
نشر علماء من مركز "ميسولام" للأعصاب التابع لجامعة نورث وسترن الأميركية خلاصة 25 عامًا من العمل على دراسة فريدة من نوعها أجريت على مجموعة غير اعتيادية من المسنين أطلقوا عليهم اسم "سوبر إيجرز" وهم أفراد تجاوزوا الثمانين من العمر، لكن ذاكرتهم لا تزال حادة كما لو كانوا في سن الخمسين.
وتنسف نتائج الدراسة، المنشورة في عدد خاص من دورية "ألزهايمر أند ديمنشيا" الفكرة التقليدية بأن التدهور العقلي أمر لا مفر منه مع التقدم في العمر.
أظهرت الدراسة أن أدمغة هؤلاء الأشخاص تملك قدرات استثنائية في مقاومة التغيرات البيولوجية المرتبطة بالشيخوخة، بل تتفوق أحيانًا على أدمغة شباب أصغر سنًا.
وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، ساندرا وينتروب، أستاذ الطب النفسي وعلوم الأعصاب بجامعة نورث وسترن: "ما وجدناه داخل أدمغتهم كان زلزالًا علميًا بكل معنى الكلمة، فبعضهم أظهر مقاومة لتراكم بروتينات "أميلويد" وتشابكات "تاو" المرتبطة بمرض ألزهايمر، في حين أظهر آخرون مرونة غريبة، إذ وجدت هذه التراكمات دون أن تؤثر فعليًا على أدائهم العقلي.
وشارك 290 شخصًا في برنامج "السوبر إيجر" في نورث وسترن، وتبرع 77 منهم بأدمغتهم بعد الوفاة لأغراض الدراسة.
وتُعد هذه التبرعات حجر الزاوية في الكثير من الاكتشافات، وفقًا للمؤلفة المشاركة في الدراسة، تمار جيفن، أستاذ علم النفس العصبي في الجامعة، والتي قالت: "تبرع الدماغ يمنح صاحبه نوعًا من الخلود العلمي.. نواصل التعلّم من أدمغتهم حتى بعد رحيلهم".
المرونة الغريبة
في الحالات المعتادة، وعندما يبدأ تراكم هذه البروتينات الشاذة في الدماغ، تبدأ أعراض فقدان الذاكرة والتشوش والتدهور المعرفي في الظهور تدريجيًا، وهذا هو المسار التقليدي في أمراض مثل ألزهايمر، لكن الغريب أن بعض الأفراد، رغم وجود هذه الترسبات لديهم وأحيانًا بكميات كبيرة، إلا أنهم لا يظهرون أي أعراض تُذكر، مثل الضعف في التذكر، أو اضطرابات في التركيز، أو تراجع في المهارات العقلية.
وهؤلاء الأفراد يمثلون لغزًا علميًا: أدمغتهم مصابة على الورق، لكن سلوكهم المعرفي سليم تمامًا.
ويشير مفهوم "المرونة الغريبة" إلى قدرة بعض الأدمغة على الاستمرار في الأداء الطبيعي رغم وجود ضرر بنيوي كبير بداخلها، مثل التراكم الكثيف لبروتينات مرتبطة بأمراض الشيخوخة العصبية.
ويتميز هؤلاء الأفراد بذاكرة خارقة لا تتراجع مع التقدم في السن، ويُظهرون أداءً في اختبارات التذكر يعادل من هم أصغر منهم بنحو 3 عقود؛ إذ تحتفظ القشرة الدماغية لديهم بسماكتها، بل وتُظهر مناطق مثل القشرة الأمامية الحزامية نشاطًا وبنية تفوق حتى من هم أصغر سنًا، ما يعزز من قدراتهم على اتخاذ القرار وتنظيم العواطف.
ومن المثير أن أدمغتهم تحتوي على تركيز عال من خلايا عصبية نادرة ترتبط بالسلوك الاجتماعي، إلى جانب الخلايا الضخمة المسؤولة عن حفظ الذكريات بعيدة المدى. لكن المذهل حقًا هو أن هذه السمات تترافق مع سمة سلوكية واضحة وهي الحياة الاجتماعية النشطة.
شيخوخة فائقة.. ذاكرة قوية بعد الـ 80
الشيخوخة الفائقة تشير إلى أشخاص تجاوزوا الثمانين عاماً ويتمتعون بالتالي:
ذاكرة قوية للغاية
لديهم ذاكرة عرضية (خاصة بالأحداث) تماثل من هم في منتصف العمر (40-50 سنة).
بطء تدهور الدماغ
تنكمش أدمغتهم بمعدل أبطأ بكثير من نظرائهم في نفس العمر.
سماكة قشرة الدماغ أكبر
خصوصًا في الفص الأمامي، المسؤول عن الانتباه واتخاذ القرار.
مرونة عقلية عالية
يحتفظون بسرعة معالجة ذهنية ومهارات لغوية قوية.
مستوى عالٍ من النشاط الاجتماعي
يشاركون بانتظام في أنشطة اجتماعية وعقلية تحفز التفكير.
مستويات منخفضة من بروتينات ألزهايمر
تظهر أدمغتهم تراكمًا أقل من بروتينات مثل "بيتا أميلويد" و"تاو".
مزاج مستقر وتفاؤل
غالبًا ما يتمتعون بنظرة إيجابية للحياة ومعدل أقل من الاكتئاب.
نمط حياة صحي
يمارسون النشاط البدني بانتظام ويتبعون أنظمة غذائية متوازنة.
عوامل وراثية محتملة
بعض الدراسات تشير إلى دور الجينات في حماية الدماغ من التدهور.
الاستمرار في التحدي العقلي
يميلون إلى القراءة، تعلم أشياء جديدة، أو الانخراط في أنشطة ذهنية محفّزة.
وبينما تختلف أنماطهم الغذائية والرياضية، يجتمع "السوبر إيجر" على نمط حياة غني بالعلاقات الاجتماعية والتواصل، ما يعزز الفرضية بأن العيش وسط الناس ربما يكون أحد أسرار دماغ لا يشيخ.