
كشف فريق باحثين من بريطانيا والهند عن آلية غير متوقعة تساعد خلايا الجسم على تسريع عملية التئام الجروح.
ووفقاً للدراسة المنشورة في مجلة "نيتشر سيل بيولوجي" المتخصصة، فإن الخلايا تغيّر من أشكالها تبعاً لانحناءات الفجوات التي تسعى لإغلاقها، وهو ما يعزز قدرتها على إصلاح الأنسجة المتضررة.
وتشير النتائج إلى أن "الشبكة الإندوبلازمية" (Endoplasmic Reticulum) داخل الخلايا تؤدي دوراً محورياً في تحديد الطريقة التي تتحرك بها الخلايا لإغلاق الشقوق والفراغات.
وتُعد هذه الشبكة "عضية" (organella) أساسية تتكون من أنابيب وأكياس غشائية مترابطة تحيط بالنواة وتنتشر في السيتوبلازم، لتعمل بمثابة "مصنع" ونظام نقل داخلي للخلية.
وتنقسم هذه الشبكة إلى نوعين، الأولى "خشنة" وهي مغطاة بالريبوسومات والمسؤولة عن تصنيع البروتينات الموجهة إلى خارج الخلية أو إلى أغشيتها، والثانية "ملساء" وتفتقر للريبوسومات، لكنها تلعب أدواراً مهمة في إنتاج الدهون والهرمونات، وتخزين أيونات الكالسيوم، والمساعدة في إزالة السموم.
وبفضل هذه الوظائف الحيوية المتنوعة، تُمثل الشبكة الإندوبلازمية محوراً رئيسياً في حياة الخلية ونشاطها.
ويكتسب هذا الاكتشاف أهمية خاصة بالنظر إلى أن "الخلايا الظهارية"، التي تغطي أسطح الجسم الداخلية والخارجية، هي خط الدفاع الأول ضد الإصابات والعدوى وفقدان السوائل، إضافة إلى دورها في امتصاص المغذيات والتخلص من الفضلات وإنتاج الأنزيمات والهرمونات.
تقنيات متقدمة
أظهرت نتائج الدراسة أن الخلايا الظهارية لا تتحرك بطريقة عشوائية لإغلاق الجروح، بل تعيد تنظيم بنيتها الداخلية وفقاً لشكل الفجوة. فعندما تكون الحواف محدبة، تتحول الشبكة الإندوبلازمية داخل الخلية إلى أنابيب دقيقة، وتعتمد الخلايا على أسلوب "الزحف العريض" عبر مد أطراف مسطحة تدفعها نحو الفجوة لإغلاقها.
أما عند الحواف المقعّرة، فتأخذ الشبكة الإندوبلازمية شكلاً مسطحاً على هيئة صفائح، وتلجأ الخلايا إلى حركة تشبه "شد الخيط"، إذ تنقبض لسحب الحواف وجمعها معاً.
ويرجّح العلماء هذا السلوك إلى أن القوى الدافعة في الانحناءات المحدبة، والقوى الجاذبة في الانحناءات المقعّرة، تغيّر من شكل الشبكة الإندوبلازمية، وبالتالي تحدد بدقة آلية الحركة التي تتبعها الخلايا.
هذا الاكتشاف لا يقتصر على كونه خطوة علمية مهمة، بل قد يُغيّر قواعد اللعبة في مجالات الطب
الباحث المشارك براديب كيشافانارايانا
استخدم فريق البحث تقنيات متطورة لإنشاء فجوات دقيقة داخل طبقات الخلايا، ثم لجؤوا إلى تصوير عالي الدقة، ونماذج رياضية لفهم كيفية تغيّر بنية الشبكة الإندوبلازمية ودورها في تحفيز حركة الخلايا نحو إغلاق هذه الفجوات.
وقالت سيمران روال، المؤلفة الرئيسية للدراسة من معهد "تاتا للبحوث الأساسية" في حيدر أباد بالهند، والتي تولت الجزء الأكبر من التجارب، أن التئام الجروح يُعد استجابة أساسية للإصابة، مؤكدة أن "دراستنا تفتح آفاقاً جديدة لفهم الآليات التي تتحكم في إغلاق الفجوات الظهارية، وتتيح التفكير في تطبيقات أوسع لفهم الصحة والمرض عبر تحديد دور جديد للشبكة الإندوبلازمية في هذه العملية".
من جانبه، اعتبر الباحث المشارك براديب كيشافانارايانا، الذي طوّر النموذج الرياضي أثناء عمله في جامعة برمنجهام البريطانية، أن هذا الاكتشاف لا يمثل مجرد خطوة علمية مهمة، بل قد يشكّل "تحولاً نوعياً" في مجال الطب.
وأكد أن إدراك الدور المحوري للشبكة الإندوبلازمية في حركة الخلايا قد يفتح الطريق أمام تطوير علاجات أكثر فاعلية للجروح، وابتكار طرق جديدة لتجديد الأنسجة التالفة، وربما وضع استراتيجيات أفضل للحد من انتشار الخلايا السرطانية أو إبطاء النقائل.
ويُعد هذا الاكتشاف إضافة مهمة إلى مجال بيولوجيا الخلية، إذ أن فهم حركة الخلايا وآليات التئام الجروح يظل مجالاً بحثياً حيوياً، له انعكاسات مباشرة على تطوير العلاجات الحديثة، سواء في إطار الطب التجديدي أو في مواجهة الأمراض المزمنة مثل السرطان.