"الإجهاد الرقمي".. تحذير من خطر ناشئ يتمدد في أماكن العمل    

time reading iconدقائق القراءة - 5
طالبة يونانية تعمل على حاسب لوحي داخل منزلها في أثينا. 15 أكتوبر 2022 - REUTERS
طالبة يونانية تعمل على حاسب لوحي داخل منزلها في أثينا. 15 أكتوبر 2022 - REUTERS
باريس-أ ف ب

تشغل الأدوات الرقمية مساحة أكبر في أماكن العمل، إذ تؤدي دوراً مساعداً للموظفين بالقيام بمهامهم، لكنّها تحمل أيضاً مخاطر ما يطلق عليه "الإجهاد الرقمي"، حيث تشير دراسة حديثة إلى أن 31% من الموظفين يفرطون في الاتصال بهذه الخدمات.

وقال عالم الأوبئة والمدير العام السابق للصحة في فرنسا، وليام داب، خلال مؤتمر بعنوان "الضغط الرقمي.. خطر ناشئ"، إن "رسائل البريد الإلكتروني، وأدوات الاجتماعات عن بُعد، والرسائل الداخلية وسهولة الوصول إلى الإنترنت، جميعها قلبت حياتنا رأساً على عقب".

وأضاف داب: "يمكن الحديث عن الإجهاد الرقمي، عندما يتجاوز حجم المعلومات المتاحة التي يتعين علينا معالجتها، قدرتنا"، وهو موضوع "يأخذ مساحة متزايدة" تحت مسمّيات مختلفة بينها "الإغراق المعلوماتي" أو "المشقة الرقمية" أو "الضغط النفسي التقني".

وتساءل خلال هذه المداخلة المخصصة للصحة والسلامة في العمل: "هل يمكن لهذه الأدوات، أو بالأحرى هل يمكن لاستخدام هذه الأدوات أن تنقلب علينا؟".

بدوره، ذكر المحامي في شركة متخصصة بالأعمال في باريس، أدريان ديبريه: "ما أجده معقداً منذ وقت قريب نسبياً، ما بعد جائحة كوفيد وفترات الإغلاق، هو تكاثر القنوات، ما يعني أننا لم نعد نعرف مصدر" تدفق الرسائل، بين البريد الإلكتروني، وخدمات "Teams"، و"WhatsApp"، و"Zoom"، والرسائل النصية.

اتصال مُفرط 

ويرى عالم الأوبئة وليام داب، أن "الظاهرة المركزية هي الاتصال المفرط التي يمكن أن تؤدي إلى حمل ذهني زائد".

واعتبر أنها "حلقة مفرغة مع نوع من الضغط المستمر الذي يجعلنا ننتقل من مصدر معلومات إلى آخر"، إلى جانب الشعور في لحظة ما "بفقدان السيطرة"، ووضع من الضغط النفسي "يصل بشكله الأقصى إلى مرحلة الإنهاك المهني".

وقال داب: "كطبيب، أحلل هذا الأمر باعتباره شكلاً جديداً من أشكال الإدمان الذي ما زلنا نعرف القليل عن عواقبه، حتى لو كانت تبعات الإجهاد معروفة جيداً".

ولا تقتصر هذه التبعات على الجانب "الذهني"، فهذه العناصر مرتبطة "بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ومخاطر متعلقة بعملية التمثيل الغذائي"، فضلاً عن تأثيرات "مناعية".

كذلك، يقلل الضغط النفسي من الأداء المهني، وفيما فتحت الأدوات الرقمية "الباب أمام العمل عن بُعد، فإنها تضعنا أيضاً في حالة عزلة"، وفق داب الذي أضاف: "باختصار، يمكن لهذه الأدوات المفيدة جداً لنا أن تؤثر أيضاً على الصحة ونوعية الحياة في العمل".

ولتوضيح "البيانات القليلة" حول هذا الموضوع، يستشهد داب بدراسة أجريت من خلال تحليل رسائل البريد الإلكتروني لحوالي 9 آلاف شخص يتعرضون للإغراق المعلوماتي والتعاون الرقمي، بشكل مستمر لمدة عامين، ونُشرت نتائجها في منتصف مايو الجاري.

فقدان للكفاءة

ومن دون أن يدّعي القائمون على الدراسة احتواءها على قيمة إحصائية نظراً إلى العيّنة الصغيرة من الشركات (10)، فإنّ النتائج تُظهر أن 31% من الموظفين معرضون للاتصال المفرط من خلال إرسال رسائل إلكترونية بعد الساعة الثامنة مساء خلال أكثر من 50 ليلة في السنة (117 ليلة بالنسبة للمديرين).

إلى ذلك، يتم الرد على أكثر من 50% من رسائل البريد الإلكتروني في أقل من ساعة على تلقيها، وهذه الرسائل تولّد "الكثير من الضوضاء الرقمية"، إذ أن 25% من الرسائل التي يتلقاها الموظفون لا تكون موجهة إليهم شخصياً بل مرسلة عبر خاصية "الرد على الكل".

وقاست الدراسة أيضاً فترات "التركيز الكامل" (ساعة واحدة من دون إرسال رسائل بريد إلكتروني). على مستوى الإدارة، تبلغ نسبة هذه الفترات 11% فقط أسبوعياً (24% للمديرين و 42% للموظفين).

ويرى داب أن هذا الأمر يعني فقداناً "للكفاءة وعمق التحليل"، مضيفاً "قد نكون وصلنا إلى عتبة السُمية"، لكن "لا يزال بالإمكان التصرف" في هذه الحالات، وفق ما يؤكد اختصاصي علم الأوبئة، من خلال حصر المعلومات بـ"ما هو ضروري حقاً"، عن طريق "إبقاء الشاشة مغلقة في أوقات معينة" أو حتى عن طريق الأنشطة البدنية أو الاسترخاء.

ويكمن الهدف في نهاية المطاف في "عدم السماح للمرء بأن يرهن نفسه كما يحصل مع متعاطي المخدرات الصلبة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات