
بعد 5 سنوات من العمل على ترميمها بتمويل من "صندوق السفراء الأميركي للحفاظ على التراث"، افتُتحت الأحد في القاهرة قبة ضريح الإمام الشافعي التي تُعد من المعالم المميزة في العمارة الإسلامية.
وشارك في حفل الافتتاح عدد من المسؤولين، من بينهم وزير الآثار المصري خالد العناني والسفير الأميركي جوناثان كوهين.
23 مليون جنيه
وفي حديث لـ"الشرق"، قالت مديرة مشروع الترميم، الدكتورة مي الإبراشي، إن تكلفة إعادة ترميم "قبة الإمام الشافعي، وصلت إلى 23 مليون جنيه مصري"، مضيفة أن جمعية الفكر العمراني اختارت هذا المعلم الأثري، بعد وقوع هبوط أرضي قبل 5 سنوات، وذلك خلال عملها في مشروع ترميم الأضرحة بمنطقة القرافة في العاصمة القاهرة.
وجرى تنفيذ عمليات الترميم بواسطة خبرات من المصريين فقط، دون الاستعانة بخبراء أجانب، وقالت الإبراشي، وهي أستاذة زائرة في قسم العمارة بكلية الهندسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتترأس أيضاً مجلس إدارة جمعية الفكر العمراني، إن "فريق العمل في مشروع الترميم يتألف من 100 شخص، بينهم استشاريون في مجالات الإنشاء والترميم والإنارة وعمال ومهندسون وحرفيون".
خطة سياحية
وإضافة إلى القيمة الثقافية والدينية، تهدف الجمعية المصرية للفكر العمراني، من خلال ترميم المعالم الأثرية الإسلامية في القاهرة، إلى تحسين البنية التحتية لهذه المواقع، بغية استثمارها في خطة سياحية متكاملة. كما يمتاز موقع "قبة الإمام الشافعي" بقربه من متحف الحضارة الذي تم افتتاحه مؤخراً، وتُعد هذه الأماكن التاريحية مصدر جذب للزوار والسياح.
وتضم المنطقة التي يقع فيها مسجد وقبة الإمام الشافعي أماكن تاريخية أخرى مهمة، على غرار "حوش الباشا"، وهو مدفن لعائلة محمد علي التي حكمت مصر في النصف الأول من القرن الـ19، وكذلك يوجد في المنطقة ضريح الإمام الليث بن سعد، وغيرها من الشواهد الفاطمية والمباني التاريخية.
اكتشافات أثرية
ولم تقتصر جهود فريق جمعية الفكر العمراني على أعمال الترميم فحسب، إذ شملت أيضاً مهام فنية، مثل الرسم المعماري الكامل للقبة، من الداخل والخارج، وإضافة نماذج عديدة من الزخارف التي تحاكي الطابع الإسلامي للمرحلة التي شُيّد فيها هذا الصرح.
واستطاع الفريق أيضاً إنجاز عدد من الاكتشافات الأثرية، وقالت الإبراشي: "اكتشفنا ضريحاً سابقاً للإمام الشافعي لأول مرة، وأنجزنا عنه توثيقاً كاملاً، لأن دفن الإمام عند عائلة ابن الحكم بعد وفاته جعل المكان مزاراً ومقصداً للزوار، دون معرفة ما يحتويه سابقاً".
وخلال العمل على حل مشكلة الهبوط الأرضي في الموقع الأثري، اكتشف الفريق بقايا جدران لضريح سابق من العصر الفاطمي، يسبق عمرها المبنى الحالي بنحو 60 عاماً، وتتصف بطراز فاطمي واضح.
وأضافت الإبراشي: "اكتشفنا أرضيات وجدراناً كاملة تماماً، بارتفاع 80 سم، مع بقايا الرخام للقبة والمحاريب وأجزاء من الجزء العلوي للقبة".
كما تم العثور على ما يزيد عن ألف قطعة للجسم الزخرفي على القبة، إضافة إلى اكتشافات لقطع أثرية أخرى، حيث من المتوقع أن يتم عرضها في مركز الزوار بالمبنى الملحق بالقبة، ما يُمثل خطوة مقبلة من مشروع الترميم، والتي تشمل عرض المكتشفات، وقصة حياة الإمام الشافعي، وتاريخ القرافة.
الهلال والمركب
وتعرضت قبة ضريح الإمام الشافعي إلى العديد من المشاكل الإنشائية مثل الهبوط النسبي وعدم تناسق الألوان من الداخل بسبب الترميمات السابقة وتسرّب مياه الأمطار، وفي ظل ذلك، استدعت الحاجة بناء جسر لتدعيم وتقوية وتثبيت القبة.
أما بالنسبة إلى المسجد فكانت الأرضيات تعاني جرّاء هبوط نسبي في بعض المواقع، إضافة إلى عدم ملائمة الإنارة للمكان.
وتتميز قبة الإمام الشافعي بشكلها المركب الذي يعلوه هلال، ويربط البعض بين لقب الإمام الشافعي "بحر العلوم" وشكل القبة، وتعد أيضاً أقدم وأكبر قبة خشبية في مصر، بقطر يصل إلى 17 متراً، أما سماكتها فتصل في بعض الأجزاء إلى 10 سم، وهو ما تصفه الإبراشي بـ"الإعجاز الهندسي".
وخضعت القبة لسلسلة من أعمال الترميم والتجديد على مر العصور منذ أن بناها الملك الكامل، خامس سلاطين الدولة الأيوبية،الذي حكم مصر بين عامي 1218 و1238. ولطالما تمتعت القبة بأهمية دينية، ولذلك شهدت 3 عمليات تجديد في العصر المملوكي واثنتين في العصر العثماني ومثلهما في عهد أسرة محمد علي باشا،إضافة إلى مشروع آخر في العصر الحديث، فضلاً عن عملية الترميم الأخيرة.
رحلة الإمام الشافعي
وفي حديث لـ"الشرق"، قال الدكتور حسام الدين إسماعيل، أستاذ الآثار الإسلامية في جامعة عين شمس، إن قبة الإمام الشافعي "تتمتع بقيمة تاريخية معمارية تميزها عن غيرها من القباب لكونها ترتبط باسم الإمام الشافعي الذي يُعد الوحيد من أئمة المذاهب الأربعة الذي عاش في مصر حتى مات ودُفن في أرضها".
وكان الإمام الشافعي انتقل إلى القاهرة أوائل القرن الثالث الهجري، وألقى دروسه في جامع عمرو بن العاص، وتتلمذ على يديه العديد من العلماء حتى توفي عام 204 للهجرة،قبل أن يدفن في تربة أولاد ابن عبد الحكم في القرافة الصغرى.
وأضاف إسماعيل "قام صلاح الدين الأيوبي ببناء ضريح الإمام الشافعي، والذي يعد أول مبنى يقوم على قبر الشافعي"، مشيراً إلى أن القبة الخشبية تم بناؤها عام 608 للهجرة، خلال عهد السلطان الكامل ابن السلطان العادل، شقيق صلاح الدين الأيوبي، وذلك عند دفن والدته الأميرة شمس، حيث كانت العادة وقتها دفن الموتى تحت أقدام أولياء الله.
ولفت إسماعيل إلى أن قبة الإمام الشافعي تفردت من الناحية المعمارية بأنها الوحيدة التي تتكون من 3 صفوف من المقرنصات الخشبية ذات العقود المنكسرة، في حين تتكون القباب الآخرى من صفين فقط.
وبخلاف النقوش والزخارف، تحتوي القبة على آيات قرآنية وترجمة لقصة حياة الشافعي، إضافة إلى الرخام الموجود في القبة، والذي أمرت بإنشائه خوشيار قادين، والدة الخديوي إسماعيل، خلال القرن التاسع عشر.