مقاتلات الحرب الباردة.. تكنولوجيا "مرعبة" كانت ستغير العالم

time reading iconدقائق القراءة - 16
نموذج لطائرة من طراز A-12 Avenger II. (صورة غير مؤرخة) - Creative Commons
نموذج لطائرة من طراز A-12 Avenger II. (صورة غير مؤرخة) - Creative Commons
دبي-الشرق

شهدت فترة الحرب الباردة ثورة في تكنولوجيا الطيران قادتها الولايات المتحدة للسيطرة على السماء فوق ساحة المعركة، إذ استثمرت بكثافة في الطائرات المقاتلة لتمكنها من تغيير قواعد اللعبة، وفق موقع "ساندبوكس".

وأدت التهديدات الوجودية التي عززت المشتريات العسكرية طوال الحرب الباردة إلى نهضة في تكنولوجيا الطيران، ما دفع الولايات المتحدة إلى تمويل برامج لم تكن لتحظى بذلك في ظل الظروف العادية.

كما لم تحظ بعض برامج الطيران بفرصة لتغيير قواعد اللعبة في ساحة المعركة. وكان ذلك لتحقيق أي تفوق في ظل مخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة نووية بدت حتمية في ذلك الوقت.

ودارت أحداث الحرب الباردة في الفترة بين 1947 و1991 بين أكبر قوتين في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تمثلت في (مواجهة سياسية وأيديولوجية وأحياناً عسكرية بشكل غير مباشر).

وفي ظل النفقات العسكرية الهائلة خلال تلك الفترة، لم يكن ممكناً تمويل العديد من البرامج التكنولوجية الثورية، والتي كان من الممكن أن تغير عالم الطيران العسكري.

ويرجع السبب إلى أن ذلك الوقت شهد صناعة طائرات متطورة للغاية كان إنتاجها مكلفاً جداً، بما لا يمكّن من تشغيلها بأعداد حقيقية. وفي أحيان أخرى، كانت هذه الجهود مبنية على مفاهيم خاطئة عن الطيران، والتي لم يكن من الممكن إثباتها إلا من خلال التجربة، قبل عصر المحاكاة الحاسوبية.

ديناصور بوينج الفضائي

جاءت الطائرة "Boeing X-20 Dyna-Soar" رداً على جهود ألمانيا في الحرب العالمية الثانية لصنع قاذفة قنابل يمكنها مهاجمة نيويورك. وكان من المقرر أن تكون طائرة بوينج ذات مقعد واحد وأن تنطلق في السماء وتتجاوز ارتفاع الصواريخ الأميركية.

وفي الخمسينيات كانت لتصبح "X-20 Dyna-Soar" أول قاذفة فرط صوتية في العالم، وهي مشابهة جداً من حيث المفهوم والاستخدام لنظام القصف المداري الجزئي للصين الذي تصدر عناوين الأخبار حول العالم بعد نجاح التجربة عام 2021.

وكان يفترض أن ترتفع الطائرة لتصل إلى الخط الفاصل بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء، بفضل تصميم هيكلها وسرعتها التي تفوق سرعة الصوت، بما يمكّنها من تجاوز الطبقات العليا للغلاف الجوي.

وكان تصميمها يسمح لها بالطيران حول العالم، لتطلق حمولتها فوق الأهداف السوفيتية على بعد أميال، قبل أن تشق طريقها عائدة إلى الأراضي الأميركية لتتمكن من الهبوط بمسار انزلاقي، بما لا يختلف كثيراً عن المكوك الفضائي الذي صُنع بعد عقود.

كانت "X-20" بمثابة خيال علمي في خمسينيات القرن الماضي، وُلدت في العصر النووي والأيام الأولى من الحرب الباردة. وبحلول عام 1960، استقر التصميم العام للطائرة إلى حد كبير، مستفيداً من شكل جناح دلتا مع جنيحات صغيرة للتحكم بدلاً من الذيل التقليدي.

وللتحكم في الحرارة الهائلة خلال رحلة عودة الطائرة، كانت الخطة أن تستخدم الطائرة سبائك فائقة مثل "René 41" المقاومة للحرارة في هيكلها، مع قضبان الموليبدينوم والجرافيت والزركونيا المستخدمة جميعها في الحماية من الحرارة على الجانب السفلي من الطائرة.

وبعد إطلاق سبوتنيك في عام 1957، رأت الولايات المتحدة حاجة ملحّة لتركيز مواردها نحو المدار نفسه، وإلغاء العمل على القاذفات شبه المدارية، لإعادة تخصيص الأموال نحو مشاريع فضائية جديدة لوكالة الفضاء ناسا.

أول طائرة شبحية

في ديسمبر 1977، نفذت شركة "لوكهيد مارتن Lockheed Martin" عرضاً تجريبياً لطائرة "هاف بلو Have Blue" الذي كان مقدمة لإنتاج الطائرة "F-117 Nighthawk".

وقبل أكثر من عقد ونصف من ظهور "هاف بلو"، كانت طائرة بوينج من طراز "الطائر الهادئ 853-21 Quiet Bird" تخطو بالفعل خطوات كبيرة لتصبح أول طائرة شبحية في العالم.

طوال عامي 1962 و1963، جرَّبت بوينج مفاهيم تصميم الطائرات الشبحية في طراز "Quiet Bird"، ودمجت أشكالاً ومواد بناء مختلفة في محاولة للحد من قدرة الرادارات على رصد الطائرة، وذلك قبل وقت طويل من قيام "لوكهيد مارتن" بتطوير الوسائل اللازمة دون بنائها فعلياً، كما كان تطويرها مكلفاً للغاية.

ولم يقدّر الجيش الأميركي آنذاك القيمة القتالية التي يمكن أن تقدمها الطائرة الشبحية في ساحة المعركة، وتوقف البرنامج في النهاية. وربما لو استمر لدخلت التقنية الشبحية الخدمة قبل أكثر من عقد من الزمن الذي ظهرت فيه.

سمكة كونفير: بديل الطائر الأسود

عندما دخلت طائرة التجسس "U-2 Dragon Lady" التابعة لشركة لوكهيد الخدمة بالجيش الأميركي، كانت الدفاعات الجوية السوفيتية قادرة بالفعل على تعقبها، وكان المسؤولون الأميركيون يعلمون أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يتحول التعقب إلى استهداف.

لذلك، كلفت الاستخبارات المركزية الأميركية شركتي "كونفير Convair" و"لوكهيد" بتطوير طائرة استطلاع جديدة يمكنها التحليق على ارتفاعات أعلى، وبسرعات أكبر بكثير، مع تقليل فرص رصدها من الرادارات لتقليل فرص إسقاطها.

وحققت "لوكهيد" هذه المتطلبات من خلال طائراتها "A-12" وما تلاها من طائرات "SR-71"، لكن "كينج فيش King fish" من شركة "كونفير" كانت المنافس الأساسي لها في ذلك الحين.

كما تم تطوير "كينج فيش" من نسخة "كونفير" الأولى"First Invisible Super Hustler" وتعرف اختصاراً بـ"FISH" أو السمكة.

كان من الممكن أن تُحمل "FISH" عالياً بواسطة القاذفة "B-58 Hustler" المعدلة، قبل إطلاقها وتشغيلها بواسطة محركات نفاثة بسرعات تزيد على 4 ماخ (4828 كيلومتراً في الساعة تقريباً). 

وبسبب المخاوف بشأن تعقيد مفهوم "FISH" وتكلفتها، صدرت تعليمات إلى "كونفير" بمحاولة التوصل إلى تصميم جديد مبني على محرك "Pratt & Whitney J58 turboramjet" التوربيني، وهو نظام الدفع ذاته الذي كانت شركة "لوكهيد" تعمل عليه في تصميم طائرتها "A-12".

كان تصميم "كينج فيش" يسبق زمانه إلى حد كبير، إذ كان يقتضي وضع محركي "J58" داخل جسم الطائرة بزاوية تحد من رصد الرادار لانبعاثاتها. وكان تصميم جناح الدلتا يشبه بشكل مذهل أجنحة الطائرات الشبحية التي جاءت بعد عقود.

وكان مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" مدفوعين إلى حد كبير بانتقادات مهندس الطيران الأسطوري كيلي جونسون الذي يعمل في شركة لوكهيد المنافسة، وكانت هناك مخاوف من أن "كينج فيش" دمجت الكثير من التقنيات غير المختبرة، بحيث لا يمكن تصنيعها واختبارها وتشغيلها ضمن الميزانية المخصصة للبرنامج.

وكان جونسون صريحاً في رأيه أن تصميم "كينج فيش" جاء لصالح خاصية التخفي على حساب أداء الطائرة، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه خطأ في ذلك الوقت، على الرغم من أنه أصبح شائعاً في الطائرات الشبحية في الوقت الراهن، لكن بنهاية المطاف فازت شركة لوكهيد.

A-12 Avenger II: أول شبح ينطلق من حاملة طائرات

في 13 يناير 1988، حصل فريق مشترك من شركتي "ماكدونيل دوجلاس McDonnell Douglas"، و"جنرال ديناميكس General Dynamics" على عقد تطوير لما  كان سيصبح لاحقاً الطائرة "A-12 Avenger II".

وبمجرد اكتمالها كان سيذكرنا تصميم جناحها بطائرتي "B-2 Spirit" أو "B-21 Raider" التابعتين لشركة "نورثروب جرومان Northrop Grumman"، واللتين ظهرتا في وقت لاحق، على الرغم من أنهما أصغر بكثير وبزوايا أصعب.

وعلى الرغم من أن الطائرة "A-12" هجومية، إلا أنها كانت تفي بمتطلبات تصميم المقاتلات، وتحمل على متنها أنظمة رادار، ومجموعة متنوعة من صواريخ "جو-جو".

وكان من الممكن أن تكون "A-12"، أول مقاتلة شبحية حقيقية في العالم، إذ إن طائرة "F-117 Nighthawk"، التي كانت في الخدمة بالفعل، لم يكن لديها رادار على متنها ولا القدرة على الاشتباك مع أهداف جوية.

بل إن الطائرة "F-117" التابعة لسلاح الجو الأميركي لم تكن مقاتلة شبحية، إلا أن الطائرة "A-12" التابعة للبحرية كانت كذلك.

ومع ذلك، وبدون سابق إنذار، تم إلغاء برنامج "A-12 Avenger" في يناير عام 1991 من قِبَل وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت ديك تشيني. وقيل في وقت لاحق إنها كانت تعاني من مشكلات تتعلق بوزنها الزائد، وتكلفتها الكبيرة وتخلفها عن الجدول الزمني المحدد.

واستغرق الأمر في البحرية الأميركية 26 عاماً أخرى، حتى حصلت على أول مقاتلة شبحية تنطلق من حاملة للطائرات وهي "F-35C".

بوينج 747 CMCA: القاذفة الأكثر توفيراً

بدأت الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي في نشر صواريخ باليستية عابرة للقارات في صوامع أرضية، بالإضافة إلى صواريخ باليستية تُطلق من الغواصات تحملها منصات متخفية تتمركز بشكل استراتيجي في جميع أنحاء العالم.

ومع موقف الدفاع الأميركي الموجه بشكل أساسي نحو ردع العدوان السوفييتي، فإن هذه الأساليب الجديدة لتوصيل الحمولات النووية دفعت الكثير من المعنيين بالأمر للتشكيك في الحاجة إلى برامج تطوير قاذفات جديدة باهظة الثمن، ما أدى إلى إلغاء برنامج قاذفة القنابل "B-1" ذات الحمولة الثقيلة والأسرع من الصوت.

وأدركت بوينج أن هذا الإلغاء قد يترك فجوة في القدرات الاستراتيجية للولايات المتحدة، لذا بدأت في تطوير قاذفة بتكلفة أقل بكثير. واستقرت في النهاية على خطط لتحميل طائرة "747" بما يصل إلى 72 صاروخاً من طراز "كروز AGM-86" تُطلق من الجو محمولة في 9 قاذفات داخلية دوارة، ما يسمح لها بالعمل كترسانة بعيدة المدى قادرة على تدمير الأهداف من مئات الأميال، لذا أُطلق عليها الطائرة "747 حاملة صواريخ كروز 747 Cruise Missile Carrier Aircraft".

كانت الطائرة لا تحتاج إلى التزود بالوقود لمدى يصل إلى 6 آلاف ميل، مع حمولة بـ77 ألف رطل (نحو 35 ألف كيلوجرام) من الذخائر، وبنية تحتية موجودة مسبقاً لطائرات 747، وبالتالي كان من الممكن أن تكون "CMCA" القاذفة الأكثر توفيراً في التاريخ الحديث.

اليوم، تبلغ تكلفة طائرة "B-52 Stratofortress" نحو 88 ألف دولار لكل ساعة طيران، وتكلف طائرة"B-2 Spirit" نحو 150 ألف دولار لكل ساعة، أما طائرة "B-1B Lancer" فتكلف نحو 173 ألف دولار لكل ساعة.

في المقابل، تبلغ تكلفة الطائرة "747 CMCA" نحو 30 ألفاً و950 دولاراً لساعة الطيران، وبحمولة أكبر من أي قاذفة أميركية أثناء الخدمة.

وفي نهاية المطاف، لم تخرج طائرة "747 CMCA" إلى النور، مع قيام إدارة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريجان بالعودة لبرنامج "B-1" ودخول "B-2" الخدمة بعد ذلك بوقت قصير، لكن ربما تعيد الولايات المتحدة النظر في مفهوم مماثل في المستقبل.

NB-36: الغواصة النووية الطائرة

كانت "NB-36 Crusader" قاذفة تجريبية تعمل بالطاقة النووية، وطارت بالفعل وعلى متنها مفاعل نووي أثناء اختبارها. واعتمد تصميمها على قاذفة شركة "كونفير B-36" الضخمة، والتي بلغ طول جناحيها 230 قدماً، لتحمل لقب صاحبة أطول جناحين بالمقارنة بأي طائرة قتالية.

وبفضل حجمها الضخم، يمكنها أن تطير بحمولة تبلغ 86 ألف رطل (ما يزيد قليلاً على 39 ألف كيلوجرام). وفي خمسينيات القرن الماضي جرَّب سلاح الجو الأميركي استخدام حمولتها لتزويد القاذفة بمولّد للطاقة النووية خاصاً بها، ما سمح لها بالطيران إلى أجل غير مسمى تقريباً مثل غواصة نووية تحلق في السماء.

من الناحية النظرية، يمكن للقاذفة التي تعمل بالطاقة النووية أن تبقى في الجو لأسابيع في الرحلة الواحدة، إن لم يكن لفترة أطول، ويمكنها الوصول إلى أي هدف على الكوكب دون الحاجة إلى الهبوط أو التزود بالوقود.

وفي ذلك الوقت، حافظت الولايات المتحدة على حالة من الاستعداد المستمر في أساطيل القاذفات المسلحة نووياً لتكون بمثابة رادع قوي ضد العدوان السوفييتي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المخاطر المرتبطة بتحليق مفاعل نووي فوق المجال الجوي الأميركي أو الحلفاء أدت في نهاية المطاف إلى إلغاء البرنامج في 1961.

X-24C: طائرة الستينيات فرط الصوتية

كانت الطائرة "X-24C" جزءاً من جهود إنتاج طائرة فرط صوتية تعمل بمحرك "سكرامجيت Scramjet" فرط الصوتي بدءاً من أواخر الستينيات. وتولت شركة "لوكهيد مارتن" دور المقاول الرئيس.

وعملت جنباً إلى جنب مع المرفق الوطني لبحوث الطيران فرط الصوتي التابع لسلاح الجو الأميركي، إضافة إلى وكالة ناسا، لتطوير وتقديم طائرتين تجريبيتين تفوق سرعتهما سرعة الصوت، وتقوم كل منهما بـ100 رحلة جوية.

وطائرة "L-301" الجديدة، التي أطلق عليها بشكل غير رسمي "X-24C" جرى تزويدها بمحرك صاروخي جديد من طراز "LR-105" ضمن سلسلة صواريخ "أطلس".

وكان يفترض أن يقوم المحرك الجديد بإطلاق وتسريع الطائرة إلى سرعات فرط صوتية، بما يشبه المحرك الصاروخي الذي يعمل على تشغيل الطائرة "X-15" مع استخدام محرك "سكرامجيت" آخر مثبت على بطن الطائرة.

وكان من المفترض أن يدفع محرك "سكرامجت"، الطائرة "X-24C" إلى سرعات تزيد على 6 ماخ (7344 كيلومتراً في الساعة)، لتصل إلى سرعات الذروة المستهدفة لتتخطى 8 ماخ (9792 كيلومتراً في الساعة). 

ولو استمر برنامج "X-24C" لامتلكت الولايات المتحدة طائرة فرط صوتية تعمل بمحرك "سكرامجيت" في الستينيات. ولكن بنهاية 1977، ألغي برنامج "L-301" و"X-24C" الافتراضي، لصالح طائرة لوكهيد مارتن "هاف بلو"، التي تطورت لاحقاً لتصبح "F-117 Nighthawk".

تصنيفات

قصص قد تهمك