روسيا.. تشكيك في لقاح كورونا وعيادات فارغة

time reading iconدقائق القراءة - 9
عاملة طبية تتلقى لقاح "سبوتنيك في" بمنطقة تفير الروسية - 12 أكتوبر 2020 - REUTERS
عاملة طبية تتلقى لقاح "سبوتنيك في" بمنطقة تفير الروسية - 12 أكتوبر 2020 - REUTERS
موسكو- وكالات

أفادت وكالة "أسوشيتد برس" بوجود استجابة متباينة للقاح الروسي الصنع، لعلاج فيروس كورونا، إذ أشارت تقارير إلى عيادات فارغة في موسكو، قدّمت جرعات للعاملين في قطاع الرعاية الصحية والمدرّسين.

ووصف مسؤولون روس، ووسائل إعلام رسمية، لقاح "سبوتنيك في" بأنه إنجاز ضخم، بعد ترخيصه في 11 أغسطس، لكن روساً كانوا حذرين ومشكّكين، نتيجة مخاوف بشأن استعجال صنعه، فيما لا يزال في المرحلة الأخيرة من الاختبارات، لضمان فاعليته وسلامته.

وواجهت روسيا انتقادات دولية، لموافقتها على لقاح لم يستكمل الاختبارات المتقدمة على عشرات الآلاف من الأشخاص، وحذر خبراء، في روسيا وخارجها، من استخدامه على نطاق واسع، حتى إنجاز الدراسات بشأنه.

لكن السلطات بدأت تقديمه لفئات معرّضة للخطر، مثل العاملين الطبيين في الخطوط الأمامية، بعد أسابيع على ترخيصه، وقال ألكسندر غينتسبرغ، رئيس "معهد جماليا" الذي طوّر اللقاح، الأسبوع الماضي، إن أكثر من 150 ألف روسي حصلوا عليه.

"لا ثقة مطلقة بعد"

الدكتور ألكسندر زاتسيبين، اختصاصي في وحدة العناية الفائقة في مدينة تبعد 500 كيلومتر جنوب موسكو، والذي تلقى اللقاح في أكتوبر الماضي. قال: "عملنا مع مرضى كورونا منذ مارس، وكل يوم عندما نعود إلى المنزل، نشعر بقلق من إصابة أفراد عائلتنا. لذلك عندما ظهرت فرصة لحمايتهم وحمايتي، اعتقدت بوجوب استغلالها".

واستدرك أنه لا يزال يتخذ الاحتياطات اللازمة، لأن الدراسات بشأن فاعلية اللقاح لم تنتهِ بعد، مضيفاً: "ليست هناك ثقة مطلقة بعد".

وبعدما أعلنت بريطانيا، في 2 ديسمبر، الترخيص للقاح طوّرته شركتا "فايزر" و"بايونتيك"، أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سلطات بلاده ببدء حملة تلقيح واسعة.

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن روسيا رخصت لقاحها بعد اختباره على عشرات الأفراد فقط، واعتبرته "الأول في العالم" في هذا الصدد، وأُطلِق عليه "سبوتنيك في"، في إشارة إلى إطلاق الاتحاد السوفياتي عام 1957 أول قمر اصطناعي في العالم، خلال الحرب الباردة.

2.7 مليون إصابة

وسجّلت روسيا أكثر من 2.7 مليون إصابة بالفيروس، وأكثر من 49 ألف وفاة.

وفي 2 ديسمبر، أشار بوتين إلى أن موسكو تستهدف "صنع أكثر من مليونَي جرعة خلال أيام"، على الرغم من أن هذا الرقم محدود، بالنسبة إلى بلد يقطنه 146 مليون نسمة.

ووسّعت موسكو فوراً قاعدة المؤهلين لتلقي اللقاح، علماً بأن الجرعات مجانية لجميع العاملين في القطاعَين، الطبي والتعليمي، الحكومي والخاص، والعاملين الاجتماعيين والبلديين، وعمال التجزئة والخدمات، والعاملين في الفنون.

وأعلنت "وكالة الأدوية الأوروبية" أنها لم تتلقَ طلباً من صانعي اللقاح، لدراسة ترخيصه كي يُستخدم في الاتحاد الأوروبي، لكن هؤلاء شاركوا بيانات خاصة به مع "منظمة الصحة العالمية"، التي لا ترخّص عادة للقاحات، بل تنتظر من الهيئات التنظيمية أن تؤدي دورها أولاً في هذا الصدد.

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى معلومات تفيد بدراسة اللقاح الروسي، لاستخدامه في جهد عالمي تقوده منظمة الصحة العالمية لتوزيع لقاحات كورونا على البلدان الفقيرة.

وعكس المملكة المتحدة، حيث تُخصّص الجرعات الأولى من اللقاح للمسنّين، سيشمل "سبوتنيك في" الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً، والذين لا يعانون من أمراض مزمنة، كما تُستثنى الحوامل والمرضعات.

بوتين لا يستعجل تلقي اللقاح

وذكر بوتين (68 عاماً)، الخميس، أن "اللقاحات لم تصل بعد إلى أشخاص مثلي"، في إشارة إلى أن عمره يتجاوز 60 عاماً. واستدرك: "سأفعل ذلك بالتأكيد، في أقرب وقت".

لكن وكالة "بلومبرغ" أفادت بأن التلفزيون الروسي بثّ تسجيلات لمسؤولين بارزين يتجاوزون العمر المحدد، بينهم وزير الدفاع، سيرغي شويغو (65 عاماً)، والزعيم القومي، فلاديمير جيرينوفسكي (74 عاماً)، وهم يتلقون اللقاح.

وذكرت "أسوشيتد برس" أن مطوّري اللقاح الروسي أفادوا بأن بيانات الدراسة تشير إلى أنه كان فعالاً بنسبة 91%، في استنتاج يستند إلى 78 إصابة بين نحو 23 ألف مشارك.

وقالت جودي تويغ، أستاذ العلوم السياسية في "جامعة فيرجينيا كومنولث"، والمتخصصة في الصحة العالمية: "لست قلقة كثيراً بشأن كون سبوتنيك في غير آمن، أو أقلّ فاعلية ممّا نحتاجه. أنا قلقة بشأن ما إذا كان الناس سيكونون مستعدين لتلقيه في روسيا أم لا".

تشكيك لدى معظم الروس

وأظهر استطلاع للرأي أعدّه "مركز ليفادا"، أبرز معهد مستقل في روسيا، في أكتوبر، أن 59% من الروس لا يرغبون في الحصول على اللقاح، ولو مجاناً.

وقال عالم الاجتماع دنيس فولكوف، نائب مدير المركز، إن المشاركين استشهدوا بتجارب سريرية غير مكتملة، معتبرين أن اللقاح لا يزال "خاماً"، كذلك شكّكوا في كون روسيا أول دولة تنتج لقاحاً، فيما تجتهد دول أخرى لإنجاز ذلك.

وأفادت "أسوشيتد برس" بأن عاملين طبيين ومدرّسين أبلغوها شكوكهم بشأن اللقاح، إذ لم يُختبر بشكل كامل، ونقلت عن الدكتورة يكاترينا كاسيانوفا، من منطقة كيميروفو بسيبيريا، قولها إنها لا تثق باللقاح، ونصحت والدتها، وهي مدرّسة، بعدم تلقيه أيضاً، وأضافت: "صُنع اللقاح قبل أشهر... الآثار الجانبية بعيدة المدى ليست معروفة، ولم تُثبَت فاعليته".

كذلك قالت جميليا كرياجيفا، وهي مدرّسة في كراسنوغورسك قرب موسكو: "لا أنوي إجراء تجربة على جسدي، لديّ 3 أطفال".

في المقابل، كان القرار سهلاً بالنسبة لآخرين، مثل الدكتورة مارينا بيشركينا، اختصاصية في الأمراض المعدية في مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، وتلقت جرعة في أكتوبر، نتيجة عملها اليومي مع مرضى كورونا. وقالت: "يموت الناس هنا كل يوم، نحمل جثثاً كل يوم، ما الذي يجب التفكير فيه؟".

عيادات فارغة

وقال رئيس بلدية موسكو، سيرغي سوبيانين، إن نحو 15 ألف شخص تلقوا اللقاح، منذ بدء التطعيم في 5 ديسمبر، لكن تقارير إعلامية بشأن الأيام الأولى للحملة في موسكو، أظهرت عيادات فارغة، وعاملين طبيين يقدّمون جرعات لأي شخص يدخلها، وحدث ذلك أحياناً لضرورة تخزين اللقاح في درجة حرارة 18 تحت الصفر، علماً بأن كل قارورة تحتوي على 5 جرعات، وبمجرد إذابة الثلج، يجب التطعيم خلال ساعتين، أو التخلّص من الجرعة.

وبدا أن بدء التطعيم خارج موسكو والمنطقة المحيطة بها، كان أبطأ بكثير، إذ أعلن وزير الصحة، ميخائيل موراشكو، أن كل المناطق بدأت حملة التطعيم في 15 ديسمبر.

وأشارت تقارير إعلامية إلى مشكلات محتملة في توسيع نطاق تصنيع اللقاح وتوزيعه، كما أن التخزين والنقل، في درجات حرارة منخفضة، يجعلان التنقل في بلاد شاسعة صعباً.

وأشار عاملون طبيون في سيبيريا، تلقوا اللقاح، إلى إصابتهم بكورونا لاحقاً. وبرّر مسؤولون صحيون الأمر بأن الوقت لم يكن كافياً لهؤلاء، كي يطوّروا أجساماً مضادة.

وأثبتت الدكتورة يفغينيا أليكسييفا، في مدينة تومسك السيبيرية، إصابتها بالفيروس بعد 12 يوماً على تلقيها جرعة ثانية من اللقاح.

وقالت إنها لم تُفاجأ بالنتيجة، التي لم تمسّ ثقتها باللقاح، وأضافت: "اللقاح لا يضمن عدم إصابة الشخص بالعدوى، بل يجب أن يحمينا من تطوير حالة خطرة" للإصابة بكورونا.