
أعلنت وزارة الدفاع اليابانية رسمياً تطوير نظام صواريخ "أرض- جو" من الجيل التالي لصالح قوات الدفاع البرية اليابانية، وهو ما يعكس سعي طوكيو لمواجهة التهديدات الصاروخية الباليستية والفرط صوتية الصينية المتقدمة؛ بقدرة دفاع جوي محلية الصنع.
واتخذت اليابان "خطوة حاسمة" لتعزيز منظومة دفاعها الجوي، بالبدء رسمياً في تطوير جيل جديد من أنظمة صواريخ "أرض- جو"، لبناء قدرة اعتراض سيادية مع التركيز بشكل خاص على القوات الصاروخية الصينية المتطورة، وذلك وفقاً لموقع Army Recognition.
وسيعتمد نظام الدفاع الجوي الياباني الجديد على منصة صواريخ Type-03 Chu-SAM، لكنه يمثل إعادة هندسة شاملة لدوره العملياتي ونطاق أدائه.
صاروخ اعتراضي جديد
يكمن جوهر البرنامج في دمج صاروخ اعتراضي مطور حديثاً، مُحسن للتصدي، ليس فقط للصواريخ الباليستية قصيرة المدى، بل أيضاً للمركبات الانزلاقية فرط الصوتية المتقدمة.
ويتوقع أن يتميز هذا الصاروخ الاعتراضي بنظام دفع وقدرة مُحسنة على المناورة، وباحث عالي الدقة لتمييز الأهداف المناورة عالية السرعة أثناء الاشتباك النهائي.
وسيتم تركيب المنصة على هيكل متحرك من طراز Mitsubishi Kato، مما يتيح النشر السريع، وعمليات إطلاق النار والانسحاب، وتحسين القدرة على البقاء تحت النيران.
وبينما تعتمد اليابان حالياً على أنظمة الدفاع الجوي Patriot PAC-3 MSE أميركية الصنع، وعلى أصول بحرية مجهزة بنظام Aegis ومسلحة بصواريخ اعتراضية من طراز SM-3 وSM-6، فإن هذا النظام الأرضي الجديد مصمم للعمل بشكل مستقل تحت قيادة وطنية، ومُصمم خصيصاً ليتناسب مع الجغرافيا الاستراتيجية لليابان.
وتُشير هذه الخطوة إلى جهد مُتعمد لتعزيز الاستقلالية العملياتية، وتقليل الاعتماد على الأنظمة الأجنبية أثناء الأزمات، وضمان سرعة الاستجابة وفقاً لقواعد الاشتباك اليابانية.
التصدي للصين
من الناحية التكتيكية، ينبع تحديث اليابان لمنظومة الدفاع الصاروخي من تزايد المخاوف بشأن ترسانة الصين المتنامية من الصواريخ الباليستية وفرط الصوتية بعيدة المدى، بما في ذلك صواريخ DF-15B و DF-16 وDF-17 HGV.
وصُممت هذه الأنظمة لإرباك أو تجاوز منظومات الدفاع الصاروخي الحالية، وضرب الأراضي اليابانية في المراحل الأولى من أي نزاع إقليمي محتمل.
وتقع الجزر الجنوبية الغربية لليابان، بما فيها أوكيناوا وسلسلة جزر نانسي شوتو، على مقربة من القوات الصاروخية الصينية، وتُعتبر الآن أهدافاً رئيسية في حال حدوث طارئ مشابه لأزمة تايوان أو تصعيد في بحر الصين الشرقي.
ويُعالج نظام Type-03 المُطور هذه التهديدات من خلال إدخال تقنيات رادار متطورة وأنظمة تحكم نيران متقدمة، بما في ذلك رادار مصفوفة المسح الإلكتروني النشط (AESA) ذو تغطية 360 درجة، وقدرة تتبع عالية السرعة، ومقاومة مُحسنة للتشويش والحرب الإلكترونية.
ويُعتقد أن الرادار قادر على رصد وتتبع الأهداف سريعة الحركة ذات المسارات المنخفضة، مثل المركبات الانزلاقية فرط الصوتية، خلال مرحلتي منتصف المسار والنهاية من الطيران.
وتُعد هذه قدرة بالغة الأهمية؛ نظراً لأن المركبات الانزلاقية فرط الصوتية مُصممة خصيصاً لاستغلال نقاط الضعف في أنظمة الرادار القديمة، من خلال التحليق على ارتفاعات منخفضة وتنفيذ مناورات مراوغة في اقترابها النهائي.
ويستند المنطق التكتيكي وراء قرار اليابان إلى مبدأي البقاء والانتشار، فعلى عكس بطاريات Patriot الثابتة، يمكن نشر منظومة Type-03 المتنقلة عبر الجزر النائية، وإخفاؤها في التضاريس الجبلية، وإعادة تموضعها بسرعة لتجنب الضربات المضادة.
تعزيز الدفاع الجنوبي
وفي سيناريو إطلاق صواريخ مكثف، تُعد القدرة على التحرك وإعادة الاشتباك أساسية للحفاظ على مظلة دفاع جوي فعالة.
وتنسجم هذه القدرة على الحركة مع جهود اليابان الأخيرة لتعزيز محيطها الدفاعي الجنوبي، حيث يجري نشر وحدات أرضية جديدة مضادة للسفن والطائرات، كجزء من استراتيجية أوسع للدفاع عن الجزر.
ومن خلال نشر نظام مطور محلياً، تستطيع اليابان أيضاً تكييف معايير دفاعها الصاروخي مع احتياجاتها الدفاعية الداخلية الفريدة، فالبيئات الحضرية الكثيفة في البلاد، والتقارب الشديد بين البنية التحتية المدنية والعسكرية؛ يخلقان متطلبات خاصة لعمليات اعتراض دقيقة مع أدنى حد من مخاطر الحطام.
ويتيح التحكم المحلي في سلوك الصواريخ الاعتراضية، وارتفاعات الاعتراض وتغطية الرادار لليابان، تحسين الأداء في ظل هذه الظروف، دون الاعتماد على تعديلات أجنبية أو تأخيرات.
استراتيجية الدفاع اليابانية
يتماشى برنامج Type 03 مع استراتيجية الدفاع الوطني اليابانية لعام 2023، التي تُركز على الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات، وقدرات الردع، وتطوير تقنيات متقدمة لمواجهة التهديدات المماثلة.
ويعزز المشروع طموح اليابان الأوسع نطاقاً؛ لترسيخ استقلالها الاستراتيجي مع الحفاظ على قابلية التشغيل البيني مع الأنظمة الأميركية والحليفة.
وفي الوقت نفسه، قد يفتح هذا النظام آفاقاً جديدة للتعاون الدفاعي الإقليمي، خاصة مع شركاء جنوب شرق آسيا، الذين يواجهون تهديدات صاروخية مماثلة ويسعون إلى تنويع خياراتهم، بعيداً عن الحلول الأميركية الحصرية.
وستستفيد القاعدة الصناعية الدفاعية في اليابان أيضاً، فمن المتوقع أن تقود شركة Mitsubishi للصناعات الثقيلة البرنامج، بدعم من عدة شركات يابانية فرعية لتطوير مكونات الرادار والتوجيه والدفع.
ولن يقتصر هذا الجهد على تنشيط منظومة تكنولوجيا الصواريخ اليابانية فحسب، بل قد يُشكل أيضاً منطلقاً لبرامج دفاعية مستقبلية موجهة للتصدير، رهناً بإصلاح سياسات نقل الأسلحة.
ويتوقع أن تُطرح النماذج التجريبية الأولى لنظام Type-03 المُطور بحلول السنة المالية 2027، على أن تُجرى اختبارات تشغيلية لاحقة في مناطق رئيسية.
وفي حال نجاحه، سيضع هذا النظام اليابان في مصاف الدول القليلة التي تمتلك قدرة محلية موثوقة على اعتراض التهديدات فرط الصوتية المناورة.
ويُعد قرار اليابان بالسعي نحو تطوير نظام دفاع صاروخي محلي الصنع قادر على إطلاق صواريخ فرط صوتية، استجابة مباشرة لواقع بيئة إقليمية أكثر توتراً.











