أعلنت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء الماضي، طوارئ صحية عالمية، على خلفية الانتشار المتزايد لفيروس جدري القرود في إفريقيا، محذّرة من أن الفيروس ربما ينتشر في نهاية المطاف عبر الحدود الدولية.
جاء إعلان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، بعد اجتماع لجنة الطوارئ في المنظمة التابعة للأمم المتحدة. كما أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا، حالة طوارئ صحية عامة، بسبب انتشار الفيروس في القارة، الثلاثاء.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إنها سجلت أكثر من 14 ألف إصابة و524 حالة وفاة في إفريقيا خلال العام الجاري 2024، وهو ما يتجاوز بالفعل أرقام العام الماضي.
وحتى الآن، سجلت أكثر من 96% من جميع حالات الإصابة والوفيات في دولة واحدة هي الكونغو. ويساور العلماء قلق إزاء انتشار سلالة جديدة من المرض هناك، ربما يمكنها أن تنتشر بسهولة أكبر بين الناس.
ما هو جدري القرود؟
اكتشف العلماء جدري القرود (Mpox)، المعروف أيضاً باسم monkeypox، لأول مرة في عام 1958، عندما حدثت حالات تفشي لمرض "شبيه بالجدري" بين القرود. حتى وقت قريب، رصدت معظم الحالات البشرية لدى أشخاص في وسط وغرب إفريقيا، كانوا على اتصال وثيق بحيوانات مصابة.
في عام 2022، تأكد انتشار الفيروس عن طريق ممارسة الجنس لأول مرة، وتفشي المرض في أكثر من 70 دولة حول العالم لم تبلغ سابقاً عن وجود جدري القرود.
وينتمي جدري القرود إلى نفس عائلة الفيروسات مثل الجدري، ولكنه يسبب أعراضاً أخف مثل الحمى والقشعريرة وآلام الجسم. والأشخاص الذين يعانون من حالات أكثر خطورة ربما تظهر لديهم تقرحات على الوجه واليدين والصدر والأعضاء التناسلية.
ماذا يحدث في إفريقيا؟
قفز عدد الحالات في إفريقيا بشكل كبير. في الأسبوع الماضي، إذ أفاد مركز السيطرة على الأمراض في إفريقيا، أن جدري القرود رُصد حتى الآن في 13 دولة إفريقية على الأقل. وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، قالت الوكالة إن الحالات ارتفعت بنسبة 160%، فيما زادت الوفيات بنسبة 19%.
في وقت سابق من العام الجاري، أبلغ علماء عن ظهور سلالة جديدة من جدري القردة في بلدة تعدين كونغولية يمكن أن تتسبب بوفاة ما يصل إلى 10% من المصابين، وربما تنتشر بسهولة أكبر.
وبخلاف موجات تفشي سابقة لمرض جدري القرود، لوحظ فيها غالباً ظهور تقرحات على الصدر واليدين والقدمين في المصابين، فإن السلالة الجديدة تسبب أعراضاً أخف وتقرحات على الأعضاء التناسلية. وهذا يجعل من الصعب اكتشافه، ما يعني أن المصابين ربما يصيبون أشخاصاً آخرين بالعدوى أيضاً دون أن يعرفوا أنهم مصابون.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إن جدري القرود اكتشف مؤخراً لأول مرة في أربع دول في شرق إفريقيا، هي بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا. وكل حالات التفشي كانت مرتبطة بالانتشار في الكونغو.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن ثمة مخاوف بشأن انتشار المرض بشكل أكبر داخل إفريقيا وخارجها.
في كوت ديفوار وجنوب إفريقيا، أبلغت السلطات الصحية عن تفشي سلالات مختلفة وأقل خطورة من جدري القردة، انتشرت في جميع أنحاء العالم في عام 2022.
ماذا يعني إعلان حالة الطوارئ؟
يهدف إعلان الطوارئ الصادر عن منظمة الصحة العالمية، إلى حض الوكالات المانحة، والدول على العمل لمواجهة مرض ما، لكن الاستجابة العالمية لإعلانات سابقة كانت مختلطة.
وقال المدير العام لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا، جان كاسيا، إن إعلان الوكالة حالة طوارئ صحية عامة، كان يهدف إلى "حشد مؤسساتنا وإرادتنا الجماعية ومواردنا للتصرف بسرعة وحسم". وناشد شركاء إفريقيا الدوليين المساعدة، قائلاً إن ارتفاع عدد حالات الإصابة في إفريقيا يجري تجاهله إلى حد كبير.
من جهته، قال مايكل ماركس، أستاذ الطب في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "من الواضح أن استراتيجيات السيطرة الحالية لا تعمل وهناك حاجة واضحة لمزيد من الموارد"، مضيفاً: "إذا كان (إعلان حالة الطوارئ العالمية) هو الآلية لإطلاق هذه الأمور، فهو مبرر".
ما المختلف في تفشي المرض الحالي؟
وخلال تفشي مرض جدري القرود العالمي في عام 2022، شكل الرجال المثليون ومزدوجو الجنس الغالبية العظمى من حالات التفشي، وانتشر الفيروس في الغالب من خلال حالات اتصال وثيق، تشمل العلاقة الجنسية.
وعلى الرغم من ملاحظة بعض الأنماط المماثلة في إفريقيا، فإن الأطفال دون سن 15 عاماً يشكلون الآن أكثر من 70% من حالات الإصابة بجدري القرود، و85% من الوفيات في الكونغو.
وقال مديرو منظمة الصحة العالمية، قبل اجتماعه الطارئ، إن المسؤولين يتعاملون مع العديد من حالات تفشي جدري القرود في بلدان مختلفة "بطرق مختلفة للانتقال ومستويات مختلفة من المخاطر"، مشدداً على أن "وقف موجة التفشي سيتطلب استجابة مفصلة وشاملة".
بدوره، قال طارق جاساريفيتش المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية في مقابلة مع تليفزيون "الشرق" الخميس، إن هناك فئة من جدري القرود تنتشر بشكل سريع، لافتاً إلى أن هناك الكثير من الإصابات بين الأطفال بينما لا تزال الأسباب غير معروفة بعد.
وأوضح جاساريفيتش أن جدري القرود ينتقل عبر التقارب الجسدي، ولا يوجد علاج خاص له حتى الآن، ولكن هناك رعاية خاصة للمصابين، مشيراً إلى أن التطعيمات الحالية يمكن أن تمنع تفاقم الإصابة وتداعياتها. وقال إن هناك "آليات موجودة حالياً للوصول إلى التطعيمات، ولدينا أدوات لتحديد الفيروس ومساره، وذلك لوقف انتشاره، لكننا نأمل أيضاً أن يساعد إعلان حالة الطوارئ في اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الحكومات".
وشدّد المتحدث باسم المنظمة على ضرورة إتاحة اللقاحات وإجراء الفحوصات ليتم عزل المصابين، وأضاف "يجب أن تكون لدينا فحوصات متاحة لتحديد تسلسل تطور الفيروس، إذ نشهد أوسع انتشار لجدري القرود مقارنة بالسنوات الماضية، ونعمل ما بوسعنا لتقليل الإصابات، وحالة الطوارئ التي أعلناها تساعد في منع انتشار الوباء".
كيف يمكن إيقاف جدري القردة؟
توقف انتشار جدري القرود في عام 2022 في عشرات البلدان إلى حد كبير باستخدام لقاحات وعلاجات في البلدان الغنية، بالإضافة إلى إقناع الناس بتجنب السلوكيات المحفوفة بالمخاطر. ولكن لم تتوفر سوى القليل من اللقاحات أو العلاجات في إفريقيا.
في هذا السياق، قال مايكل ماركس، أستاذ الطب في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، إن اللقاحات من المرجح أن تساعد، بما في ذلك تطعيم الناس ضد الجدري، وهو فيروس مرتبط.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى إمدادات كبيرة من اللقاح حتى نتمكن من تطعيم السكان الأكثر عرضة للخطر"، لافتاً إلى أن هذا يعني العاملات في مجال الجنس والأطفال، والبالغين الذين يعيشون في مناطق تفشي المرض.
وقالت الكونغو، إنها تجري محادثات مع المانحين بشأن تبرعات محتملة باللقاحات، وحصلت على بعض المساعدات المالية من بريطانيا والولايات المتحدة.
كما أفرجت منظمة الصحة العالمية بالفعل عن 1.45 مليون دولار من صندوق الطوارئ لدعم الاستجابة لجدري القرود في إفريقيا، لكنها قالت إنها بحاجة إلى 15 مليون دولار مبدئياً، لتمويل هذه الاستجابة.