الصينيون أمام مأزق خروج الحيوانات البرية من قوائم الطعام

time reading iconدقائق القراءة - 11
 بائعة ترتدي قناع وجه خلال عملها في كشكها في سوق في ووهان بمقاطعة هوبي بوسط الصين في 21 مايو 2020 - AFP
بائعة ترتدي قناع وجه خلال عملها في كشكها في سوق في ووهان بمقاطعة هوبي بوسط الصين في 21 مايو 2020 - AFP
بالشراكة مع "نيويورك تايمز"-ستفن لي مايرز

أخرجت جرذان الخيرزان ماو زوكين من براثن الفقر. ولكن اليوم، ومع انتشار وباء كورونا، يعود الفقر ليطرق بابه.

بنى ماو في خلال السنوات الخمس المنصرمة مزرعةً في جنوب الصين، وفيها 1100 جرذ خيزران، وهو من أصناف القوارض التي يُمكن تناولها، وتعتبر من أفخر منتجات المنطقة. وفي شهر فبراير، علّقت حكومة الصين مبيعات واستهلاك منتجات الحياة البريّة التي تربّى في المزارع أو يتم اصطيادها، ما أدّى إلى وقف العمل بتجارةٍ يؤخذ عليها على أنّها مصدر جائحة كورونا. 

ولكن ما زال ماو مجبراً على إطعام جرذانه، ويستحيل عليه أن يغطي حجم التكاليف أو الاستثمار.

مأزق لملايين التجار

لاقى قرار الصين وقف التجارة بالحيوانات البريّة تأييداً على نطاقٍ واسع، ولكنّ هذه الخطوة وضعت الملايين من التجّار على غرار ماو في مأزقٍ. فمصيره الاقتصادي ناهيك عن الثغرات الكثيرة في القيود التي تفرضها الحكومة، يهددان بتقويض وعد الصين بفرض حظرٍ دائمٍ على هذه التجارة.

علّق البرلمان الصيني، "مؤتمر الشعب الوطني"، جلسته السنوية في خلال الشهر المنصرم، دون أن يعتمد قوانين جديدة من شأنها أن تضع حدّاً لهذه التجارة. وعوضاً عن ذلك، أصدر توجيهات لدراسة وجهة إنفاذ القواعد الحاليّة، فيما يجري العمل على صياغة التشريعات، وهي عمليّة قد تستغرق سنةً أو أكثر. 

يُؤجج التأخير المخاوف من تكرر تجربة جائحة "سارس" (SARS) التي اندلعت عام 2003، يوم حظرت الصين بيع زباد النخيل، وهو الحيوان الذي اقترن اسمه بالجائحة، قبل أن تعود لتسقط المرسوم بعد أشهرٍ من بلوغ الأزمة ذروتها.

ويرى بيتر ج. لي، وهو أستاذ مساعد في جامعة "هيوستون دوانتاون" ومستشار في السياسة الصينيّة لمؤسسة الشؤون الإنسانيّة الدوليّة، أن هذا التدبير "لا يلقى أي زخمٍ مؤيّدٍ". 

كفاح لتقاليد راسخة

وبينما تسعى الحكومة الصينيّة إلى تقييد تجارة الحيوانات البريّة، فهي تكافح تقاليد ثقافيّة راسخة في المجتمع، وفي أدبيّات قديمة تنوّه بالمنافع الطبيّة لتناول حيوانات مثل الدببة والنمور ووحيد القرن. 

وتفشت الجائحة من سوقٍ في ووهان، حيث بيعت الحيوانات من الأقفاص، وتمّ ذبحها على الفور في ظروفٍ أقلّ ما يُقال فيها إنّها غير صحيّة، نظراً للقيمة الممنوحة لتناول الحيوانات طازجة. 

وفي الوقت الذي نادراً ما تطرح فيه علناً علامة استفهام بشأن توجيهات قيادة الحزب الشيوعي، أدّى الحظر الدائم، إلى تعبئة وتجييش اصطفافات كثيرة ضدّ القرار. وهذا دليل على وجود جدل داخلي بهذا الشأن. 

وكان عدد من المدن قد امتثل في الأسبوع المنصرم، لقرار حظر صيد وبيع الحيوانات البريّة. وكانت ووهان قد أعلنت بدورها عن حظرٍ لمدّة خمس سنوات. وفي مدنٍ ريفيّةٍ مثل مدينة ماو، طالب المسؤولون بإعفاء بعض الأصناف لتلبية الهدف الذي وضعه الزعيم الصيني شي جين بينغ لاستئصال الفقر المدقع هذا العام. 

مطالب بضم جرذ الخيزران

أمّا وزارة الزراعة، فنزعت الأسبوع الماضي الكلاب عن اللائحة البيضاء لقطيع الحيوانات الداجنة الموافق عليه، وهذا "انتصار" لمن شنّ حملة ضدّ تقليد تناول لحوم الكلاب. ولكنّها أضافت صنفين كانا يُعتبران بريّان وهما طائر الإمو، والبطّ المسكوفي، وأجازت بيعهما. 

ولكنّ الوزارة لم تضف جرذ الخيزران على الرغم من نداءات ومطالبات مزارعين من منطقة ماو واسمها غوانغزي. والجرذان خاضعة للائحة حكوميّة منفصلة تضمّ 54 حيواناً بريّاً يُمكن اصطيادها وبيعها واستهلاكها، ما يعكس طيفاً من القوانين المتداخلة التي ترعى التجارة. 

ويقول بي سو الذي يرأس "المنظمة الدوليّة لحقوق الحيوانات في آسيا" ACTAsia: "من المؤسف أن تكون الصين قد فوّتت عليها هذه الفرصة لتولّي زمام المبادرة، وتكون مثالاً للعالم من خلال سنّ قانونٍ تقدمي يحول دون وقوع جائحات مستقبليّة".

استثناءات

وسبق للحكومة أن منحت استثناءات لاستعمال الحيوانات البريّة وفرائها، في الطبّ الصيني التقليدي، والذي روّجت له سلطات الحزب الشيوعي، على غرار استخدام مرارة الدببة كعلاجٍ لفيروس كورونا. 

وولّدت الاستثناءات ثغرات يُمكن أن تفتح المجال أمام إتجارٍ غير مشروعٍ باللحوم. ومن الاستثناءات ما يشمل حيوان "أم قرفة" وهو حيوان مهدد بالانقراض تمّ التعرّف إليه على أنّه حامل محتمل للفيروس. يتعرّض لحمه للاتجار غير المشروع، وهو يُعتدّ به على اعتباره مصدر للرجولة، في حين يُعتبر من القانوني شراء الأدوية المصنوعة من حراشفه. 

يعرض متجرٌ على بضع خطواتٍ من ساحة تيانانمن، حراشف حيوان أم قرفة، ويسوّق لها على أنّها واحدة من المكوّنات الثمانية والعشرين في كبسولة تطلق عليها تسمية "غويلينجي"، والتي تعتبرها الشركة خير علاجٍ للعجز الجنسي والتعب وفقدان الذاكرة، من باب التعداد لا الحصر. ومن المكوّنات الأخرى قرون الغزلان وفرس البحر ودماغ عصفور الدوري. 

يوم الجمعة أعلنت الحكومة، أنّها ستخضع "أم قرفة" لأقصى درجات الحماية المفروضة على الأصناف المهددة بالانقراض، ولكن لم يتطرّق البيان إلى استخدامها في الطبّ التقليدي. 

حملات ضد تجارة الحيوانات البريّة

عندما تفشّى وباء كورونا في ووهان، تحرّك الصينيّون على الفور ضدّ تجارة الحيوانات البريّة أقلّه في المرحلة الأولى، ما عزز آمال الذين لطالما شنوّا حملة في وجه استغلال الحيوانات. 

سجّلت المجموعة الأولى من الحالات في سوق بيع المأكولات البحريّة في هوانان، حيث هناك مجموعة من المتاجر والمنصّات التي تضمّ عدداً من الباعة الذين يبيعون الحيوانات الحيّة. أغلقت السوق في 1 يناير، حتّى قبل أن يعترف المسؤولون بحدّة الوباء. 

وفي وقتٍ لاحقٍ، أفاد مركز الصين لإدارة الأمراض، بأنّه وجد فيروس "كورونا" في عيّنات بيئيّة أخذت من هذا الجزء من السوق. وحتّى الساعة لم يربط المسؤولون وباء كورونا بأي حيوانٍ محدد، مع ترجيحات بأن يكون الخفاش هو المصدر، كما حصل مع جائحة "سارس" والتي انتقلت إلى ثدييات أخرى ومنها إلى البشر. 

ورصد زونغ نانشان، عالم صيني مرموق مشارك في مكافحة الجائحة، وسيطيَن آخرين، وهما حيوان الغرير وجرذان الخيزران، وكلاهما كان معروضاً للبيع في ووهان. 

وفي نهاية يناير، أمرت الحكومة الوطنيّة الأسواق بالتوقف عن بيع الحيوانات الحيّة، باستثناء السمك والسلطعون وغيرها من المأكولات البحريّة. وبعد شهرٍ، ومع ارتفاع معدلات الوفيات، أعلنت الحكومة أنّها ستعلّق تجارة جميع الحيوانات البريّة المتوحشة.

وكان الرئيس الصيني بدوره قد دعا إلى إنهاء التقليد، قائلاً في فبراير: "لطالما أدركنا مخاطر تناول حيوانات بريّة، ولكنّ هذه الصناعة لا تزال كبيرة الحجم، وتمثّل خطراً شديداً على الصحّة". 

وعكست ملاحظاته ردّ فعلٍ عنيفٍ في الصين باتجاه الإسراف في تناول الحيوانات البريّة لأسبابٍ تتجاوز المقام أو المنافع الطبيّة غير المثبتة.

تغيّر المواقف الاجتماعية

بحسب أيلي كانغ، مديرة "برنامج الصين لهيئة المحافظة على الحيوانات البريّة"، فإنّ المواقف الاجتماعيّة قد تغيّرت بشكلٍ جذريٍ منذ جائحة "SARS"، حين كان النمو الاقتصادي العائلي يُعزز العرض والطلب على الحيوانات البريّة من جميع الأصناف. وقالت إن "الجميع يتحدث اليوم عن الحضارة البيئيّة". 

لفتت كانغ إلى أنّ التقرير الذي قدّمه لي كيكانغ لمؤتمر الشعب الوطني، كان أوّل من تطرّق إلى الاتجار غير المشروع في الحيوانات البريّة. وقالت "أنا متفائلة حيال التقدّم". 

وكان مسؤولون صينيّون ووسائل إعلام تابعة للدولة، أشادوا بالحظر الدائم الذي قررت الحكومة فرضه، ولكنّ هذا التدبير سيكون مجرّد تعليقٍ للاتجار حتى يتمكّن المسؤولون من مراجعة القوانين ذات الصلة. ووعد التقرير بنهاية "الاتجار غير المشروع واستهلاك الحيوانات البريّة" من دون الدخول في تفاصيل الخطوات التي ستتخذ من أجل تنظيم التدابير القانونيّة. 

وكان الرئيس الصيني بدوره قد رصد بعض التحديات في ترجمة تعهدات الحكومة على أرض الواقع. وهو أشار إلى الثغرات في إنفاذ القوانين مرعيّة الإجراء، ناهيك عن تراجع معايير الصحّة العامة والاتجار غير المشروع في الحيوانات والنمو الاقتصادي الذي حملته التجارة القانونيّة. 

أصبحت تربية الحيوانات البريّة تجارةً كبيرةً بقيمة 8 مليار دولار أميركي بحسب أرقام تقديريّة لعام 2017. أمّا العثور على وظائف بديلة وعلى فرصة عمل بديلة، فسيكون صعباً سيّما في ظلّ الجائحة.

الحكومة تشجع على تربية جرذان الخيزران

في مدينة كوانغزي الواقعة على حدود فيتنام حيث يعيش ماو، نمت مزارع جرذان الخيزران خلال العقدين المنصرمين، وشجّعت عليها الحكومة كسبيلٍ لإخراج المزارعين من الفقر. وبحسب ليو كيجون، وهو باحثٌ لدى "معهد بحوث تربية الحيوانات" في المنطقة، يقوم 100 ألف شخص بتربية 18 مليون من جرذ خيزران في المنطقة.

ماو أعزب وهو يعيش مع أمّه المريضة، وقال إنّه كان يجني ما يُعادل 700 دولار أميركي في العام من زراعة الفول السوداني والذرة، ولكنّه انتقل لتربية جرذان الخيزران في العام 2015. بدأ مع 100 جرذ، وسرعان ما وسّع استثماره. ومع بلوغ عدد الجرذان 1100 اليوم، بات يجني أكثر من 14 ألف دولار أميركي في السنة وهذا المدخول تعرّض فجأةً للخطر. 

ويقول في اتصالٍ هاتفي من قريته في مقاطعة بينغل: "استثمرت مبلغاً طائلاً، ولا أجرؤ على الاستسلام. أشعر بأن لا حول لي ولا قوّة". 

أمّا مصير ملايين الحيوانات التي يشملها قرار تعليق التجارة فمجهول.

يتابع ماو إطعام جرذانه بانتظار توجيهات السلطات. وقد جاء في شريطٍ مصوّر عرض على الوسائل الإعلاميّة التابعة للدولة، مشهد مزارعين في مقاطعة غوانغدونغ وهم يذبحون الآلاف من حيواناتهم تحت أنظار مسؤولين من الحكومة. 

أعلنت بعض المقاطعات، وإنّما ليس غوانغزي، عن برامج لمساعدة المزارعين المتضررين من القرار. عرضت هونان تعويضاتٍ كريمة لجرذان الخيزران والأفاعي والقنافذ وقطط الزباد والغزلان. 

هذا وشجّع المسؤولون المزارعين على التحوّل إلى المحاصيل أو الحيوانات، لإنتاج الأدوية التقليديّة أو الفراء، ما يعني أنّ لحم الحيوانات قد يجد له سبيلاً إلى الأسواق.

ويُمكن استخدام فراء جرذ الخيزران لصناعة شعيرات الفراشي على سبيل المثال، مع أنّ مزارعاً آخر في غوانغزي واسمه كزي فوجي، قال إنّ الطلب على هذا المنتج محدودٌ ولا يسعه أن يكون بديلاً عن مبيع اللحوم. وهو لديه 15 ألف جرذ وبالتالي "ما باليد حيلة". 

تذمّر المسؤولين

وحذّر ران جينغشينغ وهو مسؤول في علم الغابات في مقاطعة غيزو المجاورة والذي يشرف على الصناعة، بشأن تبعات ذلك على المزارعين. وفي تصريحاتٍ، تساءل عن سبب تعليق الحكومة التجارة إذا كان مصدر الجائحة لا يزال مجهولاً. 

وكتب "ران" على "WeChat" وهو تطبيق للمراسلة الاجتماعية، يوم الأحد "ترى مزارعين غاضبين، يلوّحون بمعداتهم غاضبين وهم يرمون الحيوانات وينزعون البنية التحتيّة". ولكنّه لم يفقد الأمل بأن تعيد الحكومة النظر بقرارها. 

وقال "من المؤسف أنّ الكلفة تتجاوز قدرة المزارعين على الصمود، وإلاّ فربما كانوا يستطيعون الاحتفاظ ببعض المخزون. ذات يوم يُمكن أن تتخذ الأمور منعطفاً مختلفاً".