"شجاعة أن تكون مكروهاً".. وصفة يابانية باعت ملايين النسخ

time reading iconدقائق القراءة - 6
غلاف كتاب "شجاعة أن تكون مكروها" - simonandschuster.com
غلاف كتاب "شجاعة أن تكون مكروها" - simonandschuster.com
الدار البيضاء-مبارك حسني

"الاختلاف بين الناس، لا يعني أنهم غير متساوين. أن لا تُحسن فعل شيء ما، لا يعني أنك أقل أو أفضل من الآخرين. الحياة ليست مسابقة تفرض منطق الانتصار والخسارة، كما أن ارتكاب الأخطاء ليس عيباً، بل يجب أن نفنرض وقوعها ونتقبّلها".

هذا جوهر كتاب "شجاعة أن تكون مكروهاً"، الذي صدرت ترجمته الفرنسية حديثاً (280 صفحة)، عن دار "كي تريدانيال" في باريس، وكان صدر في اليابان سنة 2013، وبيعت منه أكثر من 3 ملايين نسخة، وما يزال يثير شهيّة قرّاء جدد حول العالم. 

الكتاب عبارة عن حوار روائي طويل، على طريقة الحكي الياباني، ممزوجة بالحوارية السقراطية، بين فيلسوف "يعتقد أن العالم بسيط، وأن السعادة في متناول كل إنسان"، وبين شاب قَلق "غير راضٍ عن الحياة، بل يعتقد أن كل فكرة عن السعادة هي تافهة".

يسعى كل إنسان كي يكون محبوباً من الجميع، وكلما تحقّق له ذلك شعر بالسعادة. فكيف لكاتب وفيلسوف مشبع بالفلسفة اليونانية مثل إيشيرو كيشيمي، والكاتب فوميكين كوجا، أن يوصيا بالتحلّي بالشجاعة وتحمّل كراهية الآخرين؟ 

والحق أن الكاتبين لا يرومان اللعب على الكلمات الجاذبة للدهشة، بل إن قصدهما ينصبّ على تحقيق التنمية الشخصية، اعتماداً على فلسفة ألفرد أدلر (1870- 1937)، أحد أشهر علماء النفس، إلى جانب النمساوي سيغموند فرويد، مؤسس علم النفس، والنمساوي كارل يونغ، مؤسس علم النفس التحليلي. 

إرضاء الناس غير مهم

 حين اختار الكاتبان عنواناً كهذا، استندا على أن الإنسان مجبول بطبيعته على البحث عن رضا الناس وحبهم له، وموافقتهم على ما يقوم به، وتشجيع تصرفاته، وتلبية كل ما يطلبونه منه. في حين أنهما يحثّان المرء على عكس ذلك، وإن تطلب الأمر أن نكون موضع كراهية ونبذ. 

لا أثر للصدمات   

تلخّص فصول الكتاب خمسة أيام تتمحور حول "أفكار وتعاليم أدلر الفلسفية والنفسية"، كل ليلة تحمل عنواناً له مدلولات، يتم تفصيله في توصيات يجب اتباعها، لتحقيق المرتجى، وهو "السعادة" عملياً. 

يبدأ الحوار البليغ باكتشاف ألفريد أدلر الثوري، الذي يذهب عكس ما أرساه فرويد، ومفاده أن صدمات الماضي النفسية هي ما يحدّد حياة الشخص ومستقبله، وهي سبب تعاسته.

لكن الفيلسوف الشيخ يقول : "عندما تتعامل مع حياة شخص كما لو كانت قصّة طويلة، ستجد بالضرورة علاقة سببية يمكن فهمها بسهولة، وسيتوّلد لديك إحساس بتطوّر درامي ينتج انطباعات جذابة للغاية".

لكن أدلر، حين أنكر حجّة الصدمة النفسية كتب : "لا توجد تجربة بذاتها هي سبب نجاحنا أو فشلنا. نحن لا نعاني من تجارب نفسية صادمة، لكن من تصرفاتنا حيالها، أي أن التفسير الذي نعطيه لها، هو الذي يقرّر مصيرنا".

إنها فلسفة الغائية الإدارية "téléologie"، التي ترى في تحقيق الهدف والغاية المسطّرين سلفاً، في اللحظة والآن، أهم ما يجب على المرء أن يحدده، وليس الاتكاء على سبب يعود الى ماض شخصي ما، لتبرير إخفاقات معيّنة في الحياة. 

حب النفس أوّلاً 

يتلخّص الأمر إذن في التخلّص من أثر الماضي، عن طريق التحكّم بالمشاعر الطبيعية، وليس الخضوع لها. حينها يمكننا تجنّب التعاسة. إن الوسيلة الناجعة برأي الكاتبين، هي عدم السعي للتشبّه بمن نراه أسعد أو أفضل منّا، بل البدء "بتعلّم حب النفس". تلك هي وصية أدلر: " ليس المهم ما يولد به المرء، بل ما يستخدمه من أدوات موجودة في حوزته ".

مظاهر زائفة 

 يقول الفيلسوف الشيخ/ أدلر : "تنبع المشكلات من العلاقة البينية مع الأشخاص".

ويفاجئنا الكتاب بطرح جانب آخر، هو "عقدة التفوّق المتجلية بامتلاك السلطة أو الجاه أو العلاقات النافذة، أو التفاخر بإنجازات شخصية، أو ارتداء ملابس فاخرة وجواهر، أي "اقتراض" المظاهر، التي تؤدي في النهاية إلى عيش حياة الآخرين، أي ما يريده الآخرون".

فلسفة الغائية: القيام بالمهام لا غير

بحسب فلسفة أدلر، يتحقّق الإيمان بأهمية العلاقات ما بين الأشخاص داخل المجتمع عبر غايتين: الاستقلال الذاتي ذهنياً، وتحقيق التناغم داخل المجتمع. بمعنى قبول الذات كما هي عليه، والثقة بالآخرين، وتجنّب البحث عن عيوبهم، وتجنّب البحث عن التقدير والاعتراف أيضاً، إذا كان ذلك يفرض علينا "تقديم الطاعة". وحدها تلك الأمور كفيلة بمنح المرء حريته الشخصية. 

كراهية الآخر أو حبّه سيّان

إنها شجاعة رفض القيام بمهام الآخرين، أو ما يريدونه هم، بحسب فلسفة أدلر. في هذا الإطار يقترح الفيلسوف على الشاب في حواريتهما، أن يستنبط "تصرفاً سيكولوجيا فردياً" عماده اعتبار الآخرين أصدقاء وليسوا أعداء. 

يقول الكتاب: "إن الإحساس بالآخرين كأصدقاء حياة، والوعي بلزوم أن يكون لدى المرء ملجأ خاص به، يحقّق له الانتماء المجتمعي، بغض النظر عن شعور الآخرين تجاهه، أكان اعترافاً أو امتناناً أو كراهية. وحدها المساهمة في الصالح العام، تمنح الثقة بالذات وتمنح ثقة الآخرين". 

الحياة لحظات رقص 

يرى الكاتبان أن الأشخاص الذين يعتقدون بأن الحياة مثل تسلّق الجبال، يتعاملون مع الحياة كما لو كانت خطاً يبدأ لحظة الولادة، ويمرّ عبر كل أنواع المنحنيات حتى يصل إلى القمة، ثم بعد طول انتظار يصل إلى نهايته وهي الموت"، وبالتالي فإن الجزء الأكبر من الحياة يحصل "أثناء الطريق". 

يرى أدلر أن الحياة سلسلة من النقاط في خط غير متصل، أي سلسلة من اللحظات نعيشها هنا والآن، مثل الرقص تماماً.

يقول: "هناك من رقصوا رقصة الكمان، وواصلوا المسيرة وأصبحوا موسيقيين محترفين، ومن رقصوا رقصة الكتابة وأصبحوا مؤلفين". المهم أن يجد المرء الرضا هنا، والآن، وهو يرقص.

تصنيفات

قصص قد تهمك