مضاد حيوي لقتل البكتيريا وعلاج حب الشباب يقلل خطر الإصابة بالفصام

time reading iconدقائق القراءة - 8
مضاد الدوكسيسيكلين ربما يساهم في تقليل خطر الإصابة بمرض الفُصام في مرحلة البلوغ - getty
مضاد الدوكسيسيكلين ربما يساهم في تقليل خطر الإصابة بمرض الفُصام في مرحلة البلوغ - getty
القاهرة -محمد منصور

أفادت دراسة حديثة بأن أحد المضادات الحيوية يستخدم لقتل البكتيريا وعلاج حب الشباب، ربما يساهم في تقليل خطر إصابة بعض الشباب بمرض الفُصام في مرحلة البلوغ، ما يفتح الباب أمام فكرة إعادة توظيف أدوية موجودة بالفعل للوقاية من أحد أشد الاضطرابات النفسية تعقيداً. 

وأوضح الباحثون أن الشباب الذين تلقوا علاجاً بمضاد الدوكسيسيكلين كانوا أقل عرضة للإصابة بالفُصام بنسبة تتراوح بين 30 و 35% مقارنة بأقرانهم الذين عولجوا بأنواع أخرى من المضادات الحيوية، وهو ما يشير إلى أن تأثير هذا الدواء لا يقتصر على محاربة العدوى، بل يمتد إلى التأثير في العمليات البيولوجية داخل الدماغ.

واستندت الدراسة إلى بيانات ضخمة من السجلات الصحية في فنلندا، وحللت معلومات أكثر من 56 ألف مراهق تلقوا علاجاً بالمضادات الحيوية خلال فترة متابعتهم في خدمات الصحة النفسية للمراهقين. 

وأظهرت التحليلات أن الذين وُصف لهم دواء الدوكسيسيكلين تحديداً كانوا أقل عرضة للإصابة لاحقاً بالفُصام، حتى بعد الأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والطبية الأخرى التي ربما تفسر الفارق في النتائج.

وأكد الباحثون أن العلاقة بين الدواء والوقاية المحتملة من الفُصام ليست صدفة إحصائية، بل ربما تعكس تفاعلات بيولوجية حقيقية مرتبطة بالتهابات الدماغ ونموه العصبي خلال فترة المراهقة.

تقليل التهاب الدماغ

وأشارت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة إدنبرة بالتعاون مع جامعة أولو الفنلندية وجامعة كولدج دبلن، إلى أن مضاد الدوكسيسيكلين والذي ينتمي إلى فئة المضادات الحيوية واسعة الطيف لا يقتصر دوره على القضاء على الميكروبات، بل يؤثر أيضاً في الخلايا العصبية عبر تقليل الالتهاب داخل الدماغ والمساعدة في تنظيم عملية تُعرف بـ"التشذيب المشبكي"، وهي آلية طبيعية يعيد فيها الدماغ ترتيب الوصلات العصبية ليُحافظ على أكثرها كفاءة. 

وربط الباحثون بين هذه العملية وبين الفُصام، إذ تشير دراسات سابقة إلى أن زيادة التشذيب العصبي بشكل مفرط قد تؤدي إلى اضطرابات في شبكات الدماغ المسؤولة عن التفكير والإدراك والتمييز بين الواقع والخيال.

وأظهرت نتائج التحليل أن انخفاض خطر الإصابة بالفُصام بين مستخدمي الدوكسيسيكلين لا يمكن تفسيره ببساطة على أنه نتيجة تلقيهم علاجاً لحب الشباب بدلاً من العدوى، لأن النماذج الإحصائية المستخدمة أخذت في الاعتبار طبيعة الحالة المرضية التي جرى وصف المضاد الحيوي لها. 

وأكد الباحثون أن البيانات المتاحة تُظهر أن التأثير الوقائي المحتمل للدوكسيسيكلين لا يرتبط فقط بنوع العدوى أو بالحالة الجلدية، بل يبدو نابعاً من خصائص الدواء نفسها وتأثيره المضاد للالتهاب.

وسيلة وقائية

أوضحت الدراسة أن مرض الفُصام أحد أشد الاضطرابات النفسية تعقيداً، إذ يظهر غالباً في مرحلة البلوغ المبكرة، ويشهد حدوث اضطرابات في التفكير والإدراك تشمل هلاوس سمعية وبصرية وأوهام، وهو مرض مزمن، ويتطلب علاجاً طويل الأمد.

وغالبا ما يُصاب بالفصام الشباب الذين كانت لديهم مشكلات نفسية سابقة في مرحلة المراهقة، وأوضح الباحثون أن نحو نصف المصابين بالفُصام سبق أن زاروا خدمات الصحة النفسية أثناء طفولتهم أو مراهقتهم لأسباب أخرى مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات السلوك، وهو ما يجعل مرحلة المراهقة فترة حاسمة لتطوير تدخلات وقائية فعالة.

وتكمن أهمية الدراسة في أنها تقترح إمكانية الاستفادة من دواء معروف ومستخدم بالفعل على نطاق واسع كوسيلة وقائية جديدة في مجال الطب النفسي، وهو ما يختصر سنوات من البحث والتجريب؛ ويقلل من أخطار استخدام أدوية جديدة لم تخضع للتجربة.

ورأى فريق البحث أن هذا الاكتشاف يمثل خطوة أولى نحو إعادة النظر في دور الالتهاب الدماغي كعامل رئيسي في تطور الفُصام، إذ لطالما أشارت الأدلة إلى أن الالتهاب المزمن قد يساهم في إحداث تغيرات في الاتصال العصبي تؤثر في التفكير والسلوك.

ووصف المعد الرئيسي للدراسة، إيان كيليهر، أستاذ الطب النفسي للأطفال والمراهقين في جامعة إدنبرة، النتائج بأنها مثيرة للاهتمام؛ لأنها تُقدم أول دليل واسع النطاق على أن أحد المضادات الحيوية التقليدية ربما يحمل تأثيراً وقائياً محتملاً ضد اضطراب نفسي شديد.

وقال إن غياب أي تدخلات مثبتة علمياً تقلل من خطر الفُصام لدى الفئات المعرضة يجعـل من نتائج الدراسة نقطة انطلاق مهمة نحو فهم آليات جديدة للوقاية.

وأوضح أن الفُصام غالباً ما يسبقه تاريخ من الاضطرابات النفسية البسيطة في سن المراهقة، ما يعني أن استهداف هذه الفئة مبكراً ربما يكون السبيل إلى تقليل أعباء المرض على المدى الطويل.

وأكد كيليهر أن الدراسة لا تجزم بوجود علاقة مباشرة بين الدوكسيسيكلين وانخفاض خطر الإصابة بالفُصام، لأنها دراسة رصدية، وليست تجربة عشوائية محكمة.

ومع ذلك، شدد على أن النتائج تمثل "إشارة قوية" تدعو إلى إجراء دراسات إضافية لفحص التأثير الوقائي المحتمل للدوكسيسيكلين وغيره من العقاقير المضادة للالتهاب في المرضى المراهقين، وربما استخدامها مستقبلاً كوسائل للحد من تطور الاضطرابات النفسية الخطيرة في مرحلة البلوغ.

وأشار الباحثون إلى أن الدوكسيسيكلين يمتلك خصائص فريدة تتجاوز قدرته على مكافحة البكتيريا، إذ يعمل كمضاد للالتهاب العصبي، ويؤثر في نشاط خلايا المناعة في الدماغ المعروفة باسم "الخلايا الدبقية الصغيرة".

ويُعتقد أن هذه الخلايا تلعب دوراً في عملية التشذيب العصبي التي تُزيل الوصلات الزائدة بين الخلايا العصبية، وعندما يحدث اضطراب في هذه العملية، قد يتسبب ذلك في فقدان اتصالات عصبية ضرورية لوظائف التفكير والإدراك، وهو ما يُلاحظ في أدمغة بعض المصابين بالفُصام.

وكشفت التحليلات أن التأثير الوقائي المحتمل للدوكسيسيكلين لا يقتصر على فئة معينة من الشباب، بل يظهر في مختلف المجموعات التي درستها التحليلات الفرعية، ما يعزز فرضية أن الدواء يعمل عبر آلية عامة تتعلق بوظائف الدماغ، وليس بعوامل اجتماعية أو بيئية محددة. 

واعتبر الباحثون أن هذه النتيجة تفتح الباب أمام إمكانية استخدام الدواء ضمن استراتيجيات أوسع للوقاية في مجموعات المراهقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية مبكرة، بشرط التحقق من أمان وفعالية هذا الاستخدام في تجارب مستقبلية.

أوضح الباحثون أن الخطوة التالية تتمثل في إطلاق دراسات تجريبية محكمة تقارن بين مجموعات من المراهقين الذين يتلقون الدوكسيسيكلين وآخرين يتلقون علاجاً بديلاً، بهدف التحقق من فاعلية الدواء في تقليل خطر الفُصام بشكل مباشر.

ولفتوا إلى أن نجاح مثل هذه التجارب قد يُحدث تحولاً جذرياً في فهم العلماء لكيفية نشوء الفُصام، وقد يقدم أول تدخل دوائي وقائي حقيقي في تاريخ الطب النفسي.

وشدد الباحثون على أن استخدام المضادات الحيوية يجب أن يظل خاضعاً للضوابط الطبية الصارمة، لأن الإفراط في استخدامها ربما يؤدي إلى مقاومة بكتيرية خطيرة، موضحين أن الدراسة لا تدعو إلى استخدام الدوكسيسيكلين على نطاق واسع للوقاية من الفُصام، بل تهدف فقط إلى لفت الانتباه إلى إمكانياته البحثية كدواء قد يُسهم في فهم الآليات البيولوجية وراء الاضطرابات النفسية.

تصنيفات

قصص قد تهمك