
أظهرت دراسة حديثة أن مئات آلاف الأشخاص في الصين وجنوب شرقي آسيا، قد يتعرضون سنوياً للعدوى من الحيوانات التي تحمل فيروسات كورونا المرتبطة بالفيروس الحالي، المسبب لمرض "كوفيد-19"، مؤكدة أن التهديد الوبائي مستمر بفعل حالات العدوى هذه.
وقال باحثون من منظمة EcoHealth Alliance (مقرها نيويورك) وكلية طب Duke-NUS (في سنغافورة)، إن ما معدله 400 ألف عدوى من هذا القبيل تحدث سنوياً، ولا يُتعرف على معظمها لأنها تسبب أعراضاً خفيفة، أو لا تسبب أي أعراضاً ولا تنتقل بسهولة بين الأشخاص، بحسب ما أوردت وكالة "بلومبرغ".
ومع ذلك، فإن كل عدوى تمثل فرصة للتكيف الفيروسي، الذي يمكن أن يؤدي إلى تفشٍّ يشبه وباء كورونا الحالي.
واعتمدت هذه الدراسة، المدعومة من المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، والتي لا تزال تنتظر مراجعة باحثين لنشرها، على أدلة تفيد بأن الخفافيش هي الحيوانات المضيفة الرئيسية لفيروسات كورونا، وأن الأشخاص الذين يعيشون قرب جثث تلك الحيوانات، معرضون للخطر بشكل خاص.
ظروف مناسبة
ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن عالم الأحياء التطورية في جامعة سيدني، إدوارد هولمز، الذي لم يشارك في البحث، قوله إن "هذه قد تكون المحاولة الأولى لتقدير عدد المرات التي يلتقط فيها الناس عدوى فيروسات كورونا مرتبطة بسارس- كوف-2 (الفيروس الحالي)، من الخفافيش".
وأضاف هولمز أن البشر يتعرضون باستمرار للفيروسات التاجية الموجودة في الخفافيش، و"بالنظر إلى مجموعة الظروف المناسبة، يمكن أن يؤدي أحد هذه الظروف في النهاية إلى تفشي وباء".
وبحسب "بلومبرغ"، يعيش نحو 20 نوعاً من الخفافيش، التي يمكن أن تصاب بفيروس كورونا في منطقة من آسيا، تزيد مساحتها على 4 ملايين كيلومتر مربع؛ وتُعتبر المناطق الأكثر خطورة من حيث التداعيات، وهي جنوب الصين وأجزاء من ميانمار ولاوس وفيتنام وإندونيسيا.
استراتيجية لتقدير الخطر
ووفقاً لـ"بلومبرغ"، استخدم البحث - الذي أجراه بيتر دازاك وزملاؤه في EcoHealth Alliance - نموذج توزيع الخفافيش، وبيانات بيئية ووبائية، لتقدير مخاطر التعرض لفيروسات كورونا المرتبطة بـ"سارس- كوف-2"، ومعدل الإصابات غير المبلغ عنها من الخفافيش إلى الإنسان في الصين وجنوب آسيا وجنوب شرقي آسيا.
وقال الباحثون إن هذا النهج يوفر دليلاً على مفهوم التقييم المنهجي، لمخاطر انتقال الفيروس من الحياة البرية إلى الإنسان، واستراتيجية لتحديد المناطق الجغرافية الرئيسية التي يمكن تصنيفها كأولوية لمراقبة الحياة البرية والبشرية فيها.
وقال الباحثون في الدراسة: "نظراً إلى التحديات المتمثلة في تحديد أصول كوفيد-19، والمسارات التي انتقل من خلالها سارس- كوف-2 إلى الناس، فقد يساعد هذا النهج أيضاً في الجهود المبذولة لتحديد المواقع الجغرافية التي حدث فيها الانتشار للمرة الأولى".
وأصبح تحديد أصل فيروس كورونا مسألة مثيرة للجدل بشكل خاص، بعدما أرجعه بعض القادة السياسيين، مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى فرضية تسرب من مختبر علم الفيروسات في مدينة ووهان الصينية. لكن لم يظهر أي دليل يدعم هذه النظرية.
والشهر الماضي، استبعدت الاستخبارات الأميركية احتمال أن تكون الصين قد طورت "سارس- كوف-2" كسلاح بيولوجي، لكن لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن أصله.
كذلك، يدعم دازاك نظرية أن الفيروس مصدره من الحياة البرية، وذلك إثر دراسات أجراها مع فريق منظمة الصحة العالمية خلال زيارته الصين أوائل هذا العام للتحقيق في نشأة فيروس كورونا.
وقدرت دراسة دازاك أن متوسط 50 ألف انتقال للفيروس بين الخفافيش والإنسان تحدث في جنوب شرقي آسيا سنوياً، وقالت إن العدد قد يصل إلى الملايين.
حيوانات أخرى تفاقم الخطر
وقال عالم الأحياء التطورية في جامعة سيدني، إدوارد هولمز، إن هذا يجعل خطر التعرض لفيروسات حيوانية في الطبيعة "أكبر بكثير من أي تعرض محتمل في المختبر. هذا إذا ما أخذنا فقط الخفافيش، إذ إن خطر التعرض يكون أعلى عندما نضع في الاعتبار جميع أنواع الحيوانات الوسيطة المحتملة".
وتشمل هذه حيوانات المنك، وقط الزباد، وكلاب الراكون، وغيرها من الثدييات التي يتم تربيتها وتداولها عادة للحصول على الغذاء والفراء في آسيا، وفقاً للبحث.
ولفتت الدراسة أيضاً إلى أن 14 مليون شخص كانوا يعملون في قطاع الحياة البرية في الصين وحدها في عام 2016، وهو قطاع تبلغ قيمته 77 مليار دولار سنوياً، بحسب "بلومبرغ".
وقالت الدراسة إن نحو 478 مليون شخص في آسيا يعيشون في منطقة تسكنها الخفافيش الحاملة لفيروس كورونا، وهي منطقة تغطي معظم لاوس وكمبوديا وتايلاند وفيتنام ونيبال وبوتان وماليزيا وميانمار وجنوب شرقي الصين والجزر الغربية لإندونيسيا.