كيف يمكن للصين استخدام DeepSeek في زمن الحرب.. كلاب آلية ومسيّرات ذكية

time reading iconدقائق القراءة - 10
كلاب آلية من طراز "يونيتري" خلال عرض توضيحي لـ"رويترز" في أحد متنزهات مدينة هانجتشو بمقاطعة تشجيانج في الصين. 21 مارس 2025 - Reuters
كلاب آلية من طراز "يونيتري" خلال عرض توضيحي لـ"رويترز" في أحد متنزهات مدينة هانجتشو بمقاطعة تشجيانج في الصين. 21 مارس 2025 - Reuters
بكين/سنغافورة -رويترز

كشفت شركة "نورينكو" الصينية المتخصصة في الصناعات الدفاعية والمملوكة للدولة في فبراير الماضي عن مركبة عسكرية قادرة على القيام بعمليات دعم قتالي باستخدام الذكاء الاصطناعي ودون تدخل بشري يُذكر وبسرعة 50 كيلومتراً في الساعة.

وتعتمد المركبة على تقنيات من شركة "ديب سيك" DeepSeek التي يُمثّل نموذجها للذكاء الاصطناعي "درة التاج" لقطاع التكنولوجيا الصينية.

واحتفى مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني بإصدار نورينكو للمركبة الذاتية (P60) في تصريحاتهم الصحافية، وقالوا إنها مثال مبكر لكيفية استخدام بكين لـ DeepSeek والذكاء الاصطناعي للحاق بسباق التسلح مع الولايات المتحدة، في وقت حث فيه قادة البلدين جيوشهم على الاستعداد لصراع.

الجيش الصيني والذكاء الاصطناعي

وتقدم مراجعة قامت بها "رويترز" للمئات من الأوراق البحثية وبراءات الاختراع وسجلات المشتريات لمحة عن الجهود التي تبذلها بكين بشكل ممنهج لتسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق السبق في الميدان العسكري.

وتُعد خصائص الأنظمة التي تقف وراء أسلحة الجيل القادم في الصين ومدى نشرها سراً من أسرار الدولة، لكن سجلات المشتريات وبراءات الاختراع تقدم أدلة على تقدم بكين نحو قدرات مثل التعرف على الأهداف بشكل تلقائي ودعم اتخاذ القرار بشكل فوري في ساحة المعركة بطريقة تضاهي الجهود الأميركية.

ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت جميع المنتجات قد جرى تنفيذها، إذ أن براءات الاختراع لا تعني بالضرورة وصول التكنولوجيا إلى المرحلة التشغيلية.

رقائق NVIDIA في الصين

ووفقاً لأوراق ومناقصات وبراءات اختراع، يواصل الجيش الصيني والشركات التابعة له استخدام رقائق "إنفيديا" NVIDIA ويسعى للحصول عليها، بما في ذلك النماذج الخاضعة لضوابط التصدير الأميركية.

ولم تستطع "رويترز" تحديد ما إذا كان جرى الحصول على هذه الرقائق قبل فرض واشنطن للقيود؛ لأن الوثائق لا توضح بالتفصيل متى جرى تصدير الرقائق المستخدمة.

وأظهرت براءات اختراع تم تقديم طلبات لاستصدارها حتى يونيو الماضي استخدامها من قِبَل معاهد الأبحاث المرتبطة بالجيش. وحظرت وزارة التجارة الأميركية في سبتمبر 2022 تصدير رقائق A100 وH100 من إنفيديا إلى الصين.

وقال المتحدث باسم "إنفيديا" جون ريزو في تصريح لـ"رويترز" إنه رغم عدم تمكن الشركة من تتبع عمليات إعادة البيع الفردية للمنتجات المباعة سابقاً، فإن "إعادة تدوير كميات صغيرة من المنتجات القديمة المستعملة لا يتيح أي شيء جديد، أو يثير أي قلق بشأن الأمن القومي. كما أن استخدام منتجات خاضعة لقيود لأغراض التطبيقات العسكرية لن يكون له أي تأثير دون توافر الدعم أو البرمجيات أو الصيانة".

ولم ترد وزارة الخزانة ووزارة التجارة الأميركيتين على أسئلة حول النتائج التي توصلت إليها "رويترز".

الرقائق الصينية

وقال ساني تشيونج، زميل مؤسسة جيمس تاون البحثية المعنية بالسياسات الدفاعية ومقرها واشنطن إن الجيش الصيني زاد في عام 2025 من التعاون مع المتعاقدين الذين يقولون إنهم يستخدمون حصرياً أجهزة محلية الصنع مثل رقائق هواوي للذكاء الاصطناعي.

وحلل تشيونج المئات من المناقصات الصادرة عن شبكة مشتريات الجيش الصيني على مدى ستة أشهر هذا العام.

ولم تستطع "رويترز" التأكد بشكل مستقل مما خلص إليه تشيونج، لكن هذا التحول يتزامن مع حملة ضغط علنية من جانب بكين على الشركات المحلية لاستخدام التكنولوجيا صينية الصنع.

ووجدت مراجعة "رويترز" لإخطارات المشتريات وبراءات الاختراع المقدمة إلى مكتب براءات الاختراع الصيني طلباً من جهات تابعة للجيش الصيني للحصول على رقائق هواوي واستخدامها، لكنها لم تتمكن من التحقق من جميع المناقصات التي اطلعت عليها مؤسسة جيمس تاون، التي ستصدر تقريراً هذا الأسبوع قدمته مبكراً لـ"رويترز".

وأحجمت هواوي عن التعليق عند سؤالها عن استخدام رقائقها في المجال العسكري. ولم ترد وزارة الدفاع الصينية وDeepSeek ونورينكو على طلبات التعليق حول استخدامهم للذكاء الاصطناعي في التطبيقات العسكرية.

كما لم ترد الجامعات وشركات الدفاع التي قدمت براءات الاختراع والأوراق البحثية التي اطلعت عليها "رويترز" على أسئلة مماثلة.

الاعتماد على DeepSeek

جرت الإشارة إلى استخدام نماذج DeepSeek في العشرات من مناقصات الهيئات التابعة للجيش الصيني المقدمة هذا العام واطلعت عليها "رويترز"، بينما أشارت واحدة فقط إلى نموذج كوين التابع لشركة "علي بابا" وهي منافس محلي رئيسي.

ولم ترد شركة "علي بابا" على طلب للتعليق على الاستخدام العسكري لكوين.

ووفقا لمؤسسة جيمس تاون، تسارعت إشعارات المشتريات المتعلقة بـ DeepSeek خلال عام 2025، مع ظهور تطبيقات عسكرية جديدة بانتظام ضمن شبكة الجيش الصيني.

ويعكس إقبال الجيش على DeepSeek سعي الصين إلى ما تسميه بكين "السيادة الخوارزمية"، أي تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الغربية مع تعزيز السيطرة على البنية التحتية الرقمية الحيوية.

ورفضت وزارة الدفاع الأميركية التعليق على استخدام الجيش الصيني للذكاء الاصطناعي.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية رداً على أسئلة "رويترز": "DeepSeek تتعاون بصدر رحب، وستواصل على الأرجح تقديم الدعم للعمليات العسكرية والاستخباراتية الصينية".

وأضاف أن واشنطن سوف "تتبع استراتيجية جريئة وشاملة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأميركية مع الدول الأجنبية الموثوق بها حول العالم، مع إبقاء التكنولوجيا بعيدة عن أيدي خصومنا".

تطبيقات قتالية معززة بالذكاء الاصطناعي

وأظهرت وثائق أن الصين تتطلع لتطوير كلاب آلية تعمل بالذكاء الاصطناعي، تقوم بعمليات استطلاع في مجموعات، وكذلك أسراب من الطائرات المسيّرة القادرة على تتبع الأهداف ذاتياً.

وفي نوفمبر 2024، طرح الجيش الصيني مناقصة لشراء "كلاب آلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي" بهدف تنفيذ مهام استطلاع جماعية للكشف عن التهديدات، وإزالة المتفجرات.

ولم تتمكّن "رويترز" من التحقق مما إذا كانت هذه المناقصة قد نُفِّذت. وكانت الصين قد استخدمت سابقاً كلاباً آلية مسلّحة من تصنيع شركة الروبوتات الصينية "يونيتري" (Unitree) في تدريبات عسكرية، وفقاً لصور نشرتها وسائل الإعلام الحكومية. ولم ترد شركة "يونيتري" على استفسارات بشأن تعاونها مع الجيش الصيني.

كما أظهرت مراجعة لبراءات الاختراع والمناقصات والأبحاث المنشورة خلال العامين الماضيين أن الجيش الصيني والجهات التابعة له يسعون إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين التخطيط العسكري، بما في ذلك تطوير تقنيات لتحليل الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيّرة بسرعة.

وقال باحثون في شركة Landship Information Technology الصينية المتخصصة في دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في المركبات العسكرية، وبينها مركبات تابعة لشركة "نورينكو"، إن تقنيتهم القائمة على رقائق "هواوي" يمكنها تحديد الأهداف بسرعة من صور الأقمار الاصطناعية، والتنسيق مع أنظمة الرادار والطائرات لتنفيذ العمليات.

وذكرت جامعة "شيآن للتكنولوجيا" أن الذكاء الاصطناعي اختصر أيضاً الزمن المطلوب لتحوّل المخططين العسكريين من مرحلة اكتشاف الهدف وتحديده إلى تنفيذ العملية.

وأوضحت الجامعة في ملخّص لنتائجها نُشر في مايو أن نظامها المدعوم بتقنية DeepSeek تمكّن من تقييم 10 آلاف سيناريو ميداني -لكل منها متغيرات وتضاريس وانتشارات قوات مختلفة- خلال 48 ثانية فقط، وهي مهمة كانت تستغرق من فريق تخطيط تقليدي نحو 48 ساعة لإنجازها. ولم تتمكن "رويترز" من التحقق بشكل مستقل من صحة هذه الادعاءات.

أسلحة ذاتية التشغيل

أشارت الوثائق إلى أن مؤسسات عسكرية صينية تستثمر بشكل متزايد في تقنيات ميدانية ذاتية التشغيل.

فقد أظهرت مراجعة "رويترز" لنحو عشرين مناقصة وبراءة اختراع أن الجيش الصيني يسعى إلى دمج الذكاء الاصطناعي في الطائرات المسيّرة لجعلها قادرة على التعرف إلى الأهداف وتعقبها، والعمل في تشكيلات منسّقة دون تدخل بشري يُذكر.

وتستخدم جامعة "بيهانج"، المعروفة بأبحاثها في مجال الطيران العسكري، نموذج DeepSeek لتحسين قدرات أسراب الطائرات المسيّرة عند استهداف ما يُعرف عسكرياً بالتهديدات "المنخفضة والبطيئة والصغيرة"، وهو مصطلح يشير إلى الطائرات المسيّرة والطائرات الخفيفة، وفقاً لملف براءة اختراع قُدّم هذا العام.

وأكد قادة الدفاع الصينيون علناً التزامهم بالإبقاء على السيطرة البشرية على أنظمة الأسلحة، وسط مخاوف متزايدة من أن يؤدي أي نزاع بين بكين وواشنطن إلى نشر غير منضبط لذخائر تعمل بالذكاء الاصطناعي.

أما الجيش الأميركي، الذي يستثمر بدوره في الذكاء الاصطناعي، فيخطط لنشر آلاف الطائرات المسيّرة المستقلة بحلول نهاية عام 2025، في ما يقول مسؤولون إنه مسعى لموازنة التفوق العددي الصيني في مجال المركبات الجوية غير المأهولة.

الرقائق الأميركية والنماذج الصينية

تروّج شركات الدفاع الصينية مثل Shanxi 100 Trust Information Technology في موادها التسويقية لاعتمادها على مكونات محلية الصنع، من بينها رقائق هواوي Ascend التي تتيح تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.

ولم ترد الشركة على استفسارات "رويترز" بشأن علاقتها بهواوي أو الجيش الصيني.

ورغم التحول نحو المعالجات المحلية، فإن "رقائق إنفيديا" لا تزال تُذكر بشكل متكرر في الأبحاث العسكرية، وفقاً لمراجعة "رويترز" لبراءات الاختراع خلال العامين الماضيين.

وحددت "رويترز" 35 طلباً لبراءات اختراع تشير إلى استخدام شرائح Nvidia A100 من قِبل باحثين في جامعة الدفاع الوطني للتكنولوجيا (NUDT) التابعة للجيش الصيني، وفي جامعات أخرى خاضعة لعقوبات أميركية ومعروفة بتاريخها في الأبحاث الدفاعية لصالح بكين.

وفي الفترة نفسها، قدّمت هذه المؤسسات 15 براءة اختراع تتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي استندت إلى Huawei Ascend، الذي صُمّم كبديل لشرائح إنفيديا.

تصنيفات

قصص قد تهمك