"أصل كورونا" يزداد تعقيداً بعد عامٍ على بدء انتشار الجائحة

time reading iconدقائق القراءة - 8
زوار يحضرون معرضاً حول مكافحة فيروس كورونا في مركز مؤتمرات ووهان، مقاطعة هوبي، الصين، 31 ديسمبر 2020 - REUTERS
زوار يحضرون معرضاً حول مكافحة فيروس كورونا في مركز مؤتمرات ووهان، مقاطعة هوبي، الصين، 31 ديسمبر 2020 - REUTERS
شنغهاي (الصين) -أ ف ب

منذ الهلع الذي عمّ الصين في البداية، ومن ثم الإفصاح ومشاركة المعلومات، وصولاً إلى اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لحكومة بكين بتعمد إخفاء المعلومات حول الفيروس، ما أدى لاستحالته جائحة وأزمة صحية عالمية، لا زالت حقيقة نشأة الفيروس لغزاً يحير العالم حتى اليوم.

أعلنت بكين في 11 يناير 2020، بعد يومين على الوقائع، تسجيل أول وفاة معروفة بفيروس كورونا المستجد، وهي لرجل في سن 61 عاماً، كان يتردد باستمرار على أحد أسواق مدينة ووهان التي تضم 11 مليون نسمة في وسط الصين.

وبعد وفاة الرجل الذي لا يزال اسمه مجهولاً حتى اليوم، سجل ما يقرب من 1.9 مليون وفاة أخرى حول العالم في غضون عام واحد.

مهد الفيروس

ورغم أن الوباء ظهر للمرة الأولى نهاية 2019 في سوق هوانان الواسع في ووهان، حيث كانت تُباع حيوانات برية حيّة، لا يمكن الجزم بالضرورة بأن هذا المكان يشكّل مهد الفيروس الفتّاك.

ويعود ذلك إلى أن الفيروس يحتاج وقتاً طويلاً، ليتحول بدرجة تتيح له التفشي بسرعة، بحسب عالم الأوبئة في جامعة جورجتاون في واشنطن، دانيال لوسي.

وبالتالي، فإن الانتقال السريع للعدوى إثر الإبلاغ عن أولى الإصابات في ديسمبر 2019، يعني أن انتشاره بدأ قبل ذلك بفترة طويلة.

وأوضح لوسي أنه "من المستبعد تماماً" أن يكون الفيروس نشأ في سوق ووهان، مضيفاً: "هو ظهر طبيعياً قبل أشهر عدة، ربما قبل سنة أو حتى أكثر".

فرضيات مختلفة

لكن المشكلة الأساسية تكمن في محاولة السلطات الصينية الترويج لفرضية غير مدعّمة بالوثائق عن دخول الوباء إلى الصين من الخارج، مدفوعة بحرصها على التنصل من أي مسؤولية في نشوء الفيروس.

وقالت بكين إن آثار الفيروس اكتُشفت في مياه الصرف الصحي في إيطاليا والبرازيل، قبل ظهور المرض في ووهان. غير أن هذه التحاليل لا تثبت شيئاً من ناحية تحديد أصل الفيروس، وفق خبراء.

ومنذ يناير 2020، يحدد الباحثون الصينيون أنفسهم سوق ووهان على أنه مصدر الجائحة، رغم وجود دراسات سابقة كشفت أنه لا صلة لبعض من أوائل المصابين بالفيروس بهذا الموقع.

وأعلنت السلطات الصينية الحجر الصحي في ووهان في 23 يناير، ثم في كامل مقاطعة هوبي، ما ألزم أكثر من 50 مليون نسمة منازلهم.

تبديل الروايات

وفي مارس، بدأت السلطات تبدّل روايتها الرسمية، إذ أوضح رئيس هيئات مكافحة الأوبئة في الصين، غاو فو، أن السوق في ووهان ليس مصدر الفيروس بل "ضحية" له وموقع انكشاف الحالات، فيما المنشأ في مكان آخر.

ومنذ ذلك الوقت، لم تُدلِ بكين بأي تفسير مقنع عن أصل الفيروس مع الاكتفاء بقلة من المعلومات بشأن العيّنات المسحوبة من ووهان.

أما الخبراء الأجانب فامتنّعوا عن اتخاذ مواقف حاسمة في الموضوع. وأعيقت في اللحظات الأخيرة مهمة فريق من منظمة الصحة العالمية، كان يُفترض وصوله الأسبوع الماضي إلى الصين، بعدما قالت بكين إنها لا تزال تتفاوض مع المنظمة بشأن سير المهمة.

تحديد الأصل

وينال تحديد أصل الفيروس أهمية كبرى في الوقاية من إعادة ظهور جائحة جديدة، إذ يتيح ذلك توجيه الجهود الوقائية نحو أجناس حيوانية محددة ومنع صيدها أو تربيتها وتفادي التفاعلات مع البشر.

وقال بيتر داشاك، رئيس منظمة "إكوهيلث ألاينس" الأميركية المتخصصة في الوقاية من الأمراض: "إذا ما توصلنا إلى فهم سبب ظهور الأوبئة سنتمكن من محاربة الوسائط الناقلة لها".

ولقي دور الصين العلمي البحت إشادة دولية في البداية، بعدما سارعت إلى الإعلان عن ظهور الفيروس، خلافاً للضبابية التي تعاملت بها مع وباء "سارس" (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) في 2002 و2003.

فوضى وهلع

وأقرت عالمة الأحياء ديانا بل، من جامعة إيست أنغليا البريطانية، بأن الصين "أظهرت انفتاحاً نسبياً". لكن في خضم فوضى ووهان في مطلع 2020، قد تكون آثار فيروسية طُمست أو نُقلت ما يزيد المعضلة تعقيداً.

وأوضح داشاك: "لا شيء مفاجئاً في ذلك. كل جائحة تحصل بالطريقة عينها، وسط الفوضى والهلع".

من الجهة السياسية، يحاذر نظام الرئيس الصيني شي جين بينغ من الخوض في تفاصيل مجريات الأسابيع الأولى من الجائحة، بعد انتقادات طاولته حينها، بسبب محاولات كمّ أفواه الأطباء الذين سعوا للتحذير من خطورة الفيروس منذ ديسمبر 2019.

ومن هؤلاء، اتهمت الشرطة الطبيب لي وينليانغ بـ"الترويج لشائعات"، لكنه توفي جراء كوفيد-19 في السابع من فبراير 2020 داخل مستشفى في ووهان. وأثارت وفاته غضباً عارماً ضد النظام الصيني عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

منقذ الإنسانية

لكن مع سيطرتها على الجائحة في الربيع الماضي، باتت بكين تطرح نفسها منقذاً للإنسانية من خلال عرض لقاحاتها للبلدان الفقيرة بوصفها منتجات لـ"الخير العام العالمي".

وفي نهاية ديسمبر، حكم القضاء الصيني بالسجن أربع سنوات بحق مواطنة صحافية، غطت مجريات الإغلاق العام في ووهان.

من جهة أخرى، أسهم موقف الإدارة الأميركية في ثني السلطات الصينية عن تشارك معارفها حول الفيروس، بحسب بيتر داشاك الذي يأمل كسراً للجليد بين الجانبين مع مغادرة ترمب البيت الأبيض في الأيام المقبلة.

وأجج موقف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته التنافر بين البلدين من خلال حديثه عن فيروس صيني وتلميحه إلى إمكان أن يكون نتج عن تسرب من مختبر لعلم الفيروسات في ووهان، وهي فرضية استبعدها العلماء.

ويشير الخبراء إلى أن العدوى انتقلت من الخفاش، لكنهم لا يزالون يجهلون أياً من الحيوانات الأخرى أدى دور الوسيط لنقل العدوى إلى الإنسان.

أدلة صلبة

وأبدى داشاك "قناعة بأننا سنحدد في نهاية المطاف نوع الخفافيش التي نقلت الفيروس ومسار العدوى المرجح"، لافتاً إلى أنه "لن يكون لدينا يوماً يقين تام لكننا سنحوز بالتأكيد أدلة صلبة".

غير أن تحديد الجنس الحيواني المسؤول عن نقل العدوى أمر ثانوي برأي ديانا، مبينةً أن "المصدر قلما يهمّ، يجب ببساطة وضع حد لهذا المزيج المشؤوم من الأجناس في الأسواق. يجب وقف الاتجار بالحيوانات البرية المعدة للاستهلاك الغذائي".