
يمكن لمعظم النساء اللواتي يولدن بعيوب في القلب أن يحملن بأمان وينجبن أطفالاً أصحاء أو يعانون من مشاكل بسيطة إذا تم دعمهن برعاية واستشارات طبية متخصصة، وفقاً لبحث نُشر في مجلة القلب الأوروبية.
في العقود القليلة الماضية، أدى التقدم في جراحة القلب إلى بقاء المزيد من الأطفال المولودين بأمراض القلب الخلقية على قيد الحياة ووصلوا إلى سن الإنجاب، ولكن حتى الآن لا تتضح المخاطر التي تتعرض لها النساء المصابات بأمراض القلب التاجية من الحمل والولادة، فكثيراً ما ينصحهن الأطباء بعدم الحمل بسبب مخاطر الوفاة والمشاكل الصحية الأخرى لكل من الأمهات والأطفال.
الدراسة الحالية التي أجريت على 7512 حالة حمل لدى 4015 امرأة مصابة بأمراض الشرايين التاجية في ألمانيا هي الكبرى من نوعها للتحقيق في هذه المشكلة.
وتظهر تلك الدراسة عدم وجود أي حالات وفاة لنساء، على الرغم من وجود المزيد من المضاعفات الصحية لهؤلاء الأمهات والأطفال مقارنة بمجموعة التحكم التي تضم 11225 حالة حمل من ضمنها 6502 امرأة لا يعانين من أمراض القلب الخُلقية.
وكان هناك خطر ضئيل لولادة طفل ميت أو موته خلال الشهر الأول من العمر بين أولئك الذين ولدوا لأمهات أمراض القلب التاجية، كما كان هؤلاء الأطفال معرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب التاجية بمقدار 6 أضعاف مقارنة بالمجموعة الضابطة.
الدعم الطبي لحديثي الولادة
وتقول مستشارة أمراض القلب للأطفال، أستريد لامرز، وهي المؤلفة الرئيسية للدراسة، إن أهم ما توصلت إليه هو أن العديد من النساء المولودات بعيب خلقي في القلب قادرات على الحمل والولادة بأمان. وتوضح أن "هذا مهم لأن العديد من النساء قبل بضعة عقود فقط لم يكن لديهن القدرة على بلوغ سن الرشد، فمعظمهن كُنّ يتوفين قبله".
غير أن الدراسة أكدت في الآن ذاته وجود "مشاكل صحية في وقت قريب من الولادة". ومع ذلك، وبفضل الدعم والتقنيات المتقدمة لحديثي الولادة، يمكن التغلب على أغلبية هذه المشاكل بالدعم الطبي، وإن كان ذلك بالجراحة والاستشفاء لفترات طويلة.
"أخبار غير متوقعة ورائعة"
وتصف الافتتاحية المرافقة للدراسة المنشورة في الدورية الأوروبية المرموقة، والتي كتبها خبراء غير مشاركين في البحث، نتيجة عدم وفيات الأمهات من الدراسة "الجيدة الأداء" بأنها "أخبار غير متوقعة ورائعة".
وفي الافتتاحية، قال باحثون إن الدراسة مساهمة مهمة في المعرفة حول هذا الموضوع؛ إذ أكدوا أن "هذه ليست أكبر دراسة فحسب، ولكنها تشمل جميع النساء المصابات بأمراض القلب الخُلقية لدى البالغين، من دون أي تحيز محتمل يتمثل فقط في تضمين المرضى الذين تمت رؤيتهم في مركز ثالث أو بما في ذلك المرضى الذين يعانون أنواعاً أخرى من أمراض القلب".
تقنية الدراسة
وقامت الدكتورة لامرز وزملاؤها بتحليل جميع حالات الحمل لدى النساء المصابات بأمراض القلب التاجية بين عامي 2005 و2018 من واحدة من أكبر شركات التأمين الصحي الألمانية التي تؤمّن نحو 9 ملايين شخص. وقاموا بمطابقتها مع نساء من نفس الأعمار لم يكن لديهن أمراض الشرايين التاجية.
ولم يجد الباحثون أي امرأة في مجموعة أمراض القلب التاجية توفيت أثناء الحمل وحتى 90 يوماً بعد الولادة؛ وتوفيت امرأة واحدة في المجموعة غير المصابة بأمراض الشرايين التاجية.
وعلى الرغم من أن المضاعفات كانت منخفضة بشكل عام، إلا أن النساء المصابات بأمراض القلب التاجية كان لديهن معدل أعلى للإصابة بالسكتة الدماغية (1.13% مقابل 0.17%)، وفشل القلب (0.84% مقابل 0.03%) ومشاكل نظم القلب غير الطبيعية (0.82% مقابل 0.12%)، مقارنة بالنساء غير المصابات بأمراض الشرايين التاجية.
وكانت الولادات القيصرية أكثر شيوعاً في مرضى أمراض الشرايين التاجية: 40.5% مقابل 31.5%. وبين الأطفال المولودين لأمهات مصابات بأمراض القلب التاجية، كان هناك خطر متزايد للإملاص -ولادة طفل من دون أن تظهر عليه علامات الحياة- (1.4% مقابل 0.4%)، والوفاة خلال الشهر الأول من العمر (0.83% مقابل 0.22%)، وانخفاض الوزن وانخفاضه جداً (1000-2499 جراماً أو أقل من 1000 جرام)، الذين يولدون قبل الأوان، ويتطلبون تهوية ميكانيكية، ويعانون تشوهات مرئية كبيرة، ولديهم متلازمة "داون" أو متلازمات وراثية أخرى.
وبحسب الدراسة فإن 18% من الأطفال المولودين لأمهات مصابات بأمراض القلب التاجية لديهم أمراض القلب التاجية بأنفسهم، مقارنة بـ3% من أطفال الأمهات غير المصابات بأمراض القلب التاجية، و6% مقابل 0.4% يحتاجون جراحة قلب مع دعم جهاز القلب والرئة في سن 6 سنوات.
ووجد الباحثون أن تعقيد عيب قلب الأم، وارتفاع ضغط الدم، وفشل القلب، وعلاج تجلط الدم بمضادات "فيتامين ك" في العام السابق للحمل، وعلاج الخصوبة السابق، كانت كلها عوامل تنبئ بالمشاكل الطبية عند حديثي الولادة.
نتائج متباينة
وأشار الباحثون في ورقتهم البحثية إلى أن الأمهات اللواتي درسوهن تمت إدارتهن بشكل مشترك من قبل أطباء القلب للأطفال والكبار، وأطباء أمراض النساء، والممارسين العامين، إضافة إلى المراكز الإقليمية والوطنية لأمراض القلب التاجية في نظام صحي لامركزي جيد التمويل، حيث ستكون لديهن فرصة الحصول على المشورة المناسبة. وبالتالي، فمن غير المحتمل أن تظهر النتائج نفسها في البلدان ذات الموارد القليلة.
ونظراً إلى أن الدراسة تم إجراؤها في دولة غربية بنظام رعاية صحية مثالي، فإن النتائج قابلة للتطبيق في الدول الغربية الأخرى التي لديها أنظمة مماثلة من تنظيم الرعاية مع تقديم المشورة المناسبة والتعاون الجيد بين رعاية القلب والتوليد؛ فنتائج الحمل في الدراسات ذات المنظور العالمي، بما في ذلك المرضى من البلدان النامية، تظهر نتائج أقل إيجابية.
وتوضح هذه الاختلافات كيف يكون لنظام الرعاية الصحية والبيئة الخاصة بالنساء تأثير كبير في نتائج الحمل، وتوضح أننا لا نزال بحاجة إلى العمل لتحسين هذه النتائج لجميع النساء في كافة أنحاء العالم.
رسالة توعية
ويأمل الباحثون بأن تساعد النتائج التي توصلوا إليها في إبلاغ النساء الحوامل المصابات بأمراض القلب الخلقية بما يمكن توقعه في ما يتعلق بمضاعفات حديثي الولادة، وتوجيههن إلى مقدمي الرعاية المناسبين إذا كنّ يرغبن في تكوين أسرة.
ويقول الباحثون إن "الاستشارة جزء مهم جداً من رعاية كل امرأة مصابة بعيب خُلقي في القلب، ويجب أن تبدأ في سن مبكرة". كما أشاروا إلى أن حقيقة عدم وفاة أي امرأة مصابة بأمراض القلب التاجية "تجعل من الممكن طمأنة الأغلبية العظمى من مرضى عيوب القلب الخلقية حول مخاطر الوفيات الناجمة عن الحمل".
اقرأ أيضاً: