منذ أن أوقفت الصين في ديسمبر الماضي العمل بسياسية "صفر كورونا" الصارمة لمنع انتشار الجائحة، ارتفعت حالات الإصابة بشكل متزايد في البلاد، ما أثار مخاوف دولية من ظهور سلالات متحورة جديدة خطيرة من الفيروس.
وأعلنت الهند الخميس، رصد 11 متحوراً من كورونا لدى مسافرين وصلوا إلى البلاد خلال الفترة من 24 ديسمبر الماضي إلى الثالث من يناير الجاري، موضحة أنها مزيج من سلالات جديدة وأخرى موجودة بالفعل.
وجميع السلالات المتحورة التي تم اكتشافها سلالات فرعية للمتحور أوميكرون، بما في ذلك السلالة الفرعية "بي.أيه.5.2" وسلالة فرعية من المتحور الفرعي "بي.إف.7" وهو المحرك الأساسي للتفشي الذي تشهده الصين في الآونة الأخيرة.
فهل من المرجح أن يفضي ارتفاع معدلات الإصابة إلى انتشار متحورات قوية من الصين أو البلدان الأخرى التي لديها عدد كبير من الحالات، مثل الولايات المتحدة؟
وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن علماء الأوبئة يرون أن فرص حدوث هذا السيناريو تبقى منخفضة، غير أنهم حذروا من أن الافتقار إلى الشفافية في بعض البلدان التي ينتشر فيها الفيروس يمكن أن يعيق الاكتشاف المبكر للمتحورات.
ماذا نعرف عن المتحورات في الصين؟
وأعلنت "المبادرة العالمية لتبادل جميع بيانات الإنفلونزا" (GISAID) التي توفر بيانات مفتوحة عن تطور السلالات الجينية لفيروس كورونا تسمح للعلماء بتتبعه أثناء تحوره، في آخر تحديث لها الثلاثاء، أن العينات التي تم تحميلها إلى قاعدة بياناتها "كلها تشبه إلى حد كبير المتحورات المنتشرة بالفعل عالمياً، والتي رُصدت في أجزاء مختلفة من العالم بين يوليو وديسمبر 2022".
وخلص تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، إلى نتيجة مماثلة. وجاء فيه أنه "لم يتم تسجيل أي متحورات أو سلالات جديدة مثيرة للاهتمام في البيانات المتاحة".
وهذا يعني أن المتحورات الجديدة التي رُصدت في الصين حتى الآن تبقى خاضعة للمراقبة، ولا تشكل مصدراً للقلق.
وهناك في أنحاء العالم حالياً مئات من متحورات كورونا، لكن عدداً قليلاً منها يثير القلق وتجري مراقبته ورصده.
وتصنف منظمة الصحة العالمية متحورات فيروس كورونا -سارس-2 حسب خطورتها وفق 3 مستويات: "متحوّرات مثيرة للقلق/ متحورات مثيرة للاهتمام/ ومتحورات خاضعة للرصد".
وأعلنت المنظمة أن تفشي كوفيد-19 في الصين خلال الآونة الأخيرة ناجم في الغالب عن متحوري "أوميكرون بي.إيه.5.2" و"بي.إف.7"، وأن المتحورين معاً تسببا في 97.5% من جميع الإصابات المحلية.
ولفتت إلى أن "البيانات تستند إلى تحليل المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، لأكثر من ألفي شفرة جينوم بشري".
لماذا تُفرض قيود على المسافرين من الصين؟
وبالرغم من ذلك، فقد أقرّت دول عدة حول العالم قيوداً صحية على القادمين من الصين بسبب فيروس كورونا، وسط مخاوف من إمكانية ظهور متحورات جديدة خطيرة.
كما شجّع الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء بـ"شدة" على فرض اختبار "كوفيد"، تكون نتيجته سلبية ولا تقل مدتها عن 48 ساعة، على المسافرين الوافدين من الصين، بحسب اتفاق تم التوصل إليه، الأربعاء، بين الأعضاء الـ27.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن مسؤول أوروبي كبير القول إن "القرار كان سياسياً"، مضيفاً أن "الحكومات الغربية ترغب في أن تظهر وكأنها تحاول حماية شعوبها".
بدوره، أكد بيتر بوجنر الرئيس التنفيذي لمبادرة Gisaid، أن التركيز فقط على الحصول على البيانات الأخيرة من الصين "خطأ فادح"، مشيراً إلى أن "المتحورات الجديدة المثيرة للاهتمام يمكن أن تظهر في أي مكان حول العالم".
وأوضح بوجنز لـ"فاينانشال تايمز"، أن "الصين تكثّفي يجهودها لإتاحة المزيد من البيانات حول المتحورات المنتشرة، لذا فإن تركيزنا على جهود الرصد العلمي في آسيا يزداد يوماً بعد يوم. لأنه من الجيد دائماً الوثوق في (تقارير) العلوم أكثر من السياسة".
من أي تأتي المتحورات الجديدة؟
لا يعد ظهور المتحورات مفاجئاً بحد ذاته، فهذه عملية طبيعية، إذ يكتسب الفيروس طفرات بمرور الوقت لضمان بقائه.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن "جميع الفيروسات، بما في ذلك "سارس-كوف-2" تتغير بمرور الوقت، وهذا يؤدي لظهور متحورات جديدة معظمها ليس له تأثير من ناحية الصحة العامة". وكل شيء يتوقف على الطفرات التي تحملها.
وتخضع الفيروسات لطفرات جينية أثناء تكاثرها داخل مضيفها. ويؤدي ذلك إلى بعض التغيرات على خصائص الفيروس، مثل مدى سهولة انتشاره، أو درجة وخامة المرض المرتبط به، أو أداء اللقاحات أو الأدوية العلاجية أو أدوات التشخيص أو غيرها من تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية.
وبحسب "فاينانشال تايمز"، فإن هناك "نظريات متضاربة بشأن المكان الذي تنشأ فيه المتحورات الجديدة بالضبط، لأنه من المستحيل تحديد المريض صفر الحقيقي، الناقل الأول للفيروس".
وتضيف الصحيفة أن "الرأي الأكثر شيوعاً بين علماء الفيروسات هو أن المتحورات المثيرة للاهتمام تنتج عن عدوى مزمنة في شخص يعاني من نقص المناعة، ولا يستطيع التخلص من الفيروس لعدة أشهر، ما يعطي الطفرات التي يحملها الفيروس وقتاً أطول للتطور في جسد المريض".
ولفتت إلى أن انتشار متحور معين مقارنة بمتحورات أخرى يعتمد على مستويات مناعة السكان، وهو ما يُقاس بمعدلات الإصابة السابقة ( توفر الإصابة بالفيروس للمتعافين فترات مختلفة من المناعة)، أو التطعيم ضد الفيروس.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن التقييم المقارن أظهر أن أحد متحورات الفيروس المسبب لمرض كورونا الذي يستوفي تعريف المتحور المثير للقلق يرتبط بتغيير واحد أو أكثر من التغييرات التالية بحسب درجة الأهمية بالنسبة للصحة العامة العالمية:
- زيادة قدرة الفيروس على الانتقال أو تغيير مضرّ في وبائيات كورونا
- أو زيادة في فوعة الفيروس (حدة الفيروس) أو تغيير في المظاهر السريرية للمرض
- أو انخفاض فعالية تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية أو وسائل التشخيص واللقاحات والعلاجات المتاحة
أي المتحورات أكثر انتشاراً خارج الصين؟
تسيطر سلالات المتحورات الفرعية لمتحور أوميكرون على معظم حالات الإصابة في العالم. في المقابل، فإن الفيروس الأصلي المسبب لكورونا "Sars-Cov-2 " والمتحورات الأولى التي ظهرت مثل "ألفا" اختفت، بحسب "فاينانشال تايمز".
ووفقاً للصحيفة، فإن أبرز المتحورات الفرعية لمتحور أميكرون التي تنتشر في العالم حالياً هو "أوميكرون إكس.بي.بي.1.5" شديد العدوى، والذي ظهر لأول مرة بالشمال الشرقي للولايات المتحدة في أكتوبر 2022 قبل أن ينتشر بكثافة.
وبحسب بيانات المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن سلالة "أوميكرون إكس.بي.بي.1.5" شكلت أكثر من 40% من حالات الإصابة في الولايات المتحدة، حتى الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي.
كما أن السلالة ذاتها من متحور أوميكرون تنتشر بوتيرة متسارعة في أوروبا، بحسب ما أفادت منظمة الصحة العالمية الأربعاء الماضي، فيما تم رصدها في أكثر من 25 دولة في العالم.
اقرأ أيضاً: