حرب غزة.. لماذا فشلت إسرائيل في تطبيق استراتيجية "جز العُشب"

تقرير: تعكس قدراً من الغطرسة وتفترض في جوهرها السيطرة على المقاومة

time reading iconدقائق القراءة - 7
مبان دمرتها غارات إسرائيلية في منطقة الزهراء وسط قطاع غزة. 21 أكتوبر 2023 - Bloomberg
مبان دمرتها غارات إسرائيلية في منطقة الزهراء وسط قطاع غزة. 21 أكتوبر 2023 - Bloomberg
دبي-الشرق

تنتهج إسرائيل استراتيجية عُرفت بـ"جز العشب" في غزة، وربما أصبح من الواضح الآن وبما لا يدع مجالاً للشك أنها فشلت في توفير الحماية التي كانت تنشدها تل أبيب، بل ويُعتقد أنها أوصلت الوضع في القطاع إلى ما هو عليه الآن، حسب ما نقلت مؤسسة "راند" البحثية عن مقال رأي بصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية.

وأشار المقال إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة كانت تسير على النحو التالي: "يلجأ الفلسطينيون المحبطون من الوضع في القطاع إلى جماعات مثل حركة حماس للانتقام من إسرائيل، فتفرض الأخيرة قيوداً تُحكم بها الحصار على القطاع متذرعة بمخاوف أمنية، ومن ثم تتدهور ظروف المعيشة في غزة أكثر، وتتزايد معها حالة السخط، فتستفيد حماس، والجهاد الإسلامي، وفصائل أخرى من حالة السخط السائدة تلك، وتشن هجمات ضد إسرائيل".

ويستكمل المقال توضيح استراتيجية تل أبيب: "بعدما تتعرض إسرائيل للهجوم، تضطر إلى الرد بطريقة جز العُشب، إذ تقوم بالقضاء على عناصر حماس، والجهاد الإسلامي مع عدد من المدنيين، وكأنها تحتفظ لنفسها ببضع سنوات من السلام النسبي، ثم تعود الاشتباكات مرة أخرى، لتستمر هذه الدائرة المفرغة إلى ما لا نهاية".

سياسة تكسير العظام

وتجسد "جز العشب" أكثر من مجرد حتمية استراتيجية، كما تعكس قدراً كبيراً من الغطرسة والغرور، يكمن في جوهرها الافتراض بأن إسرائيل يمكنها السيطرة على المقاومة في غزة، وضرب "حماس" بقوة كافية لردعها عن مهاجمتها.

ولكن ليس بالقوة التي تجعل القطاع يغرق في الفوضى، أو ينفجر إلى حد يتحول فيه الصراع لحرب إقليمية، وكما قال محلل عسكري إسرائيلي عن حرب غزة في 2014: "نريد أن نكسر عظامهم دون وضعهم في المستشفى"، بحسب المقال.

وأوضح المقال أن تحقيق رغبة إسرائيل في الحفاظ على هذا التوازن لسنوات طويلة أمر شبه مستحيل، خاصة مع تصاعد الضغوط الداخلية في قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة في منطقة مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً وهو ما يعادل مساحة مدينة فيلادلفيا الأميركية تقريباً، ناهيك عن أن 80% من سكان القطاع يعانون الفقر، و46% منهم عاطلون عن العمل، كما يتدفق من القطاع يومياً نحو 108 آلاف متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البحر المتوسط، وقد يكون من الصعب الحصول على مياه صالحة للشرب.

مزيد من جز العُشب

وفي ظل هذه الظروف، ومع غياب أي أفق لتحقيق ما هو أفضل لسكان غزة، لا يمكن أن يُكتب لأي استراتيجية عسكرية احتواء العنف على المدى الطويل، ولهذا كان انفجار الوضع في القطاع أمراً حتمياً.

ويشير المقال إلى أن استراتيجية "جز العشب" الإسرائيلية فشلت فشلاً ذريعاً في السابع من أكتوبر، حين أطلقت فصائل فلسطينية هجوماً مباغتاً، أكد مدى ضآلة سيطرة إسرائيل على القطاع، ورفع النقاب عن فشل استخباراتي وعملياتي واستراتيجي لدى تل أبيب.

ومع ذلك، يبقى السؤال بشأن ما إذا كانت إسرائيل قد استوعبت هذا الفشل الاستراتيجي أم لا، بلا إجابة، إذ تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "باستعادة الردع" لحدود إسرائيل، وأعلن الجيش تعبئة نحو 360 ألف جندي احتياط، وهو ما يعادل 3 أضعاف قوام القوات العاملة بالجيش، وكل ذلك يشير إلى أن تل أبيب تتجه نحو "المزيد من جز العشب".

ومن منظور عسكري بحت، فمن المرجح أن تشهد إسرائيل أياماً صعبة في المستقبل، فشبكة الأنفاق الواسعة التي شيدتها حركة "حماس" تحت غزة، وتهديدها بإعدام العشرات من الرهائن الذين تحتجزهم، قد تدفعان الجيش الإسرائيلي لشن غزو بري واسع النطاق على القطاع.

تجدر الإشارة إلى أن في آخر مرة توغلت فيها إسرائيل برياً داخل غزة كانت في عام 2014، واستمرت العملية 50 يوماً، وأسفرت عن تسوية مساحات شاسعة من القطاع بالأرض، كما أودت بحياة نحو 2000 فلسطيني، وخلَّفت أكثر من 70 قتيلاً إسرائيلياً. ولكن الخسائر البشرية الناجمة عن الحرب الحالية تجاوزت بالفعل الأرقام السابقة في غضون أيام قليلة، كل ذلك ولم يبدأ بعد أي توغل بري لإسرائيل.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الاثنين، أن إجمالي عدد الضحايا في قطاع غزة، ارتفع إلى 5087 ضحية، وإصابة 15 ألفاً و273 شخصاً منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على القطاع.

وأوضحت الوزارة أن من بين الوفيات 2055 طفلاً و1119 امرأة و217 مسناً، مشيرة إلى وفاة 436 فلسطينياً بينهم 182 طفلاً في الضربات الإسرائيلية على القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية.

خيارات أخرى

وجاء في المقال، أنه بمجرد انتهاء الحرب الحالية، سيتعين على إسرائيل القيام بشيء أكثر صعوبة إذا كان لديها أي أمل في منع أي حروب قادمة، إذ ستحتاج إلى إعادة إعمار غزة لتصبح أفضل مما كانت عليه، وهذا يعني ضمان حصول سكان القطاع على فرصة لتحقيق الرخاء الاقتصادي، وربما حتى المخاطرة بتخفيف الحصار.

وهذا يعني ضمان أن يكون لدى سكان غزة خيارات سياسية أخرى بعيداً عن "حماس" والسلطة الفلسطينية، ومن ثم إعادة بناء النسيج الاجتماعي في القطاع، والذي من المرجح أن يكون أكثر تمزقاً بعد حرب مدمرة قد تجعله أكثر عدائية لإسرائيل.

وخلص المقال إلى أن هذا المقترح الذي يبدو مكلفاً بعض الشيء، سيكون من الصعب على الإسرائيليين تقبله، لا سيما في ضوء حجم ونطاق الصدمة التي سببها هجوم "حماس" وفصائل فلسطينية، الأخير على إسرائيل، ومع ذلك فمن الضروري وضع حد لدائرة "جز العشب" المفرغة، لأن "العشب ينمو مرة أخرى".

تصنيفات

قصص قد تهمك