كاسحات الجليد.. تنافس أميركي روسي صيني يشعل القطب الشمالي

time reading iconدقائق القراءة - 15
كاسحات جليد فنلندية راسية في ميناء هلسنكي. 3 مايو 2023 - breakingdefense.com
كاسحات جليد فنلندية راسية في ميناء هلسنكي. 3 مايو 2023 - breakingdefense.com
دبي-الشرق

تعرض أسطول كاسحات الجليد القطبي الأميركي للتهميش بالكامل، بعد احتراق إحدى قطعه في يوليو الماضي، ما أعاق قدرة الولايات المتحدة على إظهار قوتها والحفاظ على وجود ملموس في الشمال القطبي بالمستقبل القريب.

وأثار عدم امتلاك الولايات المتحدة أسطول قوي من الكاسحات الجليدية للإبحار في القطب الشمالي قلقاً كبيراً، ما ساعد خلال هذا الصيف في دفع البيت الأبيض إلى الإعلان عن اتفاق جديد يهدف بشكل مباشر إلى تعزيز أسطول كاسحات الجليد، وذلك وفقاً لما ذكره موقع Breaking Defense.

وقال زعماء الولايات المتحدة وكندا وفنلندا، في إعلان ثلاثي صدر في العاشر من يوليو الماضي، إنهم سيعملون معاً لبناء وشراء كاسحات الجليد، وهو نوع من السفن المصممة بشكل فريد لإزالة أنواع الجليد القطبي، التي قد تغرق السفن غير المستعدة أو تلحق بها أضراراً جسيمة.

وتحت الاسم المستعار المحتمل لاتفاقية جهود التعاون في كاسحات الجليد، أو ICE Pact، تندرج الاتفاقية ضمن نوع الاتفاقيات الثنائية والثلاثية الخاصة بالمنطقة، التي سعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إبرامها في السنوات الأخيرة.

ويعتبر ميثاق ICE بالنسبة للولايات المتحدة، بمثابة تواصل مع حليفين في حلف شمال الأطلسي، وكلاهما يتمتعان بمهارة عالية في الملاحة القطبية، للحصول على المساعدة في سباق مع روسيا والصين، لتعزيز الوجود في منطقة توقع الخبراء لسنوات أنها ستصبح حيوية للنجاح الاقتصادي والأمن القومي الأميركي.

وأكد الأدميرال البحري داريل كودل، الضابط المسؤول عن قوات الأسطول الأميركي، في تصريحات لـBreaking Defense، أن الشراكة مع كندا وفنلندا في القطب الشمالي فريدة من نوعها، لأن هناك تركيزاً كبيراً من الحلفاء ذوي التفكير المماثل والقدرات العالية.

وأضاف أن ميثاق ICE هو مجرد مثال آخر على كيفية عمل الشراكة مع كندا وفنلندا، كقوة مضاعفة للولايات المتحدة.

ولم يقدم الزعماء الثلاثة خلال قمة الناتو الماضية سوى تفاصيل أولية حول ميثاق ICE، ويعكس الاتفاق مدى الجدية التي تتعامل بها واشنطن وحلفاؤها مع عمليات العبور المستقبلية في أقصى الشمال.

وقال وزير الدفاع الكندي بيل بلير، في يوليو الماضي، قبيل الإعلان عن ميثاق الجليد والهواء، إنه مع تغير المناخ أصبح الوصول إلى القطب الشمالي أكثر سهولة، مضيفاً أن هناك فجوات هائلة في الأمن القومي، وفي الوجود الكندي بالمنطقة.

وأضاف أنه بحلول عام 2050، قد يصبح المحيط المتجمد الشمالي نقطة العبور الرئيسية بين أوروبا وآسيا، لافتاً إلى أنه مع تزايد سهولة الوصول إليه، أصبحت المخاوف الأمنية أكثر أهمية بالنسبة لكندا.

كاسحات الجليد

يصعب الحصول على إحصاء دقيق لعدد كاسحات الجليد الموجودة في العالم، وذلك لأن مصطلح "كاسحة الجليد" أكثر غموضاً من مصطلح "الفرقاطة" أو "الغواصة".

تمتلك الولايات المتحدة العديد من السفن التي يطلق عليها "كاسحات الجليد"، لكن تصريحات البيت الأبيض ليست حاسمة في هذا الشأن.

وتعتبر العشرات من سفن الغاز الطبيعي المسال التي بنتها الصناعة الكورية الجنوبية قادرة على الملاحة القطبية، لكن قدرتها على كسر الجليد تأتي في المرتبة الثانية بعد مهمتها الأساسية، ما يؤدي إلى عدم احتسابها من قبل بعض المصادر. 

ويحتفظ خفر السواحل الأميركي بقاعدة بيانات لكاسحات الجليد في العالم، وقدم إلى Breaking Defense تقريراً يعود تاريخه إلى عام 2020 يوضح هذه السفن.

وعندما يتعلق الأمر بميثاق القطب الشمالي، توجد خمس دول رئيسية: الدول الثلاث الأعضاء في الاتفاقية الثلاثية الجديدة فنلندا وكندا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى روسيا والصين، وهما حكومتان معاديتان للدول الغربية، وكلاهما أبديا اهتماماً كبيراً بحوكمة القطب الشمالي والطرق البحرية الناشئة.

وتتصدر روسيا بسهولة من حيث امتلاك كاسحات جليد، بعدما أعلنت في فبراير حيازة 41 كاسحة جليد من مختلف الفئات، ولدى كندا وفنلندا، العضوين في حلف ICE، نحو 20 و11 كاسحة جليد على الترتيب.

وتمتلك الولايات المتحدة، 12 كاسحة جليد، تسع منها لا تزال في منطقة البحيرات العظمى، ويعتقد أن الصين تمتلك خمس كاسحات جليد على الأقل.

وتشير تلك الأرقام إلى أنه لا توجد هيمنة أميركية عندما يتعلق الأمر بهذا القطاع المتخصص من بناء السفن، وربما تكون الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من الاتفاق الجديد بسبب عمر وحجم أسطولها الحالي.

الطموحات الأميركية

لا تخضع كاسحات الجليد الـ 12 التي تمتلكها الولايات المتحدة لإدارة وزارة الدفاع، بل هي مملوكة لخفر السواحل، وقال كودل إنه على الرغم من أن البحرية الأميركية لا تمتلك سفناً لكسر الجليد، فإنه يتم العمل بشكل وثيق مع خفر السواحل الأميركي وكندا وفنلندا، الذين يمتلكون هذه القدرات في القطب الشمالي.

وأشار إلى أن هذه الشراكات "بالغة الأهمية"، وخاصة في "الشمال العالي"، الذي يشكل خط المواجهة للدفاع البحري عن الولايات المتحدة في القطب الشمالي.

ويمتلك خفر السواحل الأميركي 9 كاسحات جليد متبقية في البحيرات العظمى، وفي حين أن هذه السفن مهمة للحفاظ على تلك المنطقة صالحة للملاحة لكل من القوات المسلحة والتجارة المدنية، فإن هذه السفن غير مناسبة للعبور في القطب الشمالي.

وتعتمد الولايات المتحدة، نظرياً، على ثلاث كاسحات جليد قطبية، ولكن حتى هذا العدد "مضلل"، وفقاً لـ Breaking Defense.

وتقترب السفينتان الثقيلتان Polar Star وPolar Sea، اللتان بُنيتا في سبعينيات القرن العشرين، من نهاية عمرهما الافتراضي، وبسبب مشكلة مكلفة في المحرك حدثت في عام 2010 تم اعتبار Polar Sea في وضع "خدمة غير نشطة"، ما يعني أنها غير عاملة.

السفينة الثالثة هي Healy، وهي كاسحة جليد أحدث وأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية بُنيت في التسعينيات، وتعتبر سفينة من الفئة المتوسطة.

وازدادت الأمور تعقيداً مؤخراً بالنسبة لخفر السواحل الأميركي بعد تعرض سفينة Healy لحريق في يوليو الماضي، ما أجبرها على العودة إلى الميناء في سياتل.

وأكد نائب قائد السفينة كيفين لونداي، أنه مع عودة سفينة Healy إلى مينائها ووصول سفينة Polar Star  إلى حوض جاف في كاليفورنيا لإجراء أعمال الصيانة، أصبحت كاسحات الجليد القطبية الثلاث في الولايات المتحدة معطلة مؤقتاً على الأقل.

وقالت قوات خفر السواحل الأميركي في دراسة أجريت عام 2023 إن مزيجها المثالي من السفن يصل إلى 9 سفن، للوفاء بجميع مهامها في القطب الشمالي والقطب الجنوبي.

ويحتفظ خفر السواحل الأميركي بمبادرتين لتعزيز أسطوله، منفصلتين عن ICE Pact، ويعتبر من أولوياته برنامج Polar Security Cutter، لبناء السفن، الذي يهدف إلى تسليم ما يصل إلى ثلاث سفن من الفئة الثقيلة.

وشهد البرنامج منذ البداية العديد من المشاكل المتعلقة بالتكاليف والجدولة، ولكن أحدث التوقعات تشير إلى أن أول سفينة ستصل إلى المياه في موعد لا يتجاوز عام 2029، بتكلفة من المرجح أن تتجاوز التقديرات الأولية البالغة 1.3 مليار دولار.

أما المبادرة الثانية الأحدث نسبياً فهي طلب أرسله خفر السواحل الأميركي إلى المشرعين في عام 2024؛ يطلب فيه 125 مليون دولار لشراء كاسحة جليد قطبية متاحة تجارياً.

ولم يتضح بعد الدور الذي سيلعبه البنتاجون وخفر السواحل في تنفيذ ميثاق ICE، وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، في تصريحات لـ Breaking Defense، إن الاتفاق الجديد سيكون "مشروعاً حكومياً بالكامل".

وأضاف المسؤول أن خفر السواحل الأميركي، فضلا عن وزارة الأمن الداخلي، وإدارة الملاحة البحرية الأميركية، ووزارة النقل، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع وغيرها، ستلعب أدواراً مهمة، ويتم العمل على تفاصيلها خلال التفاوض على مذكرة التفاهم الثلاثية ومراحل التنفيذ اللاحقة للاتفاقية.

فيما أكدت ريبيكا بينكوس، مديرة المعهد القطبي في مركز ويلسون، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، أن التأثير الأساسي لميثاق ICE في الأمد القريب هو إظهار "الاهتمام رفيع المستوى" الذي يوليه البيت الأبيض للقطب الشمالي، والمصداقية التي يمنحها هذا للجهود الرامية إلى إيجاد حلول إبداعية لمجموعة أوسع من مشاكل بناء السفن.

كفاءة أهل الشمال

تعاونت الولايات المتحدة مع دولتين متفوقتين في بناء كاسحات الجليد، وفي حين أن كل سفينة تابعة لكندا وفنلندا، ليست بالضرورة قادرة على الملاحة في القطب الشمالي، إلا أنها تنم عن كفاءة بناء السفن التي تفتقر إليها العديد من أحواض بناء السفن في الولايات المتحدة.

وذكر خفر السواحل الكندي، الذي يدير كاسحات الجليد في بلاده، أن أسطول كاسحات الجليد يضم 20 سفينة، تتراوح أحجامها من السفن الخفيفة، وحتى السفن ذات الوسائد الهوائية، إلى السفن الثقيلة.

وأكد خفر السواحل الكندي أنه في الوقت الحالي، لا يوجد ما يكفي من أصول كسح الجليد لتكون هناك قدرة على الحفاظ على نوع الوصول الموثوق به إلى شمال كندا، ما أدى إلى التطلع لبناء اثنتين من كاسحات الجليد الحديثة الجديدة.

وتحتفظ كندا حالياً ببرنامجين يهدفان إلى تنشيط أسطول كاسحات الجليد لديها، وتعمل شركتا Seaspan Shipyards  وChantier Davie والمعروفة أيضاً باسم Davie Shipbuilding، بموجب عقد لبناء كاسحة جليد قطبية جديدة لكل منهما، والتي ستكون قادرة على العمل على مدار العام في القطب الشمالي.

وفي وقت سابق من العام الجاري منحت كندا، شركة Chantier Davie عقداً لبدء تصميم ست كاسحات جليد لتحل محل العديد من السفن المتوسطة والثقيلة في أسطول خفر السواحل.

وتختلف سفن البرنامج عن نظيراتها القطبية في أنها ستكون أقل قدرة على كسح الجليد في الشمال، ولكن حجمها وأعدادها سيسمحان لكندا بالحفاظ على وجودها في ممرات سانت لورانس المائية والبحيرات العظمى والمحيطين الأطلسي والهادئ.

وبالإضافة إلى كونها مسؤولة عن معظم كاسحات الجليد الجديدة في كندا، تمتلك شركة Chantier Davie  أيضاً حوض بناء السفن في العاصمة الفنلندية هلسنكي، فيما أعلنت الحكومة الفنلندية أن البلاد تصمم 80% من كاسحات الجليد في العالم، وتصنع 60% منها.

وقال جيسون موير، أحد المشاركين في مركز ويلسون الذي يركز على قضايا الأمن عبر الأطلسي، إن السفن الفنلندية حديثة للغاية. 

ويعتبر أسطول فنلندا من كاسحات الجليد فريد من نوعه مقارنة بالولايات المتحدة وكندا، لأن معظم سفنها الـ11 لا تديرها البحرية أو خفر السواحل في البلاد، بل شركة مملوكة للدولة تدير معظم تلك الكاسحات.

وقال تشارلي سالونيوس باستيرناك، الباحث البارز في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، لموقع  Breaking Defense إن اتفاقية ICE قد تقدم أيضاً فرصة للبنتاجون وخفر السواحل الأميركي للاستفادة من النصائح والحيل الصغيرة التي ابتكرتها دوائر الإبداع الفنلندي على مر السنين.

تطلعات روسيا والصين

عندما قدم البنتاجون استراتيجيته الجديدة بشأن القطب الشمالي في أواخر يوليو الماضي، سلط الضوء بالتفصيل على اهتمام روسيا والصين بتعزيز قدراتهما في القطب الشمالي، فضلاً عن حقيقة أنهما تعتمدان على بعضهما في كثير من الأحيان لتحقيق أهدافهما.

وتتعاون الصين وروسيا بشكل متزايد في القطب الشمالي عبر أدوات متعددة للقوة الوطنية، وفي حين تظل مجالات الخلاف كبيرة بين البلدين، فإن التوافق المتزايد بينهما في المنطقة يثير القلق، وتستمر وزارة الدفاع الأميركية في مراقبة هذا التعاون.

وتسببت عزلة روسيا نتيجة لغزوها الكامل لأوكرانيا في جعلها تعتمد بشكل متزايد على الصين؛ لتمويل البنية الأساسية لتصدير الطاقة في القطب الشمالي.

وتشير بيانات خفر السواحل الأميركي إلى أنه اعتباراً من عام 2020، كان أسطول روسيا يفتقر إلى بضع سفن فقط من ادعاء موسكو الأخير بامتلاك 41 سفينة، مع وجود العديد من السفن قيد الإنشاء.

وقال سالونيوس باسترناك، إن قدرة روسيا على كسح الجليد كبيرة، لافتاً إلى أن لدى موسكو أسباب عدة لجعلها تستمر في التفوق بمجال كسح الجليد.

وقد تسمح البنية التحتية البحرية لروسيا بفرض مطالبات بحرية مفرطة وغير قانونية؛ على طول طريق البحر الشمالي بين مضيق بيرينج ومضيق كارا.

وتزعم روسيا بأن لها حق في تنظيم مياه القطب الشمالي على طول طريق البحر الشمالي، بما يتجاوز السلطة المسموح بها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

في حين أن موقع روسيا الجغرافي وعضويتها في مجلس القطب الشمالي يمنحها اهتماماً صريحاً وجوهرياً بالشمال القطبي، تشكل طموحات الصين وبناء السفن كاسحة الجليد قضية "أكثر تعقيداً" بالنسبة للولايات المتحدة.

الصين.. كاسحة جليد بالطاقة النووية

وادعت الصين في عام 2017، أنها دولة قريبة من القطب الشمالي، ومنذ ذلك الحين سعت إلى إدراج نفسها في حوكمة منطقة الشمال، وتدير ما لا يقل عن 5 كاسحات جليد، ليست كلها قادرة على الملاحة القطبية.

وأعلنت بكين، في وقت سابق، أنها تعمل على تطوير كاسحة جليد تعمل بالطاقة النووية، لكن التفاصيل المتاحة للجمهور بشأن هذه السفينة لا تزال نادرة، ويجعل الغموض الذي يحيط بالبلاد من الصعب تتبع سفنها بالتفصيل، حتى بالنسبة للمراقبين المخضرمين.

وقالت إليزابيث بوكانان، زميلة بارزة في المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، لموقع Breaking Defense، إن حصة الصين المعلنة في القطب الشمالي تنبع من اعتماد اقتصادها وأمنها على القدرة في تأمين خطوط الاتصالات البحرية غير المقيدة، والسيطرة على التجارة العالمية.

وأضافت أن طريق البحر الشمالي الناشئ، والذي تعززه الشراكة مع روسيا في الشرق الأقصى وشمال المحيط الهادئ وطريق البحر الشمالي الروسي، يربط بكين بأوروبا بطريقة أكثر كفاءة.

وأكدت أن الولايات المتحدة لكي تضمن مصالحها في القطب الشمالي، يتعين عليها أن تستثمر في القدرات اللازمة "لردع السلوك الصيني الطموح"، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، كاسحات الجليد، لافتة إلى أنه من الممكن أن يوفر ميثاق ICE أحد السبل لتحقيق ذلك.

تصنيفات

قصص قد تهمك