
وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أوروبا هذا الأسبوع بصورة جديدة ومختلفة تماماً عن تلك التي رسمها سلفه دونالد ترمب. لكن رغم ذلك هناك قضية كبرى واحدة يتوافق بشأنها الرجلان، وهي بحسب تقرير لمجلة "بوليتيكو"، التحدي الذي تمثله الصين.
خلال اجتماعات الأيام المقبلة، سيواجه بايدن عملية صعبة لإقناع أوروبا بالانضمام إلى جبهة موحدة ضد الصين، حيث لا تزال الدول الأوروبية البارزة مُتشككة ومترددة في الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه المواجهة الصعبة.
وعلى وجه الخصوص، سيتعين على بايدن إيجاد التوازن الصحيح مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتمثل نهجه الدبلوماسي الرئيسي في أن تصوغ أوروبا سياستها تجاه الصين بروح "الحكم الذاتي الاستراتيجي"، بدلاً من اتباع قيادة واشنطن.
ليست باريس فحسب التي قد يواجه بايدن صعوبة في إقناعها بموقف موحد تجاه بكين. هناك ألمانيا أيضاً، حيث لا تهتم المستشارة المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل بانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في الصين بقدر اهتمامها بزيادة مبيعات السيارات على أراضي العملاق الآسيوي الذي تعتبره واشنطن أكبر منافس لها من الناحية الجيوسياسية.
ابتسامات كثيرة
المجلة الأميركية نقلت عن دبلوماسي كبير بالاتحاد الأوروبي، قوله إن التكتل يتفق مع الولايات المتحدة بشأن مخاوف مُعينة نابعة من صعود الصين لتصبح قوة عالمية. وأضاف "لكن الصين هي مصدر قلق لواشنطن أكثر من برلين أو باريس. فعلى أي حال، الاقتصاد الأميركي هو الذي سيتفوق عليه الاقتصاد الصيني".
ويرى الدبلوماسي الأوروبي أن بايدن سيلقى الكثير من الابتسامات خلال جولته الحالية، لأنه لم يعد عصر ترمب الذي كان يتعامل مع حلفائه وفق مبدأ "إذا لم تستمع فأنت عدو". لافتاً إلى أن المؤشرات إيجابية، حتى الآن، إلى حد كبير أمام الرئيس الأميركي، لكن "مجرد الاستماع لا يعني بالضرورة الموافقة".
وفي حين أن الصين هي قضية رئيسية على جدول الأعمال عبر الأطلسي، فإن الاتحاد الأوروبي لا يخجل من إعلان الاختلافات بينه وبين الولايات المتحدة حول كيفية مواجهة التحدي.
وتقول المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي يتفق مع الولايات المتحدة، باعتبارهما مُجتمعين ديمقراطيين صاحبي اقتصادات منفتحة على السوق، على التحدي الاستراتيجي الذي تمثله الصين، وذلك قبل أن تضيف المفوضية "حتى لو لم نتفق دائماً على أفضل طريقة لمعالجة هذا الأمر".
وقال تشارلز كوبتشان، الذي شغل منصب مدير أول للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما "في نهاية المطاف، ستكون الصين غير مريحة، وذلك لأن الصينيين لا يحبون أي انتقاد من أي نوع أو أي شعور بأن الديمقراطيات في العالم تتجمع ضدها".
"الصين المحبوبة"
ربما تشعر بكين بأن العمل الجماعي الذي يدفع به بايدن، يسير على نحو جيد. ففي خطاب غير عادي للغاية في وقت سابق هذا الشهر، دعا الرئيس شي جين بينغ الصين إلى أن تكون "محبوبة" أكثر و"توسع دائرة الأصدقاء".
وبينما يحاول الدبلوماسيون على جانبي الأطلسي إيجاد الأرضية المشتركة وتوسيعها، يبقى السؤال، كما تشير "بوليتيكو": ما مدى عدم ارتياح الولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق بالتوافق على التعامل مع الصين؟
ووسط هيمنة الصين على تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات الاتصالات (5G)، ووفرة التوسع التجاري العالمي المدعوم من الحكومة، من المتوقع أن يكشف بايدن النقاب عن مجلس للتجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أثناء وجوده في بروكسل.
ووفقاً لمسؤول في الاتحاد الأوروبي، سيتم استخدام المجلس كمنصة تشغيلية" لوضع سياسات حول أشباه الموصلات، وتكنولوجيا الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، من أجل إضعاف طموح بكين في القيادة العالمية.
وهناك مخاوف أخرى تنبع من مساعي بكين لإنشاء بنية تحتية حيوية في جميع أنحاء العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق. وخلال قمة مجموعة السبع في المملكة المتحدة، من المتوقع أن يعلن بايدن وماكرون وميركل وقادة العالم الآخرون ،ما أسماه بايدن بديلاً "عالي الجودة" للمبادرة الصينية، وهي خطة بمليارات الدولارات لبناء البنية التحتية في العالم النامي.
تحالفات أوثق
بايدن كشف عن بعض خططه خلال عطلة نهاية الأسبوع عبر مقال نُشر في صحيفة "واشنطن بوست"، حيث وصف الغرض العام من رحلته بأنه "يتعلق بإدراك التزام أميركا المتجدد تجاه حلفائنا وشركائنا، وإظهار قدرة الديمقراطيات على مواجهة التحديات وردع تهديدات هذا العصر الجديد ".
وقال الرئيس الأميركي إن "هذا الهدف يتطلب الاستثمار في البنية التحتية. وأضاف "ستقدم الديمقراطيات الكبرى في العالم بديلاً عالي المستوى للصين من أجل ترقية البنية التحتية المادية والرقمية والصحية، لتكون أكثر مرونة وتدعم التنمية العالمية".
وبعد 4 سنوات من سياسات مناهضة للاتحاد الأوروبي في البيت الأبيض (خلال عهد ترمب)، سعت إدارة بايدن بنشاط إلى تحقيق تحالف أوثق مع أوروبا من أجل مواجهة الصين، بينما كان المسؤولون يحاولون تهدئة الدول الأوروبية التي تشعر بالقلق من الاضطرار إلى الاختيار بين واشنطن وبكين.
وفي مارس الماضي، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين خلال رحلة إلى بروكسل أن الولايات المتحدة لن تُجبر حلفاءها على خيار "نحن أو هم" فيما يتعلق بالصين.
وأجرت نائبة بلينكن، ويندي شيرمان، أول حوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الصين مع نظيرتها في بروكسل الشهر الماضي. وقالت شيرمان "لن تتوافق اهتماماتنا دائماً بشكل مثالي، ولكن لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع بعضنا البعض".
تنافس على ود أوروبا
مسؤولو الاتحاد الأوروبي يشعرون بسعادة أكبر في ظل تحول إدارة بايدن من مواجهة ترمب الشاملة مع بكين إلى نهج متعدد الجوانب، يشمل المنافسة والتعاون، مستشهدين بزيارة مبعوث شؤون المناخ الأميركي جون كيري إلى الصين كبادرة إيجابية.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي "حتى الآن، الإشارات من الولايات المتحدة تمضي في الاتجاه الصحيح.. ستكون زيارة بايدن فرصة لنا لمعرفة ما إذا كان الأميركيون يترجمون أقوالهم إلى أفعال، للتشاور معنا حول كيفية المضي قدماً تجاه الصين، وليس مجرد مطالبتنا بالسير في طريقهم".
وما يبدو أنه قد يجعل مهمة بايدن أسهل، قرار البرلمان الأوروبي تجميد عملية التصديق على صفقة استثمار ضخمة مع الصين، في وقت رفضت بكين سحب العقوبات المفروضة على برلمانيين ودبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، تحرص بكين على الوصول إلى أوروبا لأنها تتوقع منافسة طويلة الأمد من الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي فقط، استضافت الصين 3 زيارات من وزراء خارجية (أيرلندا والمجر وبولندا)، بينما عقد شي جين بينغ، ورئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ سلسلة محادثات مع ميركل وماكرون.
وفي الواقع، تواصلت فرنسا وألمانيا مع الصين لعقد جلسة ثلاثية بشأن تغير المناخ قبل أيام قليلة من استضافة البيت الأبيض لقمة لزعماء العالم حول الموضوع نفسه.
القرار لألمانيا وفرنسا
في سياق الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة، تُعد ألمانيا وفرنسا أكثر اللاعبين تأثيراً في دفع العلاقات مع الصين.
وقالت جانكا أورتيل، مديرة برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "بايدن بحاجة إلى مشاركة أوروبا في تنفيذ أجندته الاقتصادية فيما يتعلق بالصين، ولكن الأمر يرتبط حقاً ببرلين وباريس لفهم أن الأمر أكثر بكثير من مجرد مستقبل العلاقات عبر الأطلسي، بل بمستقبل أمن وازدهار أوروبا عندما يتعلق بالتصدي للتحديات التي تطرحها الصين".
ومن المرجح أن تواصل أوروبا مناقشة ما إذا كان أفضل طريق للمضي قدماً هو تشكيل جبهة موحدة مع أميركا، لكن فرنسا تقف في طليعة الجهود المشككة في ذلك.
وفي حدث استضافه المجلس الأطلسي هذا الأسبوع، قال جيرار أرو، السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة "لا يريد الأوروبيون أن يصبحوا في موقف يجبرهم على اختيار معسكرهم. بالطبع نحن أقرب بكثير إلى الولايات المتحدة من الصين، لكننا لا نريد أن نكون منحازين".
وبينما يستعد الألمان للذهاب إلى صناديق الاقتراع في سبتمبر المقبل، بعد 16 عاماً من حكم ميركل، قال أويرتيل إن برلين قد تكون مستعدة لاتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن الصين، بعد الصيف.
فرصة لإثبات الذات
قالت جانكا أورتيل، مديرة برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "لن يتغير موقف ميركل بشأن الصين في الأشهر المتبقية لها كمستشارة، لذلك سيكون من المهم لإدارة بايدن أن تفكر فيما يتجاوز الوضع الحالي وأن تتحلى ببعض الصبر الاستراتيجي.
لكن بنيامين حداد، مدير مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي، بدا أكثر تفاؤلاً. جيث اعتبر أن رفض البرلمان الأوروبي لاتفاقية الاستثمار الصينية يظهر مدى سرعة تحول المزاج في أوروبا. وقال "أعتقد أن هناك زخماً جيداً لبناء تقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الصين".
وأضاف حداد "من الملح العمل على إرسال لقاحات إلى بقية العالم لصد الجهود الصينية في هذا المجال".
وليس هناك شك في أن صياغة اتفاقات فعلية ودائمة حتى بين الحلفاء، ستستغرق وقتاً أطول من الأيام القليلة المقبلة. ولكن في هذه المرحلة من رئاسة بايدن، يمكن أن يتردد صدى حتى التحركات الرمزية، وهذا يشمل قيامه بجعل أوروبا وجهة رحلته الخارجية الأولى.
وكتب بايدن في واشنطن بوست: "هل ستثبت التحالفات والمؤسسات الديمقراطية التي شكلت الكثير من القرن الماضي، قدرتها على مواجهة التهديدات والأعداء في العصر الحديث؟ أعتقد أن الإجابه نعم. وهذا الأسبوع في أوروبا، لدينا فرصة لإثبات ذلك".