من أعلى الدرج المطلّ على دير "سانت بول" في بروفانس الفرنسية، يمكن رؤية حقل القمح الذي فكّر فيه فنسنت فان جوخ، ورسمه خلال مكوثه لمدّة سنة لتلقي العلاج في الدير الفرنسي.
فما يزال "Saint Paul monastery" الذي أنجز فيه الفنان الهولندي روائعه الفنية، مكاناً للعلاج النفسي بواسطة الفن، ويعالج عملاءه حصرياً من النساء حتى اليوم.
يقام داخل الدير معرض دائم للأعمال التي أنجزها المرضى في استوديو العلاج بالفن، تتمّ استضافته بالشراكة مع مدرسة الفنون البصرية في نيويورك، لعرض أعمال العملاء والطلاب، ويستمر في جذب آلاف الزوّار كل عام.
جودة الضوء
وصل فان جوخ في 8 مايو 1889 إلى سان ريمي دي بروفانس، قادماً من آرل، مفتوناً بجودة الضوء وجمال المناظر الطبيعية التي اكتشفها في سان ريمي، وهي ألهمته في أعماله، في ظل وجوده بين الراهبات والممرضات اللواتي استقبلوه.
أنجز فان جوخ في الدير الفرنسي 150 لوحة زيتية وأكثر من 100 "سكتش" في 53 أسبوعاً.
الغرفة في الطابق العلوي، تحكي تاريخ مستشفى "سانت بول" للأمراض النفسية والعقلية، وما تزال هناك نسخة طبق الأصل، من الغرفة التي كان فان جوخ محتجزاً فيها.
من اللوحات الأكثر شهرة التي رسمها جوخ في الدير: "القزحية"، "ليلة مرصّعة بالنجوم"، "بستان الزيتون"، "حقل القمح مع السرو"، "الخطوات الأولى"، "حقل القمح مع حاصدة"، "القيلولة"،" قاطعو الطريق "، "حديقة في دار رعاية سانت بول"، "إناء مع القزحية"، "غرفة فنسنت في آرل".
ألف عام
يعود تاريخ الدير إلى ألف عام، ويقع في سان ريمي دو بروفانس. في الوقت الذي دخل فيه فان جوخ المنشأة طوعاً في مايو 1889، كان قد أصبح الدير منذ فترة طويلة بمثابة ملجأ للأشخاص الذين يعتبرون "مجانين".
اختار الفنان البقاء في سان بول دي موسول، بعد أن عانى من أزمات عدّة تتعلق بالصحة العقلية، بما في ذلك الحادث السيئ السمعة عندما قطع جزء من أذنه. ورافقه إلى المستشفى القس فريديريك ساليس، وهو رجل دين بروتستانتي من بلدة آرل القريبة.
لعب ثيو فان جوخ، شقيق الفنان، دوراً حاسماً في قدرته على الرسم خلال هذا الوقت. بينما كان الموظفون داعمين للفنان، وسمحوا له بالرسم كجزء من علاجه، ووفّروا له مساحة استوديو في أرض المستشفى.
قام ثيو بتمويل مواد الرسم الخاصة بشقيقه، وأرسل إليه الإمدادات بانتظام خلال إقامته التي استمرّت لمدّة عام.
كتب جان مارك بولون، الطبيب النفسي والمدير الطبي الحالي لسان بول دي موسول، في وثيقة قدمت للزوّار، أن فان جوخ "كان مفتوناً بجودة الضوء وجمال الريف، وشعر بتشجيع الطاقم الطبي له.
توفي فان جوخ بعد شهرين من خروجه متأثراً بطلق ناري.
على خطى فان جوخ
يدير مركز الفنون في المستشفى جمعية "فاليتودو"، التي تعمل على تعزيز التنمية الثقافية والأبحاث الطبية داخل المركز. وما يزال الدير منشأة علاجية للعملاء، ومفتوح أمام الناس.
وقال دي توماسو عن الأعمال الفنية للمرضى لموقع "نيوز آرت": "قام الكثيرون من المرضى بتفسير أعمال فان جوخ. إنه الرجل الرئيسي هنا. لذا فهو بالتأكيد نقطة مرجعية لهم."
أضاف: "لديهم أسبابهم الخاصة لوضع كل ما يضعونه، ولكن من المفترض أن يتوافق نظرياً مع موضوع العام الذي تتمحور حوله الأعمال".