أظهرت دراسة حديثة أن الأشخاص المعرضون وراثياً للتسوس أو الأسنان المفقودة، أو الذين يحتاجون إلى أطقم أسنان، أكثر عرضة لأمراض الأوعية الدموية الدماغية الصامتة.
ووجد تحليل أجري على أكثر من 40 ألف بالغ أوروبي، أن سوء حالة الأسنان تؤثر على صحة الدماغ. كما أكد التحليل على نتائج الدراسات السابقة التي تقول إن أمراض الفم الوراثية أو المكتسبة، تزيد خطر الإصابة بالسكتات الدماغية.
وبحسب الدراسة التي ستُقدم في المؤتمر الدولي للسكتة الدماغية، والذي سيُعقد في الفترة بين 8 إلى 10 فبراير بمدينة "دالاس" الأميركية، قد يكون البالغون المعرضون وراثياً لسوء صحة الفم أكثر عرضة لإظهار علامات تدهور صحة الدماغ مقارنة بمن لديهم أسنان ولثة صحية.
ويقول الباحثون إن العلاج المبكر لسوء صحة الفم قد يؤدي إلى فوائد كبيرة لصحة الدماغ، إذ تقدم العناية بالأسنان واللثة فوائد تتجاوز صحة الفم.
وأوضحت الدراسات أن أمراض اللثة وفقدان الأسنان وعلامات أخرى على صحة الفم السيئة، بالإضافة إلى عادات تنظيف الأسنان السيئة وقلة إزالة البلاك، تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
ووفقاً لجمعية السكتات الدماغية الأميركية، فإن السكتة الدماغية هي السبب الخامس للوفاة والسبب الرئيسي للإعاقة في الولايات المتحدة.
ووجدت الأبحاث السابقة أيضاً أن أمراض اللثة ومخاوف أخرى تتعلق بصحة الفم، مرتبطة بعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب وحالات أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم.
ويقول زميل ما بعد الدكتوراة في علم الأعصاب بكلية الطب بجامعة ييل الأميركية، سيبريان ريفيير، وهو المؤلف الرئيسي لتلك الدراسة، إن صحة الدماغ تمثل مقياساً مستمراً يصف الحالة الوظيفية لدماغ الشخص.
وقال ريفيير لـ"الشرق"، إن الفريق "استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لمعرفة الفروق بين أدمغة الأشخاص الذين يُعانون من أمراض الفم والأصحاء".
عامل خطر
ويعلم الباحثون بالفعل أن صحة الفم السيئة تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، لكننا لم نكن نعرف ما إذا كانت تؤثر على صحة الدماغ.
ويقول ريفيير إن الدراسة مهمة بشكل خاص لأن عامل الخطر، صحة الفم السيئة، قابل للتعديل بسهولة "إذ يمكن للجميع تحسين صحة الفم بشكل فعال بأقل وقت واستثمار مالي".
وبين عامي 2014 و2021، قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل الارتباط المحتمل بين صحة الفم والدماغ بين حوالي 40 ألف بالغ، 46٪ منهم رجال، ومتوسط أعمارهم 57 عاماً، دون تاريخ من السكتة الدماغية المسجلين في البنك الحيوي بالمملكة المتحدة.
وتم فحص المشاركين بحثاً عن 105 من المتغيرات الجينية المعروفة بأنها تهيئ الأشخاص للإصابة بتجاويف الأسنان وفقدانها في وقت لاحق من الحياة، وتم تقييم العلاقة بين عبء عوامل الخطر الجينية وصحة الدماغ.
فرط المادة البيضاء
تم فحص علامات ضعف صحة الدماغ من خلال صور التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة المشاركين. وشمل الفحص فرط كثافة المادة البيضاء، والتي تُعرف بأنها تلف متراكم في المادة البيضاء بالدماغ، والتي قد تضعف الذاكرة والتوازن والحركة، والأضرار البنيوية المجهرية، وهي الدرجة التي تغيرت بها البنية الدقيقة للدماغ، مقارنة بالصور لفحص طبيعي للدماغ لشخص بالغ يتمتع بصحة جيدة من نفس العمر.
ووجد الباحثون في أدمغة مرضى الفم واللثة زيادة بنسبة 24٪ في كمية فرط كثافة المادة البيضاء، المرئية في صور التصوير بالرنين المغناطيسي، وهي عامل من العوامل التي تؤكد صحة الدماغ السيئة.
واكتشف الباحثون أن أولئك الذين يعانون من ضعف صحة الفم يُعانون أيضاً من الضرر اللاحق بالبنية الدقيقة للدماغ، بنسبة 43٪ في درجات الضرر البنائي المجهرية المرئية في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، ودرجات الضرر البنيوي المجهرية هي "ملخصات للدماغ" بالكامل، يُمكن استخدامها كمقياس للأضرار التي لحقت بالبنية الدقيقة لكل منطقة من مناطق الدماغ.
نظافة الفم
ومثلما تؤثر خيارات نمط الحياة الصحي على مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، فإنها تؤثر أيضاً على صحة الدماغ، والتي تشمل قدرة الفرد على تذكر الأشياء والتفكير بوضوح والعمل في الحياة.
ويصاب 3 من كل 5 أشخاص في الولايات المتحدة بأمراض الدماغ في حياتهم، وفقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن جمعية السكتات الدماغية الأميركية.
لكن هل يُمكن استخدام نتائج تلك الدراسة في عمل خطوط توجيهية جديدة أو توصيات لعلاج المرضى؟، يقول ريفيير إنه من السابق لأوانه القول كيف يمكن أن تغير نتائج تلك الدراسة مستقبل رعاية المرضى.
وأضاف: "تتمثل إحدى الخطوات التالية المهمة في تكرار هذه النتائج في مجموعات سكانية مختلفة، خاصة المجموعات من خلفيات عرقية وإثنية أخرى"، وإذا تم تأكيد هذا البحث فإن اتخاذ تدابير لتحسين صحة الفم يمكن أن يؤدي إلى فوائد كبيرة على مستوى السكان.
ويأمل ريفيير أيضاً أن تشجع تلك النتائج العمل البحثي المستقبلي بشأن تأثيرات صحة الفم على باقي أعضاء الجسم.
ويرى ريفيير أن الرسالة الأساسية هي "أننا بحاجة إلى أن نكون أكثر حرصاً في ما يتعلق بنظافة الفم لدينا لأن لها آثاراً تتجاوز الفم في كثير من الأحيان".