صمم باحثون علاجاً يُسخر جهاز المناعة بهدف الحد من التهابات الدماغ التي تعقب الإصابات، وأثبتوا فعالية هذا النهج في تحسين الإصابات الناجمة عن السكتات الدماغية والتصلب المتعدد عند فئران التجارب.
ويزيد العلاج الجديد من عدد الخلايا التائية التنظيمية، والتي تُعد وسيطاً لاستجابة الجهاز المناعي المضادة للالتهابات في الدماغ.
ومن خلال زيادة عدد الخلايا المنظمة في الدماغ، تمكن الباحثون من منع موت أنسجة المخ في الفئران بعد الإصابة، كما زادت أيضاً من أداء الفئران في الاختبارات المعرفية.
وللعلاج إمكانية عالية للاستخدام عند المرضى الذين يعانون من إصابات الدماغ الرضحية، والذين لا يملكون إلا القليل للغاية من البدائل المتاحة لمنع التهاب الأعصاب الضار.
"الخلايا التائية المنظمة"
نشرت الطريقة الجديدة في دورية "نيتشر: المناعة"، وأنتج الباحثون نظاماً لزيادة عدد الخلايا المناعية المتخصصة المضادة للالتهابات داخل الدماغ على وجه التحديد، لتقييد التهابات وتلف الدماغ.
وتُعد إصابات الدماغ الرضحية مثل تلك التي تحدث أثناء حادث سيارة أو السقوط، سبباً لوفاة مئات آلاف الأشخاص في جميع أنحاء العالم، كما يمكن أن تسبب ضعفاً إدراكياً طويل الأمد وخرفاً لدى الأشخاص الناجين.
والسبب الرئيس لهذا الضعف الإدراكي هو الاستجابة الالتهابية للإصابة مع تورم الدماغ الذي يسبب تلفاً دائماً.
وفي حين أن الالتهاب في أجزاء أخرى من الجسم يمكن معالجته، إلا أنه يمثل مشكلة في الدماغ بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي، والذي يمنع جزيئات الأدوية الشائعة المضادة للالتهابات من الوصول إلى موقع الصدمة.
وتمتلك أجسامنا استجابتها الخاصة المضادة للالتهابات، والخلايا التائية المنظمة، والتي لديها القدرة على التعرف على الالتهاب وإنتاج مزيج من مضادات الالتهاب الطبيعية.
لكن ولسوء الحظ، يوجد عدد قليل جداً من هذه الخلايا التائية التنظيمية في الدماغ، لذلك لا تتمكن من محاربة الالتهابات الناجمة عن الإصابات الرضحية.
وسعى الباحثون لتصميم علاج جديد لزيادة عدد الخلايا التائية التنظيمية في الدماغ، حتى تتمكن من إدارة الالتهاب وتقليل الضرر الناجم عن الإصابات الرضحية.
ووجد فريق البحث أن أعداد الخلايا التائية التنظيمية كانت منخفضة في الدماغ بسبب محدودية الإمداد بجزيء حيوي يُسمى "إنترلوكين 2" الذي تكون مستوياته في الدماغ منخفضة مقارنة ببقية الجسم لأنها لا تستطيع عبور الحاجز الدموي الدماغي.
وابتكر الفريق نهجاً علاجياً جديداً يسمح لخلايا الدماغ بإنتاج المزيد من ذلك الجزيء، وبالتالي خلق الظروف التي تحتاجها الخلايا التائية التنظيمية للبقاء على قيد الحياة.
وتم استخدام نظام يُسمى "توصيل الجينات" والذي يعتمد على ناقل فيروسي يمكنه عبور حاجز دموي سليم في الدماغ وتوصيل الحمض النووي اللازم للدماغ لإنتاج المزيد من إنتاج "إنترلوكين 2".
ويقول الباحثون إن الحاجز الدموي الدماغي ظل لسنوات عقبة لا يمكن التغلب عليها لإيصال المستحضرات الحيوية إلى الدماغ بكفاءة.
تجارب على الفئران
ويثبت ذلك العمل أن استخدام تقنيات النواقل الفيروسية من الممكن، في ظل ظروف معينة، أن ينجح في اختراق الحاجز الدموي الدماغي وفي الوقت نفسه يعمل على منع تسرب العلاجات إلى باقي الجسم.
والعلاج الجديد قادر على تعزيز مستويات جزيء "إنترلوكين 2" في الدماغ لدرجة أن أعدادها وصلت لنفس المستويات الموجودة في الدم، وهو ما سمح لعدد الخلايا التائية التنظيمية بالتراكم في الدماغ بما يصل إلى 10 أضعاف أعلى من الطبيعي.
ولاختبار فعالية العلاج في نموذج فأر يشبه إلى حد كبير حوادث إصابات الدماغ الرضحية، أعطيت الفئران تأثيرات دماغية محكومة بعناية ثم عولجت بذلك النظام.
ووجد العلماء أن العلاج كان فعالاً في تقليل مقدار تلف الدماغ بعد الإصابة، كما عزز قدرة الفئران على الأداء في الاختبارات المعرفية.
وقال الباحثون إنهم تمكنوا "من رؤية نتائج هذا العلاج على الفور في أدمغة الفئران، إذ قلت فوراً حجم الإصابة الدماغية".
وإدراكاً للإمكانات الأوسع لنظام قادر على التحكم في التهاب الدماغ، اختبر الباحثون فعالية هذا النهج في نماذج الفئران التجريبية للتصلب المتعدد والسكتة الدماغية.
وفي نموذج التصلب المتعدد، خفف النظام من آثار ذلك المرض، كما أظهر العلاج أيضاً فعالية في منع التدهور المعرفي لدى الفئران المُسنة.
تقليل المخاطر
وتمت حماية الفئران التي عولجت بذلك النظام بعد السكتة الدماغية الأولية، من الإصابة بالسكتات الدماغية الثانوية التي تحدث بعد أسبوعين.
ومن خلال فهم الاستجابة المناعية في الدماغ والتلاعب بها، تمكن الفريق من تطوير نظام يُمكن استخدامه كعلاج محتمل للالتهاب العصبي.
ومع إصابة عشرات الملايين من الأشخاص كل عام، وقلة خيارات العلاج، فإن لهذا النظام إمكانات حقيقية لمساعدة المحتاجين.
ويأمل الباحثون أن يدخل هذا النظام قريباً في التجارب السريرية، وهو أمر ضروري لاختبار ما إذا كان العلاج يعمل أيضاً مع المرضى.
اقرأ أيضاً: