الموسيقى تقلل توتر حديثي الولادة وذويهم في غرف الرعاية المركزة

time reading iconدقائق القراءة - 5
طفل حديث الولادة داخل مستشفى في كوبا. 19 يونيو 2015 - REUTERS
طفل حديث الولادة داخل مستشفى في كوبا. 19 يونيو 2015 - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

في بيئة تهيمن عليها الأجهزة الطبية، وأصوات الإنذارات، والقلق الدائم على حياة طفل صغير، تبرز الموسيقى كوسيلة غير متوقعة، لكنها فعالة في تخفيف التوتر، وبناء جسور إنسانية بين الرضع وذويهم، بحسب دراسة حديثة.

وسلطت الدراسة التي نشرتها المجلة الطبية البريطانية (BMJ)، الضوء على الدور المتنامي للموسيقى الحية، خاصة التهويدات (أغاني هادئة ذات إيقاع بسيط ومتكرر)، داخل وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة.

وأفادت بأن تشغيل الموسيقى الهادئة داخل وحدات العناية المركزة لا يساعد فقط على تعزيز الترابط العاطفي بين الأهل وأطفالهم، بل يمنح العائلات أيضاً لحظات نادرة من السكينة، وسط أوضاع طبية غير مؤكدة، ومشحونة بالضغط النفسي.

موسيقى داخل العناية المركزة

خلال عام 2025 وحده، شغلت إحدى المؤسسات الخيرية أكثر من 90 ساعة من الموسيقى الحية داخل وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة في بريطانيا، ووصلت من خلال هذه المبادرات إلى أكثر من 1000 رضيع يعانون حالات صحية خطيرة.

ومنذ عام 2017، تنظم المؤسسة جلسات منتظمة تعرف باسم "ساعة التهويدات"، يقدم خلالها موسيقيون محترفون أغان هادئة ومخصصة للرضع وذويهم داخل بيئات طبية شديدة الحساسية، لا تقتصر على وحدات حديثي الولادة فقط، بل تشمل أيضاً وحدات العناية المركزة للبالغين.

ويدعم عدد من الدراسات السابقة فكرة أن العلاج بالموسيقى ربما يكون له أثر إيجابي على الأطفال الخدج (الذين يولدون قبل اكتمال الأسبوع 37 من الحمل) داخل وحدات العناية المركزة، وتبين أنه يساهم في خفض معدل ضربات القلب، ومعدل التنفس، إضافة إلى زيادة كميات التغذية التي يتلقاها الرضيع.

ومع ذلك، يشير "تحليل تلوي" (أسلوب إحصائي قوي يدمج نتائج دراسات متعددة ومستقلة عن نفس الموضوع للوصول إلى استنتاج إجمالي أكثر دقة وموثوقية وقوة من أي دراسة فردية) نُشر عام 2021، إلى أن مستوى اليقين في هذه الأدلة لا يزال منخفضاً، ما يستدعي المزيد من الأبحاث المحكمة.

رغم ذلك، يرى العاملون في هذا المجال أن التأثيرات الملاحظة على أرض الواقع لا يمكن تجاهلها، إذ قالت ميكا برنارد، المغنية وعازفة الجيتار، والتي تشارك في جلسات التهويدات: "عندما أغني للطفل، أستطيع حرفياً أن أرى معدل ضربات قلبه يهدأ، أو مستوى الأكسجين لديه يرتفع.. هذا يظهر مدى تجذر الموسيقى في طبيعتنا كبشر".

وعلى عكس مخاوف بعض الآباء من أن الموسيقى ربما تزعج أطفالهم، أو تؤثر سلباً على نومهم، أظهرت أبحاث أجرتها المؤسسة الخيرية أن الرضع غالباً ما يلاحظ عليهم النوم، أو الاستمرار في النوم أثناء جلسات الموسيقى الحية؛ وفي بعض الأحيان، تعزف الموسيقى خلال لحظات صعبة مثل الإجراءات الطبية، أو تغيير الحفاضات، في محاولة لتخفيف التوتر لدى الطفل وذويه على حد سواء.

مساحة للتواصل العاطفي

أكد الباحث المشارك في الدراسة، جاي بانيرجي، استشاري طب حديثي الولادة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية التابعة لإمبريال كوليدج للرعاية الصحية، أن تأثير هذه الجلسات يتجاوز الجانب الطبي البحت.

وأوضح أن هذه الجلسات الموسيقية لا تساعد فقط على تقوية الرابط بين الأهل والطفل، بل تمنحهم أيضاً فرصة لالتقاط الأنفاس، وسط حالة من عدم اليقين والضغط الشديد.

وأضاف: "كانت ردود الفعل من العائلات والفريق الطبي إيجابية بالإجماع".

ويكتسب عنصر الترابط العاطفي أهمية خاصة لدى الآباء الذين لا يستطيعون حمل أطفالهم؛ بسبب وجودهم داخل الحاضنات، ففي هذه الحالات، تصبح الموسيقى إحدى الوسائل القليلة المتاحة للتواصل مع الطفل.

وتشرح المغنية والعازفة برنارد: "في كثير من الأحيان، عندما أغني لأحد الوالدين للمرة الأولى، تكون الموسيقى بمثابة المخرج المثالي لهم للبكاء؛ إنها تساعدهم على التواصل مع مشاعرهم المكبوتة في لحظة شديدة القسوة".

ولا يقتصر تأثير الموسيقى على الرضع والآباء فقط، بل يمتد ليشمل الأجواء العامة داخل وحدات العناية المركزة؛ فالموسيقى، بحسب القائمين على هذه المبادرات، تضيف لمسة من الحياة الطبيعية إلى أماكن غالباً ما تكون مرهقة نفسياً.

تعكس هذه التجربة كيف يمكن للتكامل بين الطب والفنون أن يفتح آفاقاً جديدة في رعاية المرضى، خاصة الأكثر هشاشة منهم؛ فالموسيقى هنا لا تستخدم كعلاج بديل، بل كعنصرٍ داعم يعزز الرعاية الطبية التقليدية، ويعيد الاعتبار للجوانب النفسية والإنسانية داخل أكثر البيئات السريرية قسوة.

وبينما لا تزال الأدلة العلمية بحاجة إلى مزيد من التدعيم، يبدو واضحاً أن للحن هادئ وتهويدة بسيطة قدرة فريدة على اختراق الضجيج الطبي، ومنح الرضع وذويهم لحظات نادرة من الطمأنينة والأمل.

تصنيفات

قصص قد تهمك