"بين أشياعه ومخالفيه".. خريطة أصدقاء ومعارك طه حسين

time reading iconدقائق القراءة - 10
غلاف كتاب "طه حسين.. بين أشياعه ومخالفيه" للكاتب العراقي مهدي شاكر العبيدي - الشرق
غلاف كتاب "طه حسين.. بين أشياعه ومخالفيه" للكاتب العراقي مهدي شاكر العبيدي - الشرق
القاهرة -ميّ هشام

في كتابه "طه حسين.. بين أشياعه ومخالفيه" الصادر أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يراجع الكاتب العراقي مهدي شاكر العبيدي، عشرات المؤلفات والمقالات والكتب التي صدرت عن عميد الأدب العربي طه حسين، وحتى المحاضرات التي ألقيت عنه.

وعلى الرغم من أن طه حسين الذي لُقب بعميد الأدب العربي، فارق الحياة في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن مؤلفاته ودوره في الثقافة العربية لا يزال مثار اهتمام الباحثين حتى اليوم.

والعبيدي ناقد وصحافي عراقي من مواليد بابل في عام 1933، ويقيم حالياً بولاية تكساس الأميركية، وصدرت له مؤلفات عدة، منها "حوار في مسائل أدبية"، و"أضواء على الجانب الآخر"، و"أفكار بلا أسوار"، و"أشتات من حياة شعراء محدثين"، و"رسائل في الأدب والثقافة".

 في ميزان الأدباء والعلماء

في الفصل الأول يتعهد الكاتب بالكثير من التفصيل والإسهاب بشأن السفر الضخم المنسوب للأديب السوري محمود العبيدي الإستانبولي والصادر مطبوع عام 1983 بعنوان "طه حسين في ميزان الأدباء والعلماء"، منتقداً تحامل الكاتب على عميد الأدب العربي، وحرصه على إفراد مواد عديدة تنال من طه حسين في كتابه الذي يحتوي على نحو 700 صفحة.

وعلى الرغم من ذلك، يصف العبيدي، الكتاب بأنه يحتوي على كمية كبيرة من الدراسات والمقالات التي تسهب في تناول إنتاج طه حسين المتنوع من الكتب والدراسات، وحتى محاضراته التي لم تصدر مضامينها في كتب، بجانب تعقيبات المؤلف المتداخلة مع الفصول، والتي يرى فيها تصويباً لآراء طه حسين.

ويعتبر العبيدي أن تصفح مجلد الإستانبولي لا يخلو من فوائد، إذ تحتوي صفحاته على تلخيص مداخلات مصطفى صادق الرافعي في كتابه "تحت راية القرآن" الذي نُشر رداً على كتاب طه حسين "في الأدب الجاهلي"، بما يميزه من موضوعية بعيدة عن التجريح.

خريطة العداوات

ويرسم العبيدي في الفصل الأول ما يمكن تسميته خريطة العداوات لطه حسين والداعمين له، وحتى المترددين في موقفهم منه، وأيضاً من تحوّلت مواقفهم بمرور الوقت، ومنهم الناقد عبدالعظيم أنيس، والصحافي أنور الجندي، والمفكر محمود أمين العالم، والدكتور زكي مبارك.

في الفصل التالي، يواصل الكاتب العراقي استعراض أبرز المخالفين والمعترضين على طه حسين، ليس على مستوى مصر فحسب، وإنما في الأقطار العربية الأخرى، وفي مقدمتهم ناصر الدين الأسد، ومحمود محمد شاكر، وماجد صالح السمرائي، وعبدالغني الملاح.

ويستعيد العبيدي، واقعة ترجع إلى عام 1974 في تأبين طه حسين الأول بالقاهرة، حين استغل الأكاديمي والأديب الأردني ناصر الدين الأسد، الفرصة التي أتيحت له في الاحتفالية، لاستعراض نتائج أطروحته المعروفة "في مصادر الشعر الجاهلي"، والتي تعارض كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" وتفند ما فيه، وكان مما أثار تعجب الكاتب، أن تلك الخطبة لم تكُن لتُلقى في حفل تأبين، والمنطقي أن تقال في ندوة أو مناظرة.

ويتعرض الكتاب لموقفين متناقضين من الأديب محمود محمد شاكر، إزاء طه حسين، الأول حينما اتهم في كتابه "أسمار وأباطيل"، مجلة "الكاتب المصري" التي ترأس تحريرها طه حسين بتلقي تمويلاً خفياً للترويج لأغراض بعينها قبيل نكبة فلسطين عام 1948، على الرغم من مشاركة عدد من صفوة الباحثين العرب والمصريين بالكتابة فيها.

الموقف الثاني عام 1975، حين قال شاكر في أعقاب وفاة طه حسين رداً على سؤال لمندوب المجلة ذاتها عن دور طه حسين، إنه "عرفه محباً للغة العربية حباً شديداً، حريصاً على سلامتها ومتذوقاً لشعرها ونثرها أحسن التذوق".

هذا الرأي عززه بمقال نشره لاحقاً تحت عنوان "كانت الجامعة هي طه حسين"، جزم فيه ببراءة طه حسين، بقوله "فهو لم يكن يريد قط باللسان العربي شراً، بل كان من أكبر المدافعين عنه".

علاقات طيبة مع أباظة وخوري

ومن العداوات إلى أشخاص كانت بينهم وطه حسين روابط إنسانية وأدبية، من بينهم الروائي ثروت أباظة، والذي حظيت روايته الأشهر "هارب من الأيام" بإعجاب حسين واحتفى بها نقدياً، ما وطد علاقتهما، وجعل أباظة ينفذ إلى عزلة العميد التي فرضها على نفسه في أواخر أعوامه.

ويستعرض العبيدي كُتيباً نشره أباظة بعنوان "شعاع من طه حسين"، يحتوي على ملحق صور في نهايته بينها صور فريدة للعميد، منها محاضرته الأولى بالجامعة المصرية، والتي اندس فيها والد طه حسين الشيخ حسين سلامة بين الطلاب يتابع شرحه لجغرافية الجزيرة العربية.

علاقة أخرى، يوثق لها العبيدي، وهي علاقة طه حسين بالأديب اللبناني رئيف خوري، والذي زامله في المناظرة الشهيرة "لمن يكتب الأديب؟"، وتبنى كل منهما رأياً مضاداً للآخر، ويظن المؤلف أن خلافهما في المناظرة كان مصطنعاً لإثراء الحياة الثقافية العربية، بينما على الأرجح يميل الثنائي للانحياز لأن تكون الكتابة للكافة، وليست منتجاً نخبوياً.

طه حسين.. سياسياً

يتطرق الكتاب إلى زاوية المقال السياسي، وإلى أي مدى كان طه حسين موفقاً فيها، عبر دراسة مقالات طه حسين المنشورة في جريدة كوكب الشرق خلال عام 1933، والتي جمعت أخيراً بواسطة الأديب المصري محمد سيد كيلاني في كتاب "تجديد".

وتتعدد ملاحظات العبيدي على المقالات، أبرزها ما جاء في نقد وزارة إسماعيل صدقي، التي أقصته عن عمادة كلية الآداب عام 1932 على خلفية أزمة "في الشعر الجاهلي"، إضافة إلى نقطة التحول المشهودة في موقف حسين، إذ احتفى بسعد زغلول وأثنى على انحيازه الشعبي، في لحظة يرى الكاتب أنها تمثل تحوله من الاصطفاف بجوار المثقفين، إلى الفئات الشعبية التي تطرح مطالبها المشروعة.

نقطة التحول الفكري الأخرى التي يرصدها العبيدي، هي تلك النقطة من "الليبرالية السائبة"، إلى الديمقراطية الاجتماعية، والتي بدت مسوغاتها في محاضرة لطه حسين بالجامعة الأميركية وثق لها الأديب المصري نبيل فرج في كتاب عن طه حسين نُشر بسلسلة "كتاب الهلال"، عام 1942، واستفاض فيها في بيان علاقة الديمقراطية بالعدل، وكان في السابق موسوماً بأنه مهتم غالباً بالوقوف على المشكلات المجتمعية، دون النظر لأوضاع الشعب.

من الصداقة إلى العداء

وفيما تبدو العداوات والعلاقات الطيبة سهلة الاستيعاب لأي متأمل لحياة طه حسين، تبدو التحولات من الصداقة والصحبة إلى العداء هي الأكثر قدرة على إثارة الدهشة، وهي في حالة عميد الأدب العربي عديدة ودرامية، كما يورد العبيدي في كتابه.

من هذه العلاقات علاقته بالصحفي والكاتب المصري أنور الجندي، والذي عُرف بمعاداته الفكرية لمنجزه البحثي والنقدي وكتاباته في محاكمة فكره، غير أن العبيدي يشير إلى مقال نشر للجندي في عدد تكريمي عن طه حسين نشرته دار الهلال في منتصف الستينيات عنوانه "صفحات مجهولة في حياة طه حسين"، يظهر فيها إعجابه بشخص طه حسين وفنه الآسر.

وهناك أيضاً مقالات عديدة نُشرت في دوريات عربية مختلفة أفصح فيها الجندي عن مضامين حوارات شخصية له مع العميد، منها على سبيل المثال الشخصية الحقيقية التي ألهمت طه حسين لكتابة رواية "أديب".

ويضع العبيدي في مقام التحولات من طه حسين ذاته، الناقدين زكي مبارك، ومحمد مندور، الذين بدأت علاقتهما بحسين على نحو طيّب، وانتهت إلى عداوة شديدة.

ويفرد العبيدي فصلاً كاملاً عن كتاب "طه حسين يتحدث عن أعلام عصره"، للكاتب محمد الدسوقي، الذي صحب طه حسين سنوات يقرأ له ويعاونه في شؤونه، ثم نشر باقة من الآراء الجدلية التي يزعم أنها للعميد عن أعلام عصره، وبينها رأي مخالف للرأي المعلن له عن كتابات محمد حسين هيكل، وهو ما اعتبره العبيدي يندرج تحت باب الذم والاغتياب، وتشويه الصورة الصافية لطه حسين وعلاقاته.

طه حسين في رأي الكتاب

في الفصول التالية يتناول العبيدي، عدداً من الكتب التي كانت موضوعاتها طه حسين أو كتبه، ومنها "على باب سجن أبي العلاء"، للشاعر العراقي معروف الرصافي، وهو الكتاب الذي يرى العبيدي أنه يخالف غالبية آراء طه حسين عن الفيلسوف الشهير ورهين المحبسين، الذي كان موضوعاً لبحث عميد الأدب العربي الشهير.

ويوضح العبيدي نقاط الخلاف الجوهرية بين طه حسين والرصافي في سيرة وأدب أبي العلاء، مشيراً إلى أن أهم ما يميز كتابة الرصافي عن طه حسين هو التأدب الجم والإجلال، حتى وإن كان يعادي استنتاجاته تماماً.

الكتاب الآخر الذي يستعرضه العبيدي، هو "طه حسين وثورة يوليو: صعود المثقف وسقوطه" للأكاديمي مصطفى عبدالغني، والذي وصفه العبيدي بأنه "أكتوبة جارحة" في حق طه حسين، لا يشفع لها أن كاتبها أكد على وده الشديد لطه حسين في مقدمته، وأن نشره للكتاب من قبيل الموضوعية والحياد.

"رسائل طه حسين"، هو الكتاب الثالث الذي يراجعه العبيدي لمؤلفه إبراهيم عبدالعزيز، الباحث غير المعاصر لطه حسين، والذي حصل على المراسلات المتبادلة بينه وأصدقائه من حفيدته منى الزيات ضمن أوراقه.

ويأخذ العبيدي على المؤلف عدم دقة العنوان، إذ يوحي بأنها رسائل بحثية، ويرى أنه كان من الأوفق أن يسمي الكتاب "رسائل إلى طه حسين ومنه إلى أصفيائه".

وفي ختام الكتاب، يشير العبيدي إلى دائرة الشخصيات التي يمكن العثور على أصداء فكر طه حسين في كتاباتها، بدلاً من الشخصيتين المعتادين في هذا السياق وهما عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، واللذين يرى المؤلف أنهما وإن تشابهت أدوارهما في الثقافة مع طه حسين، فإنهما يخالفانه في الكثير من وجهات النظر.

ويورد الكاتب تراجم 6 ممن وصفهم بأنهم "مجتهدة القلم"، ويرى أنهم الأجدر باقتفاء أثر طه حسين، وهم الدكتور الفيلسوف منصور فهمي، والكاتب عبدالعزيز البشري، وتلميذه البار لويس عوض، وتلميذه الدكتور محمد مندور، والشيخ مصطفى عبدالرازق، ورفيق بعثته إلى فرنسا محمد صبري.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات