كفيف يستعيد بصره جزئياً في تجربة لعلاج جيني جديد

time reading iconدقائق القراءة - 9
العلاج الجيني البصري نهج يعتمد على إحداث طفرات في مجموعة من الخلايا العصبية بهدف استعادة الوظيفة البصرية - Toronto Star via Getty Images
العلاج الجيني البصري نهج يعتمد على إحداث طفرات في مجموعة من الخلايا العصبية بهدف استعادة الوظيفة البصرية - Toronto Star via Getty Images
القاهرة -محمد منصور

نجح باحثون في إعادة البصر جزئياً لمريض كفيف، عقب خضوعه لعلاج جيني جديد قد يُمثل ثورة مستقبلية في علاج أمراض العين المستعصية.

وبحسب دراسة حالة نُشرت نتائجها في دورية "نيتشر: ميديسن"، فقد تمكن الباحثون من استخدام علم البصريات الوراثي، لحث مجموعة من الخلايا العصبية المستقلة والمسؤولة عن الطفرات المُسببة لمرض التهاب الشبكية الصباغي، وهو مرض تنكسي عصبي يصيب العين ويؤدي لفقدان المستقبلات الضوئية، ما يُسبب العمى التام.

ولا يوجد علاج مُصرح به لمرض التهاب الشبكية الصباغي حتى الآن.

أسلوب جديد

والعلاج الجيني البصري هو نهج مستقل يعتمد على إحداث طفرات في مجموعة من الخلايا العصبية بهدف استعادة الوظيفة البصرية في المراحل المتأخرة من فقدان الرؤية.

في تلك الدراسة، قام الباحثون بعلاج مريض شُخصت حالته بالتهاب الشبكية الصباغي قبل 40 عاماً تقريباً.

الأستاذ بقسم وجراحة العيون بكلية الطب جامعة بيتسبرغ بولاوية بنسلفانيا الأميركية، والأستاذ في جامعة السوربون، جوزية آلان ساهيل، وهو مؤلف مشارك في تلك الدراسة، قال إن الفريق استخدم "أسلوباً جديداً نسبياً وقوياً للتحكم، من أساليب علم البصريات الجزيئي، لتحسين رؤية المريض الكفيف".

ويُشير "ساهيل" في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام علم البصريات الوراثي لتوفير تحسين وظيفي لدى الأشخاص.

وحقن الباحثون الجسم الزجاجي بإحدى عيني المريض البالغ من العمر 58 عاماً، بناقل فيروسي غُدى يعمل على ترميز المُستشعر الجيني البصري ChrimsonR، وذلك بالاقتران مع الاستثارة الضوئية عبر نظَّارة صمِّمت خصيصاً لهذا الغرض. 

نواقل فيروسية

والنواقل الفيروسية الغدية هي عائلة من الفيروسات صغيرة الحجم تمتلك جينوماً أحادي السلسلة، ويُمكن أن تحمل عليها بروتينات تُنشط أو تُثبط أي مسار جيني يساهم في أيّ نوع من أنواع الأمراض الجينية.

في حالة ذلك المريض، استخدم الباحثون ذلك الناقل لتعديل وظيفة المستشعر الجيني CHRIMSONR، والذي يُعد بوابة يُمكن استخدامها لتفعيل الخلايا العصبية المتضررة جراء الإصابة بمرض التهاب الشبكية الصباغي.

ولأن مرض الشبكية الصباغي هو اضطراب وراثي نادر يتسبب في فقدان لا رجعة فيه لخلايا استشعار الضوء في شبكية العين، لدرجة يصبح من المستحيل إصلاح الضرر الذي لحق بالخلايا الحساسة للضوء، إذ "يصبح الشخص المصاب أعمى تماماً" بحسب ساهيل، الذي يقول إن "علم البصريات الوراثي استطاع الالتفاف على هذه المشكلة تماماً، فبدلاً من إصلاح خلايا استشعار الضوء والمخاريط في شبكية العين، نقوم بتحفيز الخلايا العصبية التي تجمع الإشارات من شبكية العين وتحمل المعلومات إلى الدماغ عبر العصب البصري، حيث يتم معالجته في الإدراك البصري".

وارتدى المريض نظارة واقية مُحفزة للضوء. تقوم تلك النظارة المزودة بأجهزة استشعار خاصة تكشف التغيرات في كثافة الأشياء المحيطة، بالتقاط صور أحادية اللون وعرضها على مستشعر آخر يقوم بتحويلها إلى نبضات ضوئية، بطول موجي يبلغ 595 نانومتر، ويتم إسقاطها على شبكية العين لتنشيط الخلايا المسؤولة عن الرؤية.

وكان الباحثون قد اختبروا النظارات الواقية المحفزة للضوء على المريض ثلاث مرات قبل حقن النواقل، ولم يبلغ المريض عن أي تغيير في الرؤية أو استشعار الضوء في أي من هذه المناسبات. 

وبعد أربعة أشهر ونصف من حقن النواقل الفيروسية، بدأ المريض التدريب البصري المنتظم باستخدام النظارات الواقية المحفزة للضوء، وبعد سبعة أشهر من بدء التدريب البصري، بدأ المريض في الإبلاغ عن علامات التحسن البصري عند استخدام النظارات الواقية.

وبعد 84 أسبوعاً من الاختبار، تعافى المريض بشكل جزئي، واكتسب حدة بصرية تجعله قادراً على استشعار الضوء. وأجرى الباحثون تقييماً مستقلاً للعين بواسطة التصوير المقطعي، وتبين وجود استجابة كبيرة في الخلايا العصبية الضوئية تنبئ بنجاح التجربة.

اختبارات نفسية

وبعد عدة أشهر من حقن عين المريض ببنية وراثية تشفر البروتين الحساس للضوء CrimsonR، "بدأ المريض في الإبلاغ تلقائياً عن علامات تحسن الرؤية"، فيما أشار ساهيل إلى أن الفريق لاحظ في البداية أنه يمكنه رؤية الخطوط البيضاء لعبور المشاة على الطريق "بشكل مثير أثناء الاختبار في المختبر كان المريض قادراً على إدراك وتحديد موقع وعد الأشياء المختلفة الموضوعة على طاولة أمامه، ولكن فقط عند ارتداء نظارات خاصة تنشط بروتين استشعار الضوء في عين المريض.

فقد قام الباحثون بتحليل التحسن البصري تحت 3 ظروف من خلال ثلاث اختبارات نفسية فيزيائية. 

كان الظرف الأول في وضع تكون فيه كلتا العينين مفتوحتين بدون النظارات الواقية المحفزة للضوء. أما الظرف الثاني فكان في وضع تم تغطية العين غير المعالجة وبقيت العين المُعالجة مفتوحة دون نظارات واقية، وفي الثالث طلب الباحثون من المريض تغطية العين غير المعالجة وفتح العين المعالجة وارتداء النظارات الواقية.

وقام الباحثون بوضع أشياء على طاولة بيضاء تقع على بعد 60 سنتيمتراً من عين المريض. 

ولم يتمكن المريض من رؤية الأشياء في الظرف الأول على الإطلاق، لكنه تمكن من رؤية أحد الأشياء الموضوعة الأكبر حجماً في الظرف الثاني، كما تمكن من رؤية كل الأشياء في الظرف الثالث.

وقام الباحثون بإعادة الاختبار مرتين، حيث حقق المريض نفس النتيجة، حتى حين قام الباحثون بإبعاد الأشياء مسافة 20 سنتيمتراً إضافياً.

الأعراض الجانبية

وراقب الباحثون الأعراض الجانبية للتجربة، وقالوا إنها تقتصر على التهاب داخل قزحية العين، يتفق مع نسب الالتهاب المسموح بها في الإرشادات الدولية.

ولم تحدث تغييرات في تشريح شبكية العين، ولا توجد أحداث سلبية للعين خلال فترة المتابعة، كما تشير النتائج إلى أن العين المعالجة احتفظت بقدرتها على إدراك الضوء خلال 84 أسبوعاً من الاختبار.

وتُعد تلك الدراسة أول دليل على أن حقن ناقل فيروسي بهدف العلاج الجيني جنباً إلى جنب مع ارتداء النظارات المحفزة للضوء، يمكن أن يعيد جزئياً الوظيفة البصرية لمريض كفيف بسبب الإصابة بالتهاب الشبكية الصباغي.

وتشير نتائج الاختبارات الثلاثة البصرية والحركية المرئية إلى أن تحفيز الشبكية البصري الوراثي حسن من الإدراك البصري. علاوة على ذلك كانت العملية البصرية المؤدية إلى الإدراك فعالة بما يكفي لتمكين المريض من التوجه نحو الأشياء الموضوعة وأداء المهمة الحركية المرئية للوصول إليه. 

اختبارات إضافية 

وأكدت تسجيلات مخطط كهربية الدماغ (EEG) أن نشاط الشبكية الناجم عن التحفيز البصري الوراثي لشبكية العين انتشر إلى القشرة البصرية الأولية ونظم نشاطها. هذا النشاط القشري أتاح نقل معلومات كافية للسماح برؤية الأشياء الموضوعة على الطاولة.

ويمكن أن يكون علم البصريات الوراثي أداة قوية لعلاج الأمراض الوراثية في شبكية العين التي تسبب فقدان خلايا استشعار الضوء، ولكنها تترك المكونات الأخرى لمسار الرؤية سليمة، لكن "لا يمكن استخدامها لعلاج أمراض العيون غير الوراثية كالجلوكوما"، التي تُعد واحدة من أمراض العين الأكثر شيوعاً، فالجلوكوما على سبيل المثال حالة تسبب تلف العصب البصري.

"في دراستنا كان العصب البصري للمريض سليماً ويعمل، لكنه لم يكن يستقبل الإشارات من شبكية العين"، بحسب وصف ساهيل.

لكن الباحثين يؤكدون أن تلك الطريقة لا تزال بعيدة عن استخدامها لعلاج المرضى على نطاق واسع، وفي هذا الشأن يشير ساهيل في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن جائحة كورونا لم تُمكنهم من تسجيل المزيد من الأشخاص في التجربة والتدريب، وهي خطوة مهمة للغاية في عملية الحصول على الموافقة التنظيمية لاستخدام هذه التكنولوجيا في المرضى على نطاق أوسع "بمجرد رفع القيود بسبب الجائحة نخطط لبدء اختبار هذه التكنولوجيا في المزيد من الأشخاص في باريس ولندن وبيتسبرغ".

تكاليف غير معروفة

ويقول البروفيسور ورئيس معهد طب العيون الجزيئي والسريري ببازل، بوتوند روسكا، وهو مؤلف مشارك في تلك الدراسة، إن البحث بدأ قبل 13 عاماً كاملة بهدف المساعدة في علاج المرضى المُصابين بتدهور في المستقبلات الضوئية. 

ويشير روسكا، إلى أنه لا يعرف كم سيكلف ذلك النوع من العلاج مستقبلاً، مؤكداً أن هناك تقدماً كبيراً في العلاج الجيني لشبكية العين "ونأمل في السنوات القادمة أن تصل المزيد والمزيد من العلاجات إلى المرضى الذين يعانون من أمراض بصرية".