تعد فيروسات "الهربس" من أكثر الفيروسات التي تُصيب البشر، فيما يُعتبر مرض السكري من النوع الثاني واحداً من أكثر أمراض التمثيل الغذائي شيوعاً. فهل يُمكن أن توجد علاقة بينهما؟
وتُجيب دراسة جديدة نُشرت في دورية الرابطة الأوروبية لدراسة مرض السكري عن ذلك السؤال؛ إذ تقول إن نوعين من فيروسات "الهربس" قد يُساهمان في اختلال استقلاب الجلوكوز، وزيادة خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري.
واستقلاب الجلوكوز هو العملية الحيوية الأساسية المسؤولة عن تحطيم وامتصاص تلك المادة من الغذاء. ولأن مرض السكري من النوع الثاني يرتبط بتنظيم حركة السكر في الدم وعملية استقلابه.
ويقول العلماء في تلك الدراسة إن الخلل الذي يُسببه فيروس "الهربس" يُمكن أن يكون مُقدمة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
مستويات الجلوكوز
ويُقدر عدد المصابين بمرض السكري من النوع الثاني بنحو 9.3% من سكان العالم، مما يتسبب في ارتفاع معدل الوفيات بشكل أساسي بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية الناتجة عن مرض السكري.
وهناك العديد من عوامل الخطر السلوكية والبيئية والوراثية المعروفة والتي تُزيد من مخاطر الإصابة بذلك المرض. ومنذ وقت قريب، قال العلماء إن الفيروسات تلعب دوراً في تطور مرض السكري من النوع 1، وفيه يتوقف البنكرياس عن إنتاج ما يكفي من الأنسولين.
ويمكن تشخيص إصابة الفرد بمقدمات السكري عندما يظهر عليه اختلال في مستوى الجلوكوز أثناء الصيام أو ضعف في تحمل الجلوكوز.
ووجدت الدراسات السابقة أن معدل حدوث سكري من النوع الثاني أعلى بكثير لدى الأشخاص المصابين بمقدمات السكري (7.6% لكل شخص سنوياً) مقارنة بالأفراد الذين لديهم تحمل طبيعي للجلوكوز (0.6% لكل شخص سنوياً).
واستند البحث إلى البيانات الصحية لدراسات علمية خضع المشاركون فيها لفحوصات صحية مفصلة في الأساس (2006-2008) وفي فترة المتابعة (2013-2014). تضمنت تلك الفحوصات اختباراً لوجود فيروسات "الهربس" البشرية، واختبارات تحمل الجلوكوز وقياس الهيموجلوبين السكري.
وكان متوسط عمر مجموعة الدراسة 54 عاماً عند بداية التجربة. 49% منهم من الرجال.
وخلال التجربة؛ تم تقييم المتغيرات المعروفة بأنها مرتبطة بمخاطر الإصابة بمرض السكري في الأساس؛ كالوراثة وحالة التدخين ومؤشر كتلة الجسم وارتفاع ضغط الدم.
من بين فيروسات "الهربس" التي تم فحصها، ارتبط فيروس "الهربس" البسيط من النوع الثاني HSV2، وفيروس "الهربس المضخم للخلايا" CMV بحدوث مرض السكري بين الأفراد الذين يتمتعون بتحمل طبيعي للجلوكوز في الأساس، والذين كانوا مستقلين عن عوامل الخطر الأخرى.
فيروسات "الهربس"
وكان الأفراد المصابون بفيروس الهربس البسيط أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري بنسبة 59% من أولئك الذين كانوا سلبيين، في حين ارتبطت عدوى الفيروس المضخم للخلايا بزيادة حدوث مرض السكري بنسبة 33%.
وجدت الدراسة أن هذان النوعان يساهمان بشكل ثابت ومتكامل في تطور مرض السكري حتى بعد حساب الجنس والعمر ومؤشر كتلة الجسم والتعليم والتدخين والنشاط البدني وسكري الوالدين وارتفاع ضغط الدم ومستويات الدهون ومقاومة الأنسولين.
كما وجد الباحثون أيضاً أن فيروس "الهربس" البسيط من النوع الثاني، مرتبط بخلل مستويات هيموجلوبين الدم بغض النظر عن العوامل الأخرى.
ولا يزال يتعين اكتشاف الآليات التي يمكن أن تساهم بها هذه الفيروسات في تطور مرض السكري.
ويقول الباحثون إن فيروسات "الهربس" تتسبب في التهابات مزمنة يُمكن أن تُعدل من عمل جهاز المناعة عن طريق تحفيز أو كبح نشاطه؛ وهو الأمر الذي يؤثر بدوره على وظيفة الغدد الصماء.
وقد أثبتت الأبحاث السابقة وجود علاقة بخلل الغدد وتطور متلازمة التمثيل الغذائي المسؤولة عن الإصابة بمرض السكري.