إسماعيل مطماطي.. الخط يتكلم أمازيغي

time reading iconدقائق القراءة - 7
الفنان الجزلئري إسماعيل مطماطي. 20 مايو 2024 - الشرق
الفنان الجزلئري إسماعيل مطماطي. 20 مايو 2024 - الشرق
الجزائر-عبد الرزاق بوكبة

يعود الخط الأمازيغي المعروف بـ "التيفيناغ" إلى ما قبل الميلاد، لكن الفنانين الذين اشتغلوا عليه من منطلق جمالي، على غرار الخط العربي الذي أصبح فناً وعلماً يدرّس في كليات الفنون، قلّة نادرة. 

وعلى الرغم من أن الخط الأمازيغي متجذّر، ومستنبط من الكتابات الصخرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ،  أفلح الأجداد في تخليد أبجديتهم، بينما عجز الأحفاد عن ذلك، في سياق زمني بات فيه الخط فناً وعلماً.

"الشرق" التقت الخطاط الجزائري إسماعيل مطماطي (1964)، أحد روّاد الخط الأمازيغي إبداعاً وتكويناً وعرضاً، داخل الجزائر وخارجها.

حكمة الشعراء

رأى مطماطي في الشعر الأمازيغي حقلاً للاستثمار الجمالي، فوظّف أشعار كبير شعراء الأمازيغ (سي محند أومحند)، وفيلسوف الأغنية الأمازيغية (لونيس آيت منغلات) في أعماله.

 يقول: "الخط رؤية للوجود، فهو ليس مجرد أشكال جاهزة وموروثة، وكذلك الشعر؛ فكان لزاماً عليّ أن أستثمر فيه لسببين: أن أغذّي لوحتي بحكمة الشعراء، وأن أجعلها في الوقت نفسه، منصّة لترويج ما تزخر به الثقافة الأمازيغية من عبقريات شعرية".

بعد تخرّجه من المدرسة الوطنية للفنون عام 1987، سأل عن أسباب غياب الخط الأمازيغي عن الممارسة الفنية والجمالية، من هنا اتجه إلى اكتساب تقنيات الخط الأمازيغي، كما يشرح لنا.

يقول مطماطي: "في البداية لم يكن الخط الأمازيغي محل دراسة وممارسة، ولم أجد قواعد أنطلق منها، ولم يكن ضمن الثقافة الأمازيغية عموماً، ولا فضاءات أعرض فيها".

يضيف: "كنت ومن يشبهني في الشغف من الخطاطين الأمازيغ، أرسم لنفسي التي علّمتني هذا الفن، فكان الأمر شبيهاً بالصلاة التي لا يراد منها إلا الحصول على صفاء الذهن والوجدان".

 ويلفت إلى سياق تاريخي بعد استقلال الجزائر عام 1962، "عندما انقسمت النخبة الأمازيغية إلى فئة موالية للخيار العربي في الثقافة والفن واللغة، وأخرى موالية للخيار الفرنسي. بينما ركزت الفئة المؤمنة بالثقافة الأمازيغية على الشق السياسي في النضال، وبقي الشق الثقافي والتكوين فيه يتيماً".

كائن فني جديد

يتذكر مطماطي أول معرض شارك فيه، كان في قصر الثقافة في الجزائر العاصمة عام 1986، إذ شبّه لوحاته مع بقية الخطاطين المشاركين بـ"البطة السوداء"، التي لا يحرمونها من العيش، لكن لا يقبلونها ضمن السرب.

يقول: "مع ذلك كان هدفي أن تقع العيون على هذا الكائن الفني الجديد، الذي يُسمّى الخط الأمازيغي، فإن حظيَ بالقبول، فذلك ما أردناه، وإن لم يحظَ، فيكفي أن يخلق جدلاً بين الأوساط المختلفة". 

انفراج فني

شكّل دستور عام 1989 بإقراره التعددية الحزبية والثقافية، انفراجاً في حياة الجزائريين، فكانت لوحات مطماطي، من بين المستفيدين من الانعتاق وفرصة التعبير عن الذات، وأصبح مسموحاً للسياسي والفنان الحامل لخطاب الدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغية أن يعبّر، من غير أن يتعرّض للقمع أو السجن أو الإقصاء.

لكن مطماطي كان وما يزال يؤمن "بأن الفن لا يستطيع أن يكون في خدمة السياسيين، فلم أسمح لهم، سواء كانوا معارضين للسلطة أو موالين لها، باستغلال مشروعي الفني، ضمن أجنداتهم السياسية".

خطاب الإرهاب

لم تدم تلك البحبوحة السياسية إلا ثلاث سنوات، بتوقيف المسار الانتخابي وانطلاق العنف والإرهاب، إذ كان الفنانون في طليعة الوجوه المستهدفة من قِبل الجماعات المسلحة، وخصوصاً أولئك الذين يرفضون توظيف الدين في السياسة، ومنهم المغنّي الأمازيغي معطوب الونّاس، فكان على لوحة مطماطي أن تعود إلى القبو من جديد. 

"فن الخط البربري"

يواصل محدّثنا: "لم يكن جبناً مني، أو من زملائي الفنانين، أن يتراجع ظهورنا خلال تلك السنوات، فقد كنا نظهر أحياناً، فنعرض ونتحدّث ونندّد بآلة الإرهاب، لكننا لم نكن نعطيها فرصة لتصفيتنا، حتى لا تُصفّى مشاريعنا الفنية".

استغلّ صاحب "معرض "فن الخط البربري"، وكتاب "التفيناغ" الذي ضمّ نخبة من لوحاته ورؤاه الفنية، تلك المرحلة في تطوير أدواته والدخول بالخط الأمازيغي إلى مساحات تشكيلية مستحدثة.

 يقول: "رأيته محتاجاً إلى تفجير جمالي من الداخل، حتى يصبح أكثر إشباعاً وإشعاعاً وإقناعاً، فحدث أن كنت أرسم بشراهة كبيرة، ليس فقط هرباً من الموت المتجوّل في الخارج، وخصوصاً أني كنت مقيماً في منطقة تعدّ بؤرة للاعتداءات الإرهابية في ولاية بجاية، ولكن أيضاً لأستخرج أكبر قدر من الحياة التي كنت أراها وأحسّها في الخط الأمازيغي".

الهجرة إلى فرنسا

كان عام 2001 حاسماً في مسار محدّثنا، بأن هاجر إلى فرنسا واستقرّ فيها. وينفي أن يكون ذلك هروباً من وطنه، بل كان هروباً بفنه.

يشرح فكرته: "كان علي أن أوفّر للوحتي فرص الضوء الذي تستحقّ الحصول عليه، وتقدر على منحه بالموازاة. ولم أجد أفضل من الفضاء الفرنسي في هذا الباب، بالنظر إلى رصيده التاريخي في احتضان الفنون الوافدة إليه". 

إشعاع دولي

عرض مطماطي في العديد من المدن الفرنسية، منها باريس، ومنها انطلق إلى بقاع أخرى في العالم، مثل الدار البيضاء ومونتريال. 

يقول: "كان زوّار معارضي يعاينون لوحاتي، وكنت أعاين عيونهم وملامحهم، وهي تتفاعل معها. إنها عيون غير مؤدلجة، فهي تعتمد المعايير الفنية والاختلاف الحضاري في تقييمها، عكس بعض العيون الجزائرية التي تقفز على الأبعاد الجمالية للوحة، وتركز على الأبعاد الأيديولوجية".

حلم المتحف

يرغب مطماطي إنه بعد أن جاب العالم، وساهم في التعريف بالخط الأمازيغي، "في فتح متحف صغير يضم كل ما يتعلق بهذا الفن". نقل هذه الرغبة/ الحلم إلى بعض المسؤولين في الجزائر، "لكن الحلم بقي معلقاً، راجياً ألا يبقى كذلك إلى أن أرحل عن هذا العالم". 

وختم: "إذا حافظ الخط الأمازيغي ومعه شقيقه الخط العربي على ملامحنا الحضارية على مدار قرون، فقد حان الوقت لأن نرد له الجميل، بأن نحافظ بدورنا عليه".

تصنيفات

قصص قد تهمك