قصة فيلم سياسي كتب الشاعر المصري الراحل أمل دنقل أشعاره

time reading iconدقائق القراءة - 7
الشاعر المصري الراحل أمل دنقل - الشرق
الشاعر المصري الراحل أمل دنقل - الشرق
القاهرة -محمد شعير

كان الشعر بالنسبة إلى الشاعر المصري أمل دنقل (1940-1983) بديلاً للانتحار، أو "فرحاً مختلساً" كما وصفه فى قصيدة شهيرة له، كان يعيش الشعر، يتنفسه، يحلم به، يكتبه على علب السجائر، وهوامش الصحف اليومية، وروشتات الأطباء، وتذاكر الحافلات، والسينمات، والمعارض، كان يكرر دائماً قوله: "إنني لا أفهم كيف أكون شاعراً وشيئاً آخر".

من هنا ظل أمل، الذي رحل في 21 مايو 1983، شاعراً استثنائياً، وكذلك قصائده التي لم تفقد صلاحيتها ووهجها بمرور الزمن، مثلما راهن البعض، ظلت قصيدة فاعلة في كل لحظة، ليس لأنها قصيدة "مقاومة"، بل لموقفها الجمالي الذي اتضح بقوة في قصائد الديوان الآخير "أوراق الغرفة 8" حيث الموسيقى الخافتة، والتفاصيل الشاعرية الصغيرة.

أمل والسينما

تظل هناك العديد من الجوانب المجهولة في حياة أمل دنقل، من بينها مشاركته عام 1975 في الفيلم السينمائي "شهيرة"، المأخوذ عن قصة قصيرة بالاسم ذاته للروائي المصري سعد مكاوي، وبطولة نور الشريف وناهد شريف وعماد حمدي، وأحمد مظهر، وصلاح قابيل وصلاح السعدني.

لم يكن أمل ممثلاً، لكنه كتب أشعار الفيلم التي ألقاها نور الشريف الذي كان يؤدي دور شاعر وكاتب مسرحي قادم من الريف بحثاً عن فرصة لتقديم إحدى مسرحياته على الخشبة، وتدور أحداث الفيلم في ثلاثينيات القرن الـ20، أثناء حكم إسماعيل باشا صدقي لمصر بالحديد والنار، واندلاع مظاهرات استمرت 5 سنوات كاملة بعد إلغائه دستور 1923.

وفي الفيلم، تعجب الممثلة شهيرة صاحبة المسرح، بالشاعر الشاب، وتبدأ رويداً رويداً في إنهاء علاقتها بأحد الباشاوات من ذوي النفوذ، فيقرر الانتقام من الشاعر الشاب بإيداعه السجن بعد تلفيق تهمة سياسية له، يقضى في السجن عدة أيام، وبعد خروجه يموت أحد أصدقائه في مظاهرة ضد ديكتاتورية صدقي.

السجن، وموت الصديق، حدثان أسهما في أن يراجع الشاعر موقفه من العمل السياسي، وتصوراته وأفكاره بشأن المسرح، فيسحب من الفرقة المسرحية الاستعراضية الرومانسية ويقدم للفرقة مسرحية أخرى ذات طابع سياسي.

وكتب دنقل نصين شعريين داخل الفيلم، النص الأول قصيدة رومانسية ساذجة لكنها مناسبة تماماً لوعي البطل في تلك المرحلة عندما يفكر فى حبيبته ويتغزل فيها: (يا حبيب الروح يا كل أماني وأمني/لك ما تشدو به روحي/وما يعزف لحني/أنا في نورك العلوي/ أشدو وأغني/ للهوى للنور للقيا والنعمي أغني/ للنعمي أغني).

المشهد الثاني، الذي يكاد يكون المشهد الرئيس في الفيلم، فهو مشهد المسرحية التي يؤديها الأبطال، بعد الانقلاب الذي يحدث فى وعي البطل (كمال)، ويبدأ اهتمامه بالسياسة.

وكتب أمل دنقل، الحوار المسرحي بين البطلين العاشقين في المسرحية التاريخية التي تدور حول حكم كليوباترا لمصر:

- هل ترحل في الغد؟

- سأعود قريباً في أقرب موعد

- من أجلي؟

- من أجلك طبعاً.. ولكن كليوباترا طلبت مالاً

- أو لم تأت بمال؟

- طلبت مالاً أكثر

- لماذا؟

- كي تدفع للجند

- ستعود وتجمع مالك بالضرب وبالجلد، كي تدفعه الملكة لجنود الرومان حتى يحموها من لهب الغضب الممتد، الظلم الآن يفوق الحد والطرقات امتلأت بالفرسان الرومان يمشون يدوسون الأطفال، يختطفون الفتيات، يقتحمون بيوت الناس، وينتهكون الحرمات، الظلم الآن يفوق الحد، الظلم يمس السيد والعبد...

(صمت)

- المحتلون هم السادة والكبراء، والمصريون هم الغرباء، والظلم يمس السيد والعبد.

(ساخرة)

- أنت أمير لكنك مثل الناس الفقراء، تعطي المال إلى امرأة فاجرة وعشيق وغد

(يمسك بها.. وتبتعد)

- أتخاف من الملكة.

أتخاف من الملكة ذات الشهوات المشتبكة.

دعني أتكلم حتى يستيقظ فيك الرشد

(يمنحها وردة)

- هل هذا الورد هو الورد

ورد ينبت في أرض محتلة

هو شوك يمتص الدم من قلب صبي أو طفلة

هل قبلة حب تحمل طعم القبلة

هي تحمل طعم الطين

وطعم الوطن المجهول الغد

هل أنت أمير تعرف كيف تحارب بسلاحك أعداء الدولة

أنت أمير مقطوع اليد

كيف تكون أميراً في شعب يحيا في الظلم وفي الذلة

- وماذا يمكنني أن أفعل؟

- ماذا يمكن أن تفعل؟ ارفع سيفك في وجه المحتل

ماذا يمكن أن تفعل؟ لا ترغم شعبك أن يدفع ثمن الذل

ماذا يمكن أن تفعل؟ حارب أعداء الوطن وأعداء الحرية

من أجل الوطن الأجمل

ماذا يمكن أن تفعل: اقتل، اقتل، اقتل

كي يأتي زمن لا يقتل فيه الأطفال

كي يأتي زمن لا نخجل فيه من أنفسنا

انا سلمنا وطناً محتلاً للأجيال.

ويرى نقاد كثيرون، أن أمل لم يكتب فى الفيلم قصيدته الخاصة، وإنما كتب قصيدة البطل، وتتطور القصيدة داخل الفيلم مع تطور وعي البطل (كمال).

"ممثل فاشل"

وعلى الرغم من أن الشعر شغل حياة أمل كلها، إلا أنه تمنى في بداياته أن يكون ممثلاً، وكانت السينما أقرب الفنون إليه، يشاهدها باستمرار.

وحكى الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، في حوار سابق، عن بدايات أمل مع التمثيل عندما كانا في المدرسة الثانوية في قنا بجنوب مصر، وتم اختيار أمل لأداء دور الكاهن تريسياس في مسرحية "أوديب"، لكنه -كما يقول الأبنودي- "كان يشبهني، لم نكن نستطيع الغياب والخروج عن شخصيتنا الحقيقية، ولذا كان النظار والمدرسون لا يشاهدون الكاهن، بل يشاهدون أمل بنظرة عينيه القوية وأصابعه المدورة التي تكاد تخترق عيون الآخرين".

يضيف الأبنودي: "كان أمل ممثلاً فاشلاً".

الناقدة المسرحية عبلة الرويني، أرملة أمل، قالت إن المخرج شادي عبد السلام، اختار أمل ليؤدي دور أخناتون، أحد ملوك مصر القديمة، في أحد أفلامه التي لم تكتمل، وعندما قالت له عبلة: أنت بالفعل تشبه أخناتون"، رد عليها غاضباً: "بل هو الذي يشبهني".

لم يحقق أمل حلمه بالتمثيل، إلا أنه استفاد منه في كتابة قصيدته التي كان أبرز ملامحها الحس الدرامي والسينمائي، ما جعل عائلة الرحبانية تختاره لـ"تمصير" مسرحية "الشخص" (1982) التي قامت ببطولتها الفنانة فيروز في بيروت، وتم اختيار عفاف راضي لبطولتها في مصر برؤية إخراجية للمخرج والفنان الراحل جلال الشرقاوي.

وكتب أمل في تلك الفترة 3 أغنيات للمطربة عفاف راضي، اختارت أن تغني واحدة منها فقط، هي:"ولد وبنت سمرة".