سباق التسلح تحت الماء.. غواصة كوريا الشمالية النووية تهدد بتغيير قواعد اللعبة

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة نشرتها وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية  في 8 سبتمبر 2023 لحفل إطلاق غواصة هجومية نووية تكتيكية جديدة في كوريا الشمالية - Reuters
صورة نشرتها وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية في 8 سبتمبر 2023 لحفل إطلاق غواصة هجومية نووية تكتيكية جديدة في كوريا الشمالية - Reuters
دبي-الشرق

يشهد العقد الجاري سباقاً في التسلح النووي تحت الماء من أجل تعزيز القدرات العسكرية للدول، وتسعى كوريا الشمالية إلى بناء أول غواصة تعمل بالطاقة النووية في البلاد، ما يثير احتمالاً كبيراً بأن بيونج يانج ستنشر نوعاً ثورياً وجديداً تماماً من السفن الحربية ما يمثل تحدياً جديداً للأمن العالمي، وفقاً لمجلة "Military Watch".

وفي وقت مبكر من يناير 2021، أعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، أن "تصميم غواصة جديدة تعمل بالطاقة النووية كان قيد البحث وفي مرحلة الفحص النهائي"، مع اكتمال أعمال التصميم على أسلحتها وأجهزة الاستشعار الخاصة بها بالفعل.

ويتم حالياً نشر الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بواسطة 6 دول فقط. وتحظى الغواصات النووية بالقدرة على تسهيل العمليات البحرية المنتظمة الممتدة في المحيط المفتوح للبحرية الكورية الشمالية، مع قدرتها على البقاء في البحر لعدة أشهر في كل مرة، ما يوفر قدرة مختلفة تماماً عن الغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء.

تحول في الصراع

في تقييمه لتداعيات برنامج كوريا الشمالية للغواصات النووية، سلّط إيه بي أبرامز، الخبير في شؤون الأمن في شرق آسيا ومؤلف كتاب "البقاء على قيد الحياة في عصر القطب الواحد: المواجهة التي استمرت 35 عاماً بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة"، الضوء على الكيفية التي قد يشكل بها البرنامج نقطة تحول في الصراع الطويل الأمد بين كوريا الشمالية وواشنطن.

ويلاحظ أبرامز أن التقدم الكبير الذي أحرزته كوريا الشمالية مؤخراً في مجالات مثل المركبات الانزلاقية الأسرع من الصوت، وتقنيات المركبات المتعددة المستقلة، فضلاً عن تصغير الرؤوس الحربية النووية، من شأنه أن يجعل الغواصة النووية التي تحمل صواريخ باليستية شديدة الفعالية كرادع للمرحلة الثانية.

ومع ذلك، أكد أنه على الرغم من الافتراضات السائدة بين المحللين بأن الغواصات النووية لكوريا الشمالية ستكون مصممة للردع الاستراتيجي، يبقى احتمال غير ضئيل بأن بعض أو كل السفن ستكون غواصات هجومية، وهو ما يزعم أنه "قد يكون تطوراً غير مواتٍ للولايات المتحدة وحلفائها لعدد من الأسباب".

ويشير أبرامز إلى أنه في حين أن غواصات الصواريخ الباليستية "لها فائدة محدودة فقط تتجاوز الردع، وإذا لزم الأمر شن حرب نووية كاملة النطاق"، فإن الغواصات الهجومية من شأنها أن توفر قدرة جديدة أكثر جوهرية لإبراز القوة البحرية عبر المحيطات.

ومن الأمثلة على ذلك "نشْر صواريخ كروز النووية والتقليدية، وإدخال القوات الخاصة، والمهام المضادة للسفن باستخدام طوربيدات وصواريخ كروز المضادة للسفن".  

وأكد أبرامز أن التنوع الأكبر لهذه السفن يسمح لها بلعب دور مركزي في إدارة التصعيد من قِبَل كوريا الشمالية، ما يوفر خيارات لمجموعة من الهجمات أقل بكثير من عتبة الحرب النووية واسعة النطاق بما في ذلك الضربات النووية التكتيكية والهجمات الصاروخية على سفن البحرية الأميركية في المحيط الهادئ.

وفي تأكيده على الفائدة الأكبر التي قد تعود على هذه الغواصات، يلاحظ أبرامز أنه في حالة "شنّت الولايات المتحدة ضربة محدودة على هدف صناعي أو قاعدة عسكرية في كوريا الشمالية، فإن فائدة غواصة الصواريخ الباليستية ستقتصر على تعزيز المستوى الأعلى من سلم التصعيد لدى بيونج يانج"، في حين أن الغواصة الهجومية من شأنها على النقيض من ذلك أن تسهل "شن ضربات انتقامية محدودة نسبياً، ضد الأهداف البعيدة على الأراضي الأميركية بما في ذلك جوام، وجزيرة ويك، والبر الرئيسي للولايات المتحدة".

وفي حين تستطيع كوريا الشمالية شن هجمات نووية واسعة النطاق على أي أهداف استراتيجية أميركية، فإن قدرتها الحالية على شن ضربات تكتيكية محدودة على أهداف خارج شرق آسيا محدودة.

التوازن التكتيكي 

وأشار أبرامز إلى أن الغواصة الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية ستُمثّل "خطوة كبيرة نحو تصحيح التناقض في مدى القوات المسلحة للبلدين"، وهي الخطوة التي وازنتها كوريا الشمالية على المستوى الاستراتيجي في عام 2017 بنشر أول صواريخها الباليستية العابرة للقارات، ولكنها قد تبدأ الآن في تحقيق التوازن على المستوى التكتيكي.

وستكون القدرة على شن هجمات محدودة بصواريخ "كروز" ضد القواعد العسكرية والأهداف الصناعية على أراضي الولايات المتحدة "جديدة تماماً" بالنسبة لكوريا الشمالية، ويمكن أن تساعد في ردع واشنطن عن التفكير في توجيه ضربات محدودة إلى بيونج يانج في المستقبل.

ولفت أبرامز إلى أن قطاع الدفاع في كوريا الشمالية حقق في السنوات الأخيرة "قفزات تكنولوجية" في مجال المعدات العسكرية التي تبدو على قدم المساواة تماماً مع المنافسين الأجانب المتطورين، وسد الفجوات التكنولوجية التي كانت واسعة جداً في السابق، مستشهداً بأمثلة مثل دبابة Chonma 2 ونظام الدفاع الجوي Pyongae-6 كسوابق لقفزة كبيرة مماثلة إلى الأمام في قدرات صناعة الغواصات.

وتحدَّث عن أن نقل التكنولوجيا من روسيا، التي أصبحت تعتمد بشكل كبير على دعم كوريا الشمالية لمجهودها الحربي المستمر في أوكرانيا، يمكن أن تكون عاملاً محورياً في تسريع جهود كوريا الشمالية لتطوير قدرات الغواصات النووية المتطورة.

وتُعتبر القدرة على ضرب أهداف أميركية بعيداً عن شبه الجزيرة الكورية، وخاصة في البر الرئيسي الأميركي نفسه، ذات أهمية خاصة بالنسبة لكوريا الشمالية بسبب ذاكرتها التاريخية في حربها مع الولايات المتحدة.

وفي عهد إدارات هاري ترومان ودوايت أيزنهاور وريتشارد نيكسون ودونالد ترمب، اقتربت واشنطن من شن ضربات كبرى على الدولة الواقعة في شرق آسيا، حيث كان من المتوقع أن تؤدي الهجمات غير المبررة التي تم النظر فيها بقوة في عام 2017، إلى سقوط الملايين من الكوريين الشماليين.

واقتربت إدارات أميركية متعددة، بما في ذلك إدارات بيل كلينتون وباراك أوباما، من شن هجمات واسعة النطاق على كوريا الشمالية، قبل أن تردعها القدرات العسكرية لبيونج يانج بشكل فعال.

ويُعتقد أن الذاكرة التاريخية للحرب الكورية (1950-1953)، التي دمرت خلالها القاذفات الأميركية كوريا الشمالية بالكامل وكانت مسؤولة عن سقوط 20-30% من السكان، والتي لم تتمكن بيونج يانج خلالها من الرد على البر الرئيسي الأميركي، ظلت تشكل تأثيراً كبيراً على فكرها الاستراتيجي إلى اليوم.

تصنيفات

قصص قد تهمك