
"الاستدامة هي كلمة السر في مشاريعنا مع المنطقة"، هكذا لخّص هانس لي، مدير الأعمال الدولية في LIGNEX 1 إحدى أكبر شركات الصناعات الدفاعية في كوريا الجنوبية، توجّه شركته لبناء مشاريع دفاعية موسعة مع الدول العربية تتضمن نقل التكنولوجيا وبناء مراكز الصيانة والتطوير المشترك.
هانس الذي خدم طويلاً في الجيش الكوري الجنوبي قبل أن يتقاعد برتبة عقيد، ويحصل على شهادة الدكتوراه، أوضح أن طبيعة الانفتاح الكوري على الدول العربية، يختلف عن منطق تجارة الأصول الدفاعية التي تعودت عليها البيئة الدفاعية في المنطقة.
الشراكة أهم من الصفقات
وأكد هانس في لقاء خاص مع "الشرق" على هامش معرض ADEX2025 في العاصمة الكورية سول، أن "الهدف ليس توقيع صفقات لبيع تكنولوجيا عسكرية لدولة من دول المنطقة، لكن الهدف هو أن تكون لدينا شراكات مستدامة، وليست عقود بيع مؤقتة بطبيعتها".
ورأى مدير الأعمال الدولية في الشركة الكورية، أن لديهم بالفعل "خطة واضحة ومرنة لتوطين الصناعات العسكرية ونقل التكنولوجيا بل والانخراط في الإنتاج المشترك، مع عدة دول عربية، عبر نماذج مختلفة".
نماذج متنوعة لنقل التكنولوجيا
وبحسب هانس، فإن المملكة العربية السعودية: "تتبنى نموذج التوطين وبناء القاعدة الصناعية المحلية في مجال الدفاع، وهو أمر مهم ولافت. لذلك نعمل معهم عن قرب لتحقيق هذا الهدف على أرض الواقع".
فالسعودية تركّز على التوطين الكامل تماشياً مع "رؤية 2030"، عبر مراحل تشمل الإنتاج المشترك وإنشاء مراكز صيانة (MRO) وتدريب الكفاءات ونقل العمليات التشغيلية. أما الإمارات فتعتمد التطوير المشترك والملكية التقنية المشتركة منذ مراحل البحث والتصميم الأولى.
وكشف مدير الأعمال الدولية، عن مشاريع مشتركة مع الدول العربية لبناء قدرات القيادة والسيطرة C2 خاصة في مجال الدفاع الجوي، مع استعداد لإنشاء شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات بشراكة كورية - عربية، فضلاً عن بدء العمل على تطوير مشترك لصواريخ دقيقة مضادة للدروع مع زيادات كبيرة في المدى لتوفير حلول فائقة تقنياً لمواجهة التحديات في أرض المعركة.
وأشار هانس إلى أن التعاون الدفاعي مع الدول العربية "انتقل من مرحلة التوريد إلى بناء منظومات صناعية محلية"، كاشفاً عن أن شركة LIG Nex1 تعمل حالياً على تطوير صاروخ مضاد للدروع بعيد المدى بالتعاون مع شركاء عرب (لم يسمّهم)، في مشروع وُصف بأنه "نموذج حقيقي لتقاسم التكنولوجيا والتطوير".
وأضاف: "لا نقدّم منتجاً جاهزاً، بل نبني مع شركائنا قدراتهم الدفاعية الخاصة بهم، عبر التدريب ونقل المعرفة والتوطين الصناعي".
ولفت إلى أن الشركة تطبق نموذجاً ثلاثي المراحل يقوم على التطوير المشترك، ونقل التكنولوجيا، والتصنيع المحلي، لضمان استقلال تكنولوجي مستدام في الدول الشريكة.
شبكة الدفاع الجوي المتكاملة
وبزرت الصناعات الدفاعية الكورية بقوة في مجالات مثل الدفاع الجوي متعدد الطبقات ذو التقنية العالية، والصواريخ الدقيقة وأنظمة القيادة والسيطرة، وكذلك الأقمار الاصطناعية، ما يجعلها واحدة من أكثر القطاعات نمواً في كوريا.
ونوّه هانس إلى أن شركته "بدأت بالفعل العمل على دمج تقنيات كوريا المتقدمة في الأسلحة الموجَّهة بدقة والمستشعرات وأنظمة القيادة والسيطرة مع خبرات التشغيل والبيانات الميدانية لدى شركائنا في الشرق الأوسط من خلال برامج تطوير مشترك".
وبشأن التعاون مع الدول العربية في مجال الدفاع الجوي، أوضح هانس: "نعمل على تأسيس بنية دفاع جوي متكاملة تربط بين الصواريخ الاعتراضية القصيرة والمتوسطة وطويلة المدى تحت منظومة قيادة موحدة. هذه الجهود تتجاوز مرحلة تصدير الأنظمة المنفردة، وتضع الأساس لبناء شبكة دفاع جوي مشتركة تستفيد من نقاط القوة لدى الطرفين".
كما أكد أن شركة LIG Nex1 تمتلك القدرة على دمج واجهات تجمع المعلومات التي يرصدها نظام الاستشعار مع مركز القيادة، ويدمجها مع منصات الدفاع الجوي. مبيّناً أن الشركة تجري حالياً أبحاث تكامل لتكييف الأنظمة مع مفاهيم التشغيل الوطنية لكل دولة عربية شريكة.
وتابع مدير الأعمال الدولية للشركة: "نحن ننتقل من بيع أنظمة الدفاع إلى بناء منظومات قتال متكاملة تجمع التكنولوجيا الكورية والخبرة العربية في عقلٍ عملياتي واحد".
العقل الإلكتروني للمعركة الحديثة
ولفت هانس إلى أن جوهر التحوّل في الصناعة الدفاعية الكورية يتمثل في أنظمة القيادة والسيطرة (C2)، التي تمثّل "العقل الإلكتروني للمعركة الحديثة".
وذكر أن شركته طوّرت هذه الأنظمة إلى مستوى الدمج الكامل بين الصواريخ والرادارات والاتصالات في شبكة رقمية واحدة.
ومضى يقول: "بيئة تتسارع فيها المعلومات، ينتصر الطرف الذي يفسّر البيانات ويتحرك أسرع وبدقة أعلى"، مضيفاً أن (مشروع M-SAM II)، الذي تم تصديره إلى السعودية والإمارات ومصر، يجسّد هذا المفهوم من خلال دمج المستشعرات والصواريخ في الزمن الحقيقي لإدارة عملية الدفاع من الاكتشاف إلى الاشتباك".
تكنولوجيا كورية خالصة
وأكمل هانس حديثه قائلاً إن أنظمة LIG Nex1 "صُمّمت لتكون مستقلة عن رخص التصدير الأجنبية"، مشيراً إلى أن المكونات الجوهرية -من وحدات الدفع إلى الباحثات وأنظمة التحكم- "مطوَّرة بالكامل داخل كوريا".
وأضاف أن هذا الاستقلال "يمنح شركتنا حرية تصدير وتطوير غير مقيدة بأي اعتبارات سياسية"، مؤكداً أن كوريا تبني حالياً "شبكة دفاعية عالمية مستقلة ذاتياً".
كيف ينجح قطاع الدفاع العربي؟
نجحت كوريا في نحو ٣ عقود فقط في القفز إلى مصاف الدول الرئيسية في تصدير الأسلحة والتقنيات الدفاعية الحديثة، بقاعدة تكنولوجية بين الأحدث في العالم.
ومن الخدمة الطويلة في الجيش إلى درجة الدكتوراه في هندسة الصناعة، عاصر هانس مراحل التحول الكوري.
وبشأن إمكانية تقدم قطاع الصناعات الدفاعية العربي، قدّم هانس، ما وصفه بـ"خلاصة التجربة الكورية" قائلاً: "نصيحتي إلى الدول العربية واضحة: لا تكتفوا بشراء التكنولوجيا فقط، بل اسعوا إلى استيعابها وتطويرها ضمن رؤية طويلة المدى. المطلوب هو استثمار مستمر ومنتظم قائم على خارطة طريق متوسطة وطويلة الأمد، وبناء تعاون مؤسسي متكامل بين الصناعة والحكومة والجيش".
ويضيف:"نجاح كوريا لم يُبنَ في يوم واحد، بل على ثلاث ركائز ثابتة: اتجاه واضح، واستثمار دائم، وتعاون موحّد — وهي الركائز نفسها التي يمكن أن تؤسس لصناعة دفاعية عربية مستقلة ومستدامة".









