القصف المدفعي المكثف "يدمر حياة مطلقيه".. تحقيق يكشف معاناة جنود أميركيين

أعراض دماغية مدمرة وغامضة.. والبنتاجون يبدأ تقييم التهديد

time reading iconدقائق القراءة - 7
طلاب الأكاديمية العسكرية الأميركية USMA أثناء إطلاقهم سلاح مدفعية "هاوتزر" عيار 105 ملم M119 خلال أنشطة التدريب التكتيكي والبدني في ولاية نيويورك. 7 أغسطس 2020 - Reuters
طلاب الأكاديمية العسكرية الأميركية USMA أثناء إطلاقهم سلاح مدفعية "هاوتزر" عيار 105 ملم M119 خلال أنشطة التدريب التكتيكي والبدني في ولاية نيويورك. 7 أغسطس 2020 - Reuters
دبي -الشرق

أدى اعتماد الولايات المتحدة على استراتيجية "القصف المكثف بالمدفعية الثقيلة" خلال الهجوم البري ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا عام 2016 إلى أعراض "مدمرة ومحيرة" في صفوف القوات مرتبطة بالدماغ، بحسب تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وكشف التحقيق الذي شمل مقابلات مع أكثر من 40 شخصاً من قدامى المحاربين وعائلاتهم، أن القوات عادت إلى الولايات المتحدة مصابة بالأرق والارتباك وفقدان الذاكرة ونوبات الذعر والاكتئاب، وفي بعض الحالات، الهلوسة، من بين الأعراض الأخرى.

وظهرت على العديد من أفراد أطقم المدفعية أعراضاً "مدمرة ومحيرة"، إذ أطلق كل انفجار لمدفع "هاوتزر" العنان لصدمات اخترقت أجساد الجنود الذين كانوا يقفون بالقرب منها، بسرعة صاروخ كروز، مما جعل عظامهم تهتز، وأصابت رئتيهم وقلوبهم، وأثرت في العضو الأكثر حساسية في الجسم على الإطلاق وهو الدماغ.

وبدأ أفراد أطقم المدفعية الأميركيين يعانون مشاكل في الذاكرة والتوازن والغثيان والإرهاق الشديد. وكانت تلك الأعراض بمثابة علامات ارتجاج تشبه أيضاً ما قد يشعر به أي شخص بعد العمل لمدة 20 ساعة يومياً في الصحراء والنوم في الخنادق، ولكن لم يشتك الجنود؛ لأنهم كانوا قد دُرِّبُوا على قوة التحمل.

صعوبة التشخيص

وأشارت الصحيفة، إلى أنه "تم فحص هذه الأطقم بحثاً عن علامات إصابات الدماغ"، مستدركة: "لكن هذه الفحوصات كانت مصممة لاكتشاف آثار انفجارات أكبر بكثير من هجمات العدو، وليس التعرض المتكرر لموجات الانفجار الناتجة لإطلاق النار الروتيني، ولذا كانت نتائج فحص عدد قليل فقط من القوات إيجابية".

وتابعت: "لكن أعضاء الأطقم الذين قيل لهم إنهم يتمتعون بصحة جيدة، استمروا في المعاناة من أجل فهم سبب استمرار شعورهم بالذعر والأرق حتى أن البعض اعتقد أنهم كانوا في طريقهم إلى الجنون"، "وعندما بدأت هذه القوات في التصرف بشكل غريب، فإنه غالباً ما كان يتم معاقبتهم".

ولا يوجد في سجلات أفراد أطقم المدفعية ما يشير إلى أنهم تعرضوا مطلقاً لانفجارات مدمرة أثناء القتال، ولذلك عندما طلب البعض المساعدة الطبية من الجيش، لم ينظر الأطباء مراراً في احتمال حدوث إصابة في الدماغ. وبدلاً من ذلك، كان يُقال للجنود في كثير من الأحيان أنهم يعانون من اضطراب نقص الانتباه، أو الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة، وأعطى الأطباء لهم أدوية ذات تأثير نفسي قوي جعلت من الصعب عليهم القيام بوظائفهم وفشلت في جعلهم يشعرون بالراحة.

تدمير الحياة

وعندما كان الأداء الوظيفي لهؤلاء الجنود يتدهور أو يصبح سلوكهم غير منتظم، فإنه لم يكن يُنظر إلى العديد من أفراد الأطقم على أنهم جرحى، بل على أنهم يمثلون مشاكل للجيش، ولذا فقد تم التراجع عن ترقيتهم أو معاقبتهم لسوء السلوك، كما أجبر الجيش بعضهم على ترك الخدمة، وتم حرمانهم من الرعاية الصحية التي تقدم للمحاربين القدامى.

وامتدت مشاكل هؤلاء الجنود إلى الحياة المدنية، مما أدى إلى تدمير الزيجات، وجعل من الصعب عليهم الاحتفاظ بوظائفهم، وبات بعضهم الآن بلا مأوى، ومات عدد كبير منهم منتحرين، ولا يزال الكثيرون منهم ليس لديهم أدنى فكرة عن أن مشاكلهم هذه قد تكون ناجمة عن التعرض للانفجارات.

وأشار التحقيق إلى أنه بسبب اعتقاد الجيش أن موجات الانفجار هذه كانت آمنة، فقد فشل بشكل متكرر في التعرف على ما كان يحدث للقوات.

أضرار يستحيل توثيقها

وبدأت دراسات بالفعل في الكشف عن المخاطر التي يشكلها التعرض لهذه الانفجارات، ولكنها تتقدم ببطء، إذ تشير الأبحاث إلى أن التعرض المتكرر لموجات الانفجار الناتجة عن إطلاق الأسلحة الثقيلة مثل المدافع ومدافع الهاون والصواريخ المحمولة على الكتف، وحتى المدافع الرشاشة ذات العيار الكبير قد يسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه للدماغ، وهو الأمر الذي ربما تأثرت أعداد كبيرة من المحاربين القدامى العسكريين منه.

ولكن "يكاد يكون من المستحيل توثيق هذا الضرر"، لأنه لا يوجد مسح للدماغ أو اختبار دم متاح الآن يمكنه اكتشاف تلك الإصابات الدقيقة في الدماغ، وما يجعل التشخيص أكثر تعقيداً هو أن العديد من الأعراض يمكن أن تكون مماثلة لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

ولا يمكن توثيق الضرر الناجم عن التعرض لهذه الانفجارات بشكل نهائي إلا من خلال فحص شرائح رقيقة من أنسجة المخ تحت المجهر بمجرد وفاة الشخص، إذ تُظهر عينات الأنسجة المأخوذة من مئات من المحاربين القدامى المتوفين الذين تعرضوا لها خلال حياتهم العسكرية نمطاً فريداً وثابتاً من الندبات الدقيقة.

استراتيجية القصف المكثف

وعندما أطلق المخططون العسكريون الأميركيون، هجومهم البري ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا في عام 2016، كانوا يعلمون أن الرأي العام الأميركي قد سئم من الحروب الطويلة في الشرق الأوسط، وأن العملية يجب أن تتم بمشاركة عدد قليل جداً من القوات على الأرض، ولذا اعتمدوا على استراتيجية لم تكن قد اُستخدمت كثيراً منذ عقود وهي القصف المكثف بالمدفعية الثقيلة.

واعتمدت الولايات المتحدة في هزيمة "داعش"، على أطقم المدفعية التي أطلقت النار بشكل مكثف أكثر من أي وقت مضى منذ أجيال، إذ تمكنت مدافع "الهاوتزر" الكبيرة المستخدمة في ذروة الهجوم ضد التنظيم في سوريا والعراق، في الفترة بين عامي 2016 و2017، من إطلاق قذائف كانت تزن كل منها 100 رطل لمسافة 15 ميلاً (24 كيلومتراً)، وظلت أطقم المدافع تطلقها دون توقف تقريباً، ليلاً ونهاراً لأسابيع متتالية.

وقد نجحت هذه الاستراتيجية في تحقيق هدفها على النحو المنشود، إذ إنه سرعان ما تم القضاء على تنظيم "داعش"، ولكن إبقاء عدد القوات الأميركية المشاركة عند الحد الأدنى كان يتطلب أن يقوم كل طاقم بإطلاق آلاف القذائف شديدة الانفجار، وهو ما يتمثل في عدد أكبر بكثير من القذائف التي أطلقها أي طاقم مدفعية أميركي منذ حرب فيتنام على الأقل.

تقييم التهديد

ويقول الجيش الأميركي إن لديه الآن وسائل للحماية من التأثر بهذه الانفجارات، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان الكثير من الأمور قد تغيرت، وبناءً على طلب من مجموعات المحاربين القدامى، أصدر الكونجرس، مؤخراً، أمراً لوزارة الدفاع (البنتاجون) بالبدء في تقييم التهديد الذي يشكله إطلاق نيران المدفعية، ووضع بروتوكولات لحماية القوات، ولكن العمل لا يزال جارياً على الأمر، ولا تزال الأسئلة الأساسية حول مستوى الانفجار الذي يمكن أن يسبب الإصابة، وكيف يمكن أن يؤدي التعرض المتكرر إلى تضخيم المخاطر دون إجابات.

ويقول كل من الجيش الأميركي وقوات مشاة البحرية أن لديهما الآن برامج للتتبع والحد من التعرض اليومي للقوات، ولكن لا تزال القوات في جميع أنحاء الجيش تتدرب على الأسلحة التي تشعر وزارة الدفاع بالقلق من أنها قد تشكل خطراً.

تصنيفات

قصص قد تهمك