رسم ونحت وجماليات الأسود والأبيض في "لحن النور"

time reading iconدقائق القراءة - 6
لوحة للرسام المصري عماد إبراهيم - خدمة المعرض
لوحة للرسام المصري عماد إبراهيم - خدمة المعرض
اندبندنت عربية - ياسر سلطان

تمثل عناوين المعارض الفنية أمراً مربكاً للفنان، ففي حين يلجأ بعض الفنانين إلى عناوين مباشرة لها علاقة بالتقنية أو الفكرة المحورية للمعرض، يختار آخرون عناوين فضفاضة أو غير مباشرة، أو قد تتسم هذه العناوين بالشاعرية أحياناً. "أنا وحبيبي" و"لحن النور"، نموذجان لهذه العناوين الشاعرية التي قد تصادف المتابع للمعارض العربية في شكل عام. العنوانان السابقان لمعرضين مختلفين يستضيفهما جاليري الزمالك في القاهرة حتى 17 من أكتوبر للفنانين عماد إبراهيم وهاني فيصل. فإلى أي مدى تُعبر هذه العناوين الشاعرية عن محتوى هذه المعارض بالفعل؟

في معرضه "لحن النور" يقدم الفنان عماد إبراهيم مجموعة متنوعة من أعمال الرسم، وهي أعمال مختلفة عن مسار تجربته في شكل عام. في هذه اللوحات يوظف الفنان للمرة الأولى أقلام الكتابة ذات اللون الأسود، في إنشاء مساحاته اللونية على القماش، وهي مساحات لونية مُحايدة بحكم اعتمادها على درجات الأسود والأبيض. وعن طريق الخطوط الدقيقة المتتابعة والمشتبكة لأقلام الكتابة، تتشكل المساحات القاتمة والمتفاوتة في كثافتها، لتبرز الأشكال ويتوالد بعضها من بعض. تتخذ كتلة اللون في معظم هذه الأعمال هيئة هرمية تتسم بالثبات، وهي تتفاوت في الكثافة، وتتدرج في يسر من القاعدة الأكثر قتامة وحتى المساحات المضيئة في أعلى اللوحة. الأعمال المعروضة مختلفة المساحة، فقد تتخطى مساحة بعضها الخمسة أمتار، وأخرى صغيرة تقترب من مساحة راحة اليد.

عبر هذا الاشتباك بين المساحات المعتمة والمضيئة، تتحرك الأجساد البشرية وتتشكل معالمها، أجساد خارجة من رحم العتمة تصوب نظراتها نحو المشاهد مباشرة. وعبر المساحات الداكنة تتسلل كذلك أياد مستسلمة وخشنة لتعلن عن حضورها هي الأخرى، كبقع مضيئة ونقاط للتوازن داخل المساحة اللونية في آن واحد.

هذه الأعين الخجولة أو المستكينة التي تراقب المشاهد بصمت، تضفي على اللوحات أثراً شاعرياً بلا شك، وتشتبك هذه الشاعرية بأجواء أسطورية غامضة تثيرها هذه المعالجات الرصينة والإضاءة المسرحية للتكوينات.

لعل السيطرة على مثل هذه المساحات الكبيرة باستخدام هذه الأدوات الخشنة وغير المعتادة، كأقلام الكتابة، تحمل صعوبة بالطبع، وهي تحد لا بد أنه قد واجه الفنان عماد إبراهيم بلا شك. 

لا تكمن الصعوبة هنا في الجهد المبذول فقط في توظيف هذه الخطوط الدقيقة لأقلام الكتابة، بل في القدرة على بناء طبقات متباينة الكثافة من اللون الواحد، داخل المساحة باستخدام الأداة نفسها.

المفهوم كما جاء في الكلمة التقديمية للمعرض للناقدة المصرية منى عبد الكريم، يشير إلى تأثر الفنان بعمال البناء الذين تعامل معهم أثناء قيامه ببعض التجديدات في منزله. هذه الأجساد المنهكة والوجوه الساهمة والأيدي الخشنة، وحتى أصوات هؤلاء العمال، تمتزج بصوت الغناء الصادح لأم كلثوم التي أفرد لها الفنان واحدة من لوحات المعرض. نجح الفنان في تحويل هذه العناصر إلى صمت بارع ومؤثر، صمت شجي يخطف القلوب يمكن أن يحيلنا إلى عديد من التساؤلات والدلالات.

المعرض الآخر في مساحة المقابلة من الصالة، هو للنحات هاني فيصل، ويضم مجموعة من الأعمال النحتية تحت عنوان "أنا وحبيبي". جميع الأعمال النحتية في هذا المعرض من أحجار البازلت والغرانيت الأسود، وهي أحجار تتمتع  بالقسوة والصعوبة في تشكيلها. هذه الأحجار الصلدة يمكن أن تتحول تحت إزميل الفنان إلى خامة لينة بالطبع، وهو تحد تمرس عليه النحاتون منذ فجر التاريخ. بعض الأعمال التي يقدمها الفنان هاني فيصل في معرضه تسير على النهج نفسه الذي تمرس عليه صناع التماثيل المهرة منذ آلاف السنين. من المؤكد أن هذه المهارة المتوارثة تمتزج بذائقة الفنان ورغبته في الخروج بصيغ جديدة ومختلفة للعمل النحتي. 

تطالعنا هنا ثنائيات مؤلفة من رجل وامرأة، وقد يتشارك أحدهما الحضور مع حيوان أو طائر، في معالجات كلاسيكية الطابع أو خيالية، وذات دلالة معبرة. أمامنا مثلاً عمل من حجر البازلت لرجل وامرأة يمتطيان ظهر أحد الطيور، وفي عمل آخر من الغرانيت يظهر أحد العناكب، وهو يعبث بأوراق كتاب. إلى جانب ذلك ثمة حرص واضح لدى الفنان على تمثيل الأجساد الممتلئة والنحيفة.

وفيها يحافظ الفنان على قدر من رشاقة الحركة. اللافت كذلك في هذه المعالجات أن ملمس الكتلة الحجرية يراوح بين المساحات الخشنة ذات اللون الرمادي والمساحات الناعمة بلون القاتم، وذلك بفعل المعالجة النحتية للسطح الحجري، ولا شك في أن هذا التباين في اللون والملمس له أثره في إثراء الشكل وتناغم الكتلة.

* هذا المحتوى من موقع اندبندنت عربية

تصنيفات

قصص قد تهمك