يكرّم متحف معهد العالم العربي في باريس بالتعاون مع صندوق "كلود وفرانس ليمان"، الفنانة الجزائرية "باية" أو فاطمة حداد (1931 ــ 1998)، من خلال معرض استعادي هو الأضخم، لجهة حجم الأعمال التي جُمعت للفنانة من متاحف عربية وأوروبية عدّة.
تتميّز لوحات باية بألوانها المبهجة، ورسوماتها الفانتازية التي تعبّر عن الطبيعة بأسلوبٍ جذّاب، أسر بابلو بيكاسو، وأندريه بروتون، وجورج براك، وألبير كامو، وفنانين ومثقفين آخرين.
وقد وصفها الشاعر الفرنسي أندريه بروتون بـ"الإشراقة المتلألئة"، وتحدّث بيكاسو عن مهاراتها في تشكيل "منحوتات ذات تعبيرية عالية"، ووصفها كامو "بالمعجزة التي يشهد عليها كلّ واحد من رسوماتها.. إنها فرحة للعينين والقلب".
"ظاهرة باية"
يلقي المعرض الضوء على "ظاهرة باية" من منظور دراسي لمرحلة ما بعد الاستعمار، عبر الكشف عن أرشيفها الخاص، لا سيما مراسلاتها مع والدتها بالتبنّي مارغريت كامينات.
اشتّهرت باية في سن السادسة عشرة من عمرها، واستطاعت تلك الفتاة الصغيرة الأمّية، على غرار 98% من فتيات جيلها، أن تتقن لغة الأشكال والألوان، وتبتكر عالماً خاصّاً بها، أبهر عشّاق الفن في باريس، واستحوذ على اهتمام الصحافة، رغم المعاناة التي عاشتها الفنانة في نهاية الفترة الاستعمارية.
يهدف المعرض إلى تحليل السياق التاريخي والاجتماعي والجمالي لأعمال باية في كل مراحل حياتها، كما تدرس هذه الأعمال جوانب فرادتها وعالميتها.
لقد اختارت فاطمة حداد لنفسها في وقتٍ مبكّر اسم باية، بعد أن اكتشفتها مارغريت كامينات في سن الحادية عشرة، وهي امرأة جاءت إلى الجزائر هرباً من فرنسا المحتلة عام 1940. وقد ربّتها وعلّمتها القراءة والكتابة، وشجّعتها على الحفاظ على تراثها الثقافي الجزائري في رسوماتها.
بيكاسو
عام 1947، نظّم العارض إيمي مايخت معرض باية الأوّل في باريس، بعدما اكتشف موهبتها لدى زيارته الجزائر. أبهرت باية حينها عشّاق الفن ودخلت المشهد التشكيلي بقوّة. وفي عام 1948، عادت إلى فرنسا للعمل على منحوتاتها، فلاحظ بيكاسو إبداعها في تطويع الطين في ورشة "مادورا" للخزف في فالوريس.
بفضل والدتها بالتبني ومعجبيها المؤثّرين، من أمثال الشاعر جان سيناك، بقيت بايا حاضرة على الساحة الفنية حتى حرب الاستقلال (1954-1962).
تزوجت عام 1953 من الموسيقار الحاج محفوظ محي الدين، وتوقّفت عن الرسم لتكرّس نفسها لحياتها العائلية، وأنجبت ستة أطفال. عام 1962، استعادت نشاطها الفني بمساعدة الرسّام جان دي ميسونسول، المدير الجديد للمتحف الوطني للفنون الجميلة في الجزائر. إذ عُرضت أعمالها هناك، واحتفظ المتحف ببعضها حتى اليوم.
أسلوب فني
على الرغم من شخصيتها الرصينة، والمتناقضة مع المشهد الفني الصاخب الذي ضمّ تيارات مختلفة في الجزائر العاصمة، شكّلت باية طريقها الخاص، كما سعت إلى ربط فنها بمصادر الفن الإفريقي، والفنون الشعبية في المغرب العربي.
حصلت بايا عام 1969 على الجائزة الكبرى للرسم لمدينة الجزائر العاصمة، وواصلت إنتاجها الغزير الذي حظي بتقديرٍ دولي رفيع.
اقرأ أيضاً: