بينهم مصري.. فريق بحثي يقدم أملاً لعلاج الخرف واضطرابات تدفق الدم في الدماغ

time reading iconدقائق القراءة - 10
يؤثر الخرف بأنواعه بما في ذلك مرض ألزهايمر والخرف الوعائي على نحو 50 مليون شخص حول العالم - https://www.uvm.edu/graduate/cmb/profile/asser-bedair
يؤثر الخرف بأنواعه بما في ذلك مرض ألزهايمر والخرف الوعائي على نحو 50 مليون شخص حول العالم - https://www.uvm.edu/graduate/cmb/profile/asser-bedair
القاهرة -محمد منصور

قدمت دراسة جديدة أملاً كبيراً لعلاج الخرف الوعائي واضطرابات تدفق الدم الدماغي، عبر اكتشاف دور محتمل لجزيء يُعرف باسم PIP2 في تنظيم النشاط الحيوي للأوعية الدموية في الدماغ.

ويُعد PIP2 المعروف علمياً باسم "فوسفاتيديل إينوزيتول-4.5-ثنائي الفوسفات" جزيئاً دهنياً فسفورياً يوجد بكميات صغيرة في الغشاء البلازمي لخلايا الجسم، لكنه يؤدي دوراً محورياً في تنظيم الإشارات الخلوية، ويعمل هذا الجزيء كنقطة انطلاق أو منظم مباشر للعديد من المسارات الحيوية، حيث يشارك في التحكم في نشاط قنوات الأيونات، وتنظيم تقلص العضلات، وانتقال الإشارات العصبية، وحركة الخلايا، والحفاظ على استقرار الأغشية الخلوية.

كما أن PIP2 مخزناً لإشارات ثانوية مهمة، إذ يمكن تفكيكه لإنتاج جزيئات تلعب أدواراً رئيسية في التواصل داخل الخلية، وبسبب هذا الدور التنظيمي الدقيق، فإن أي خلل في مستوياته أو وظيفته قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة تشمل الجهاز العصبي، والأوعية الدموية، والوظائف المعرفية.

أوضحت الدراسة أن زيادة مستويات هذا الجزيء يمكن أن تعيد تدفق الدم الطبيعي إلى الدماغ وتحسّن الوظائف العصبية، ما يفتح الباب لتطوير علاجات جديدة للخرف الوعائي وأنواع من الخرف المرتبط بضعف الدورة الدموية الدماغية.

التحكم في تدفق الدم

ويؤثر الخرف بأنواعه، بما في ذلك مرض ألزهايمر والخرف الوعائي، على نحو 50 مليون شخص حول العالم، ويشكل ضغطاً هائلاً على العائلات وأنظمة الرعاية الصحية.

على مدى سنوات، ركز البحث العلمي على دور البروتينات، والالتهابات، والنشاط العصبي، ووظائف الخلايا الدماغية في تطور هذه الأمراض.

إلا أن الفريق العلمي، الذي يقوده الباحث المصري أسامة حراز، الأستاذ المساعد في علم الصيدلة بكلية لارنر للطب بجامعة "فيرمونت" الأميركية ركز بشكل خاص على التحكم في تدفق الدم الدماغي والإشارات الوعائية، ودور بروتين Piezo1، الموجود على أغشية الخلايا المبطنة للأوعية الدموية، في تنظيم هذا التدفق. 

وبروتين Piezo1 جزء موجود على سطح الخلايا يعمل كـ"حساس" يستشعر الضغط والحركة من حوله، وعندما يتعرض الوعاء الدموي لتدفق الدم أو للشد، يفتح هذا البروتين ويسمح بدخول إشارات كيميائية إلى داخل الخلية، فتفهم الخلية أن هناك تغييراً في الضغط أو في سرعة الدم.

وبهذه الطريقة يساعد ذلك البروتين الجسم على تنظيم تدفق الدم والحفاظ على صحة الأوعية الدموية، وإذا اختل عمله وأصبح نشطاً أكثر من اللازم أو أقل من المطلوب، قد يحدث اضطراب في تدفق الدم، خاصة في الدماغ، ما قد يسهم في مشكلات صحية مثل ضعف التروية أو بعض أنواع الخرف.

منظم طبيعي

وبيّنت الدراسة المنشورة في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم PNAS، أن زيادة نشاط Piezo1 في الأوعية الدموية مرتبط بأمراض مثل ألزهايمر، وأن هذا النشاط الزائد يؤدي إلى اضطراب تدفق الدم في الدماغ.

كما اكتشف الباحثون أن جزيء PIP2 يعمل كمنظم طبيعي لنشاط بروتين Piezo1، حيث يمنعه من الإفراط في النشاط، وعندما تنخفض مستويات PIP2، يصبح Piezo1 مفرط النشاط، ما يؤدي إلى اضطراب تدفق الدم الدماغي وتفاقم أعراض الخرف.

الخرف الوعائي

  •  تدهور في التفكير والذاكرة والتنظيم ناتج عن ضعف تدفق الدم إلى الدماغ.
  • يحدث غالباً بعد سكتة دماغية، لكن ليست كل السكتات تؤدي إلى خرف وعائي.
  • يعتمد تأثيره على شدة السكتة ومكانها وعدد السكتات التي يتعرض لها الدماغ.
  • قد ينشأ أيضاً بسبب تلف مزمن في الأوعية الدموية يحرم الدماغ من الأكسجين والغذاء.
  • تختلف الأعراض حسب الجزء المصاب من الدماغ، وغالباً تشمل بطء التفكير وصعوبة حل المشكلات.
  • على عكس ألزهايمر، يؤثر الخرف الوعائي عادة في سرعة التفكير والتنظيم أكثر من الذاكرة أولاً.
  • قد تظهر الأعراض فجأة بعد سكتة دماغية أو تتطور على شكل خطوات متقطعة مع سكتات متكررة.
  • يمكن أن يتفاقم تدريجياً، وغالباً ما يتزامن مع مرض ألزهايمر لدى كثير من المرضى.
  • عوامل الخطر تشمل التقدم في العمر، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، وارتفاع الكوليسترول، والتدخين.
  • يمكن تقليل خطر الإصابة به عبر حماية صحة القلب والأوعية، مثل ضبط الضغط والسكري، والإقلاع عن التدخين، وممارسة الرياضة.

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة أسامة حراز في تصريحات لـ"الشرق" إن هذا المشروع سعى إلى كشف آليات غير مطروقة سابقاً تقف وراء الخرف الوعائي واضطرابات تدفق الدم في الدماغ. وتمكّن الباحثون من تحديد بروتين واحد داخل الأوعية الدموية الدماغية يختل تنظيمه عبر عدد من الحالات المرتبطة بضعف التروية الدماغية.

وأضاف حراز: "تمثّل هذه الدراسة أول عمل يحدد مساراً تنظيمياً واضحاً يؤدي تعطله مباشرة إلى هذه الاضطرابات، كما تُظهر أن استعادة هذا التنظيم قادرة على عكس الخلل في تدفق الدم داخل الدماغ".

وجاء الربط بين انخفاض مستويات PIP2 وفرط نشاط بروتين Piezo1 نتيجة مصادفة علمية مبنية على أعمال سابقة، فقد أظهرت دراسات سابقة للفريق نفسه أن زيادة نشاط Piezo1 في الأوعية الدموية الدماغية تُعد عاملاً ضاراً بتنظيم تدفق الدم.

وفي الدراسة الحالية، جرى البحث فيما إذا كان نشاط Piezo1 يتأثر بمسارات الإشارة الكيميائية السائدة في الدماغ، ليتبين أن بعض الرُسُل الكيميائية العصبيةتعزز نشاط هذا البروتين.

الأهمية السريرية

وفي أثناء تتبع هذه السلسلة الإشارية، اكتشف أن هذه الإشارات تؤدي إلى خفض مستويات PIP₂، ما يرفع الكبح المفروض على Piezo1 ويقود إلى فرط نشاطه.

وأوضح حراز أن الدراسة تقترح أن اختلال تنظيم Piezo1 ليس سبباً منفرداً للخرف الوعائي، بل عامل مساهم يتفاعل مع آليات مرضية أخرى، لافتاً إلى أن "الخرف الوعائي يُعد ثاني أكثر أنواع الخرف شيوعاً بعد مرض ألزهايمر، كما أن الخرف عموماً ينشأ عن تفاعل عدة مسارات مرضية في آن واحد".

وأشارت الفرضية المطروحة إلى أن اضطراب بروتين Piezo1 يشارك في هذه الشبكة المعقدة، مع استمرار الدراسات الجارية لفحص ما إذا كانت طفرات PIEZO1 لدى البشر ترتبط بأمراض الأوعية الدماغية أو بالتدهور المعرفي، وكيف يتقاطع هذا المسار مع الالتهاب أو تراكم البروتينات المرضية.

كما أن الأهمية السريرية لهذه النتائج كبيرة، إذ أن الخرف الوعائي يحدث نتيجة لتلف الأوعية الدموية في الدماغ، ما يؤدي إلى نقص تدفق الدم وتدهور الخلايا العصبية، وتظهر أعراضه في ضعف الذاكرة، وصعوبة التركيز، وتغيرات سلوكية.

وقد أظهرت الدراسات السابقة أن ضعف تدفق الدم الدماغي يلعب دوراً أساسياً في تطور مرض ألزهايمر وأنواع أخرى من الخرف، لذا فإن استراتيجية العلاج التي تستهدف PIP₂ وPiezo1 قد تعالج السبب الجذري لمرض الخرف الوعائي، بدلاً من التركيز فقط على تخفيف الأعراض.

وأظهرت النتائج درجة من التشابه بين آلية الخلل في تدفق الدم الدماغي التي رُصدت في هذه الدراسة وتلك الموجودة في مرض ألزهايمر وأنواع أخرى من الخرف.

فقد كشفت أبحاث سابقة أن اختلال تنظيم PIP₂ يمثّل سمة مشتركة في ألزهايمر ومرض الأوعية الدماغية الدقيقة.

وأضافت الدراسة الحالية بُعداً جديداً بإظهار أن ضعف تدفق الدم الناتج عن طفرات Piezo1 في نماذج قبل سريرية يمكن تصحيحه عبر إعطاء PIP₂ بشكل جهازي، ما يدعم وجود آلية مشتركة وقابلة للاستهداف العلاجي عبر أشكال متعددة من الخرف.

تفاؤل حذر

وعلى المستوى الجزيئي، لا يزال الدور الدقيق لـPIP₂ في كبح نشاط بروتين Piezo1 غير محسوم بشكل نهائي.

وأبدى الباحثون تفاؤلاً حذراً بإمكانية نجاح هذا النهج العلاجي حتى في المراحل المتقدمة من الخرف، وليس فقط في المراحل المبكرة، وفق "حراز"، الذي أكد على الحاجة إلى دراسات مستقبلية تستخدم نماذج حيوانية تمثّل مراحل المرض المختلفة لتقييم ذلك بدقة، منوهاً إلى أن "نتائج البيانات الأولية من نماذج تعاني منذ فترة طويلة من ضعف تدفق الدم والاختلال المعرفي إلى تحقيق فوائد علاجية ملموسة".

كما تفتح النتائج الباب أمام احتمال توسيع هذا النهج ليشمل أمراضاً أخرى مرتبطة باضطراب تدفق الدم الدماغي، مثل السكتة الدماغية أو الصداع النصفي، إذ توحي المعطيات المتراكمة بأن العديد من هذه الحالات تشترك في سمات جزيئية واحدة، أبرزها اختلال تنظيم بروتين Piezo1، مع قدرة جزيء PIP₂ على كبح نشاطه المرضي، وسيكون من الضروري اختبار هذا الاحتمال في دراسات لاحقة مخصصة.

ويوفر اكتشاف هذا المسار الجديد إطاراً لتطوير استراتيجيات علاجية تستهدف Piezo1 مباشرة أو تستخدم PIP₂ لإعادة ضبط وظيفة الأوعية الدموية في الدماغ، وهو تقدم كبير في مجال الأبحاث العصبية الوعائية.

كما أكد حراز أن "هذا الاكتشاف يمثّل خطوة هائلة نحو منع الخرف والأمراض العصبية الوعائية، ونحن نبدأ الآن في التفكير بكيفية ترجمة هذه البيولوجيا إلى علاجات فاعلة".

تصنيفات

قصص قد تهمك