على وقع التوتر مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحرب في أوكرانيا، أعلنت روسيا نشر صواريخ نووية من طراز "RS-24 Yars" في صوامع تحت الأرض، بقاعدة كوزيلسك بمنقطة كالوجا، جنوب غربي العاصمة موسكو.
تأتي الخطوة بعد شهر تقريباً من إعلان روسيا الانسحاب من معاهدة حظر التجارب النووية، بسبب "عدم انضمام دول نووية رئيسية إليها، وأبرزها الولايات المتحدة والصين وكوريا الشمالية"، وفق ما أعلنت حينها.
وأجرى الجيش الروسي محاكاة لضربة نووية في مناورة أشرف عليها الرئيس فلاديمير بوتين، في أكتوبر الماضي، بعد ساعات من تصويت البرلمان على إلغاء تصديق البلاد على معاهدة حظر التجارب النووية، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وقال بوتين إن إلغاء تصديق روسيا على معاهدة حظر التجارب النووية في عام 2000 يأتي رداً على موقف الولايات المتحدة، التي وقعت على معاهدة حظر التجارب النووية، لكنها لم تصدق عليها.
وأظهر التلفزيون الحكومي بوتين، وهو يوجه التدريبات عبر مكالمة فيديو مع كبار المسؤولين العسكريين.
وأشارت الصحيفة إلى وجود مخاوف واسعة النطاق من أن روسيا قد تتحرك لاستئناف التجارب النووية لمحاولة إثناء الغرب عن الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.
اختراق الدروع الأميركية
الصاروخ الروسي "RS-24 Yars"، الذي تم تطويره لحمل رؤوس حربية نووية حرارية متعددة، قادر على اختراق الدروع الدفاعية للولايات المتحدة وحلفائها، وفقاً لما ذكره مسؤولون روس.
ويصنف الصاروخ ضمن فئة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBM)، ويمكن أن يكون جاهزاً للإطلاق خلال 7 دقائق.
ونشرت وزارة الدفاع الروسية، في 14 ديسمبر الماضي، مقطع فيديو يظهر تركيب صاروخ "يارس" في صومعة صواريخ تحت الأرض، في إشارة تحذير لحلف الناتو على الأرجح.
وأظهر مقطع الفيديو تركيب الصاروخ داخل صومعة في مجمع كوزيلسك العسكري في منطقة كالوجا.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنه تم تركيب الصاروخ في الصومعة باستخدام وحدة نقل وتحميل متخصصة خلال عملية استمرت عدة ساعات.
وجرى وضع الصاروخ الباليستي العابر للقارات الذي يبلغ مداه 7500 ميل (12 ألف كيلومتر) في منصة إطلاق باستخدام وحدة نقل وتحميل خاصة.
ويعتبر "RS-24 Yars"، الذي يوصف بأنه أقوى 12 مرة من القنبلة الذرية التي ضربت مدينة هيروشيما في اليابان، نسخة مطورة من صاروخ "Topol-MR" السابق.
ويتطابق نظام الصاروخ الحالي مع نظام الصواريخ السابق، عدا أنه تمت ترقيته لحمل رؤوس حربية متعددة يمكن إطلاقها بشكل مستقل (MIRV).
ويحتوي الصاروخ في تكوين MIRV على جميع الرؤوس الحربية في مرحلة واحدة تنفصل عن بقية السلاح بعد الإطلاق، وبمجرد تجاوز الغلاف الجوي للأرض، قد تتنقل هذه الوحدة بشكل مستقل، وتطلق كل رأس حربي على هدف واحد.
وفي يونيو 2019، قالت روسيا إنها اختبرت الصاروخ باستخدام تصميم "رأس حربي تجريبي".
قدرات مدمرة
ويعمل الصاروخ بالوقود الصلب، وهو ثلاثي المراحل، ودخل الخدمة في فبراير 2010، ويقدر طوله بـ 22.5 متراً، وقطره 2 متر، ويُعتقد أن تطويره بدأ عام 2004. وتم إجراء أول اختبار طيران له في مايو 2007، وجرى اختباره مرة أخرى في ديسمبر 2007 ونوفمبر 2008، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).
وقالت وكالات أنباء روسية رسمية في ديسمبر 2014، إنه تم اختبار إطلاق الصاروخ بنجاح من موقع قائم على الصومعة.
ويقدر إجمالي وزن إطلاق الصاروخ عند 49 ألف كيلوجرام، ومن المتوقع أن يصل مداه الأدنى إلى 2000 كيلومتر وبحد أقصى 12 ألف كيلومتر، ويتمتع بالقدرة على المناورة أثناء الطيران ما يمنحه ميزة ضد أنظمة الدفاع الصاروخي الحديثة.
ويمنح نظام الصاروخ العنصر الأرضي للثالوث النووي الروسي فعالية متزايدة من خلال قدرته على تفادي أنظمة الدفاع الصاروخي.
ويعتبر الصاروخ جزءاً حيوياً من جهود موسكو لزيادة قدرة قواتها النووية على البقاء ولمواجهة أنظمة الدفاع الصاروخي التي تنشرها الولايات المتحدة.
تهديد أجوف أم مؤشر حرب؟
وهددت روسيا في أكثر من مناسبة باللجوء إلى الحل النووي للرد على تصعيد "الناتو" في أوكرانيا، وقال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، إن إنهاء الحرب سريعاً ممكن بطريقتين، عقد اتفاق سلام، أو استخدام الأسلحة النووية.
ولا يزال استخدام الأسلحة النووية في الوقت الحالي، وكنتيجة للحرب في أوكرانيا "أمراً مستبعداً للغاية"، بحسب المحللة الأمنية الأميركية، إيرينا تسوكرمان.
وقالت تسوكرمان في تصريحات لـ"الشرق"، إنه من المرجح أن تستخدم روسيا تهديدات مختلفة أقل، ولكنها تدرك أن أي استخدام حقيقي للأسلحة النووية سيُنظر إليه على أنه تهديد مباشر لأمن "الناتو" وسيقابل بـ"رد سريع وساحق".
وأضافت أنه "مع ذلك تحتاج روسيا إلى مواصلة قرع الطبول كشكل من أشكال الضغط السياسي على الغرب".
وأشارت تسوكرمان إلى أن روسيا تعمل على موازنة ضغوطها بعناية لتجنب الهجوم المباشر، "لكنها تموضع نفسها بطريقة تمكنها من ممارسة أقصى قدر من الضغط النفسي مستغلة نقاط الضعف في الغرب".
وقالت الاستخبارات الأوكرانية، مطلع الشهر الجاري، إن روسيا أجرت اختبارات فاشلة للصاروخ الباليستي العابر للقارات، الذي يمثل العنصر الرئيسي للمكون الأرضي للقوات النووية الاستراتيجية الروسية، وفق موقع "ديفينس إكسبريس".
وذكرت أنه تم إطلاق الصاروخ من قاعدة بليسيتسك الفضائية، التي تبعد عن موسكو 800 كيلومتر تقريباً، إلى الهدف في نطاق كورا من قبل الطاقم القتالي التابع لجيش الصواريخ الثالث والثلاثين بقوات الصواريخ الاستراتيجية للقوات المسلحة الروسية.
وأضافت الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية، أن الصاروخ خرج عن مساره، كما حدث خلال تدريبات هيئة الأركان السابقة في 25 أكتوبر 2023.
واعتبر المحلل السياسي الروسي تيمور دويدار، أن تحريك الصاروخ النووي في صوامع تحت الأرض، جزء من الاستعدادات للعرض العسكري في موسكو يوم 9 مايو المقبل.
وأشار في تصريحات لـ"الشرق"، إلى القدرة الفائقة للصواريخ الروسية النووية، بمداها الذي يصل إلى 12 ألف كيلومتر، وقدرات كبيرة في الانقسام والمناورة.