، يستضيف أتيليه العرب للثقافة والفنون، بفرعه الأحدث بضاحية الزمالك في القاهرة "ضي الزمالك"، أعمال 142 فناناً مصرياً وعربياً من أجيال متباينة.
وتتنوع الأعمال المعروضة بين التصوير والكولاج والنحت، والتجهيز في الفراغ وغيرها من ألوان الفن التشكيلي، وذلك بخلاف الطيف الواسع من الموضوعات والعناصر الفنية التي يغذيها الثراء الجيلي والثقافي للعارضين.
قبل الولوج إلى قاعة العرض، تستقبل زوار المعرض لوحة للفنان الراحل "حسن الشرق"، والذي وافته المنية قبل أيام من افتتاح المعرض، ليقرر مجلس الإدارة جعل الشرق ضيف شرف المعرض.
في الطابق الأول من القاعة، يحظى الزوار بدفعة فنية مكثفة من أعمال التشكيليين من أصدقاء مؤسسة "أتيليه العرب"، إذا جاز التعبير، تتقدمهم التشكيلية المخضرمة نازلي مدكور، بلوحتين تبرزان أسلوبها الذي يعتمد بالأساس على تجريد عناصر الطبيعة والبيئة إلى مكوّناتها الأكثر بساطة، في طابع يغلب عليه الملمس البارز وضربات الفرشاة الجريئة.
التشكيلي أحمد نوار أيضاً يحضر بعملين في المعرض يجاوره بورتريه للفنان جورج بهجوري ووجهه الأثير أم كلثوم، إضافة إلى منحوتة للمثّال السيد عبده سليم، ومنحوتة لعمر طوسون تجسد وجهاً ريفياً مألوفاً، وأخرى للمثال طارق الكومي، مدير متحف محمود مختار، تحيل متذوقها مباشرة لصورة الزعيم المصري سعد زغلول.
أما الفنان محمد عبلة، فيتصدر القاعة بلوحتين تنتميان لفئة التصوير، هما أقرب للجداريات، القاسم المشترك بينهم هو الزاوية العلوية التي يطل منها عبلة على القرية أو المدينة والدور المتراصّة في سُبات، فيما تختلفان في الباليتة اللونية والأسلوب.
ومن منحوتات الكومي وطوسون وسليم وشمس القرنفلي ذات التركيبات الكثيفة، تكاد تناقضها مجموعة نحتية للتشكيلي إسحاق دانيال الأقرب لكونها ثنائية الأبعاد بدقة تفاصيلها، وينتمي للفلسفة ذاتها عمل نحتي للفنان مصطفى بط بالطابق الثاني، غير أن منحوتات دانيال تشي بولع بالرموز الحيوانية المتداخلة مع الجسم البشري.
استلهام الرموز يحضر جلياً لدى أعمال العارض جرجس لطفي، الذي يحدث مزيجاً عبر لوحتيه بالطابق الأول، فيتعثر من يتأملهما في خليط من الرموز المنتمية للفن القبطي وربما "وجوه الفيوم"، والرموز الشعبية وحتى الإسلامية، وفيما يبدو يشاركه الولع ذاته بتلك الرموز المنتمية للثقافة المصرية التشكيلي فارس أحمد بعملين أيضاً.
وتحظى القاعة بحضور عربي لافت، بفنانين من عدد من الدول العربية، من بينها السعودية والكويت والسودان والصومال وفلسطين والأردن والعراق وغيرها، لتعكس موضوعات أعمال العارضين العرب أحداث لا تُنسى انفعل بها الفنانون، أو رموز ثقافية ودينية مستقاة من الوعي الجمعي العربي.
من بغداد، يُعرض للفنان عماد منصور عملاً من فئة السمبلاج، يرُد الزوار سريعاً إلى حقبة الحرب العراقية، وحالة العسكرة التي سيطرت على مناحي الحياة لأعوام.
ومن قطر، يعرض للفنان يوسف أحمد أيضاً عملاً من فئة السمبلاج يستلهم المشاعر الدينية، ويوظف خامات غير مألوفة كي ينجز رؤيته الفنية، ومن السودان يستضيف المعرض أعمالاً للفنان عمر صُبير، والتشكيلي والشاعر عوض أبو صلاح، ولعبد العزيز بوبي من مقديشو.
التشكيليون السعوديون لهم نصيب الأسد من المشاركات العربية بالمعرض، بأعمال لعبدالله حماس، وعبدالله إدريس، وعبدالله النواوي، وشاليمار الشربتلي، وغيرهم.
حس نسوي
ولا يخلو المعرض من "حس نسوي" واضح، ينعكس مرات في الخطوط الأكثر نعومة، ومرات في باليتات لونية تحمل تمرداً نسوياً على السائد، ومرات أخرى في انعكاسات فنية للصور الذاتية وربما التصالح معها وقبولها.
يظهر ذلك الحس النسوي بوضوح في بورتريهات التشكيليات المصريات: شلبية إبراهيم، وإيناس الصديق، وعزة مصطفى، وهند الفلافلي، وسالي الزيني التي اختارت أن تعيد إنتاج مشاهد من روايتي نجيب محفوظ "زقاق المدق" و"بداية ونهاية" عبر تصدير شخصياتهم النسائية في المقدمة.
في أعمال النحت تسلك التشكيلية منى غريب "الحس النسوي" ذاته، عبر عملين من الطمي المطعم باللون، مستلهمةً وجه المرأة وعروس البحر.
أما السعودية عُلا حجازي، فتستلهم بدورها روحًا طفولية تشهد العالم من زاوية باليتة وردية، ويتحول فيها الشخوص إلى بيوت راسخة عبر قوارب صيد.
غير أن الانفعال بالمرأة وصورها في المعرض، ليس حكراً على الفنانات فحسب، فالفنان سامي البلشي عبر جدارية يعيد إنتاج كنداكة الثورة السودانية، ويضعها في القلب من الجدارية فتؤمها باقي عناصر اللوحة كافة.
الفنان وليد عبيد أيضاً ينفعل بذلك البورتريه المقدس للمرأة، في أحد ثلاثة أعمال معروضة له، تلك المرة بزي تراثي تقليدي، ينضم به العمل لسلسلة أعمال لعبيد التي تُصنفه أحياناً كفنان "منحاز للمرأة"، ومهموم بيومياتها.
6 أشهر من الإعداد
استغرق الإعداد للمعرض 6 أشهر، حسبما قال هشام قنديل رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب للثقافة لـ"الشرق"، ابتداءً من مخاطبة نخبة من الأسماء الراسخة في الحركة التشكيلية العربية، مطالبين إياهم بالاستعداد للمشاركة وتجهيز أعمال جديدة.
ولم تقتصر تلك المخاطبات، وفقًا لقنديل، الناقد التشكيلي، على الحركة التشكيلية المصرية فحسب، وإنما امتدت إلى فنانين عديدين من الدول العربية، بالنظر إلى أن هوية المهرجان عربية بالأساس، لتتنوع المشاركات بين السعودية والسودان والكويت وقطر وفلسطين وغيرها من الدول العربية.
ويؤكد قنديل، أن "أتيليه العرب" من البداية لديه توجه عربي، ويدين القائمون عليه بفكر القوميين العرب، ما انعكس كما يبدو على تسمية الأتيليه نفسها، مشيراً إلى حرصه على أن تكون كافة نشاطاته الاجتماعية والثقافية ذات هوية عربية.
وعن تطلعاته للمستقبل، يطمح رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب، إلى توسيع زاوية المشاركة من قبل فنانين من الشرق الأقصى وأوروبا أيضاً.