قصة رجل وضع باكستان في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث القوة النووية

time reading iconدقائق القراءة - 6
تكريم عبد القدير خان كأفضل عالم متخصص في الأبحاث النووية بإسلام أباد - Reuters
تكريم عبد القدير خان كأفضل عالم متخصص في الأبحاث النووية بإسلام أباد - Reuters
دبي -رامي زين الدين

عندما نفذت الهند أول اختبار نووي عام 1974، كان الشاب الباكستاني عبد القدير خان يعمل كمهندس معادن في مركز لتخصيب اليورانيوم في هولندا.

أثار ذلك النزعة القومية لدى خان، فعقد العزم على امتلاك بلاده سلاحاً مماثلاً لما يملكه الجار الغريم، وهو ما حدث لاحقاً بفضله. وبعد قرابة خمسة عقود، يرجّح خبراء، وفقاً لتقرير نشره موقع "ناشيونال إنتريست" الأميركي، أن تصبح باكستان ثالث أكبر قوة نووية في العالم.

أولوية قصوى

في ستينيات القرن العشرين، إثر ظهور مؤشرات على اقتراب الهند من امتلاك سلاح نووي، قال رئيس الوزراء الباكستان آنذاك ذو الفقار علي بوتو: "إذا صنعت الهند القنبلة، فستأكل باكستان العشب وأوراق الشجر، بل ستجوع، لكننا سنحصل على واحدة تكون ملكنا".

وبعد هزيمة باكستان عسكرياً أمام الهند عام 1971، وانفصال شرق باكستان واستقلاله، باسم دولة بنجلاديش، بات البرنامج النووي أولوية قصوى لدى إسلام أباد. ولم تمضِ سنوات قليلة حتى بدأت عمليات تجميع الوقود الضروري للأسلحة النووية، من يورانيوم وبلوتونيوم مخصّبين.

رسالة من هولندا

في أغسطس 1974، وجّه عبد القدير خان رسالة إلى ذو الفقار علي بوتو، يشرح فيها نواياه بشأن إنتاج الأسلحة النووية.

أبدى بوتو اهتماماً وطلب من السفارة الباكستانية في هولندا الاتصال بخان. وبحلول خريف عام 1974 كان خان ينسخ سراً تصاميم لأجهزة الطرد المركزي، ويجمع قائمة بالشركات التي يمكن أن تزوّد باكستان بالتكنولوجيا اللازمة لإنتاج يورانيوم مرتفع التخصيب.

التجربة الأولى

عندما غادر خان إلى بلده كانت جهودها منصبّة على معالجة البلوتونيوم، وهي واحدة من طريقتين للحصول على مواد انشطارية تشكل النواة المتفجرة للسلاح النووي.

إلا أنّ افتقار العلماء الباكستانيين للخبرة حال دون قدرتهم على جعل اليورانيوم قابلاً للاستخدام في صنع الأسلحة النووية. فاقترح خان استخدام تصاميم أجهزة الطرد المركزي، حيث واجه بداية بعض الشكوك، ولكن سرعان ما منحته بلاده منشأة وحرية العمل من دون قيود.

بدأ خان صنع أجهزة الطرد المركزي، عبر تكنولوجيا متقدمة حصل عليها من الموردين الأوروبيين. وبعد سنوات من عمل مضنٍ، نجحت باكستان في اختبار أول قنبلة نووية عام 1998.

غض نظر أميركي

في 6 أبريل 1979 فرض الرئيس الأميركي جيمي كارتر عقوبات اقتصادية على باكستان، لوقف تقدمها النووي، وحجب منحها قروضاً من البنك الدولي، وضغط على فرنسا ودول أخرى لوقف بيعها مواد نووية.

في وقت لاحق، حدث تحوّل مفصلي في موقف واشنطن، إذ احتاجت إلى قاعدة عسكرية لدعم حلفائها من الجهاديين الأفغان ضد القوات السوفييتية.

فأرسل زبجنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي، إلى كارتر مذكرة أشار فيها إلى أن باكستان هي المكان المثالي لتلك القاعدة. ولكن كان على الولايات المتحدة غض النظر عن البرنامج النووي الباكستاني، وهذا ما حدث لاحقاً.

تفيد مجلة "فورين أفيرز" بأنه بعد 10 سنوات تقريباً على أول تجربة نووية ناجحة لباكستان، قال خان في مقابلة تلفزيونية إن "الحرب السوفييتية - الأفغانية" منحت بلاده "الفرصة لتعزيز قدراتها النووية".

130 قنبلة نووية

يفيد موقع "ناشيونال إنتريست" بأن باكستان عززت ترسانتها النووية بشكل متسارع. وتشير تقديرات إلى امتلاك إسلام أباد ترسانة نووية تتراوح بين 110 و130 قنبلة نووية. 

ورجّحت "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" و"مركز ستيمسون" عام 2015 أن تكون باكستان قادرة على صنع 20 قنبلة نووية سنوياً. أما الآن فقد تكون قادرة على تطوير 40 إلى 50 رأساً حربياً في المستقبل القريب.

أنظمة متطورة

تمتلك باكستان أنظمة متطورة لنقل الأسلحة النووية، جواً وبحراً وبراً، وهي صواريخ، معظمها يعتمد على تصاميم صينية أو كورية شمالية.

كما تمتلك إسلام أباد صواريخ حاملة لرؤوس نووية، من نوع "هافت"، يبلغ مداها 180 ميلاً، و"هافت 4" التي يبلغ مداها 466 ميلاً. وتعمل أيضاً لتطوير صواريخ متوسطة المدى من طراز "شاهين"، قادرة على ضرب أهداف تبعد 1708 أميال.

أما القوة النووية البحرية الباكستانية، فتضمّ صواريخ "بابور" من نوع "كروز"، وجميعها مُدعمة بمحركات نفاثة. ولا تعتمد هذه الصواريخ على نظام "جي بي إس" الأميركي، نظراً لاحتمال تعطيلها. وبدل ذلك تستخدم تقنية أقدم، تعتمد الملاحة والمطابقة الرقمية لتحديد الأهداف، من دون إمكان تعطيلها.

ويُتوقع أن تكون الأنظمة البحرية لباكستان، بعد تجارب أجرتها، الأكثر تطوراً بين أنظمتها النووية بشكل عام.

تنافس نووي

تخوض باكستان سباقاً نووياً محموماً مع الهند. وتشير معطيات إلى قدرة إسلام أباد على خوض أي مواجهة من هذا النوع، إلا أنها ستكون مدمرة في كل الأحوال.

وأفادت دراسة نشرتها مجلة "ساينس أدفانسيز"، بأن أي حرب نووية محتملة بين البلدين قد تودي بحياة 125 مليون شخص، إذا استخدمت الهند 100 رأس نووي وباكستان 150 رأساً. ورجّحت الدراسة أن ترتفع أعداد الرؤوس النووية في الهند وباكستان إلى 200 أو 250 لكلّ منهما، بحلول عام 2025.

خان.. الغائب الحاضر

لم تقتصر أنشطة عبد القدير خان داخل بلاده فحسب، إذ أنشأ شبكة عالمية استطاع خلالها نقل أسرار صناعة الأسلحة النووية إلى دول مثل كوريا الشمالية وليبيا وإيران.

في عام 2003 اعترضت البحرية الأميركية سفينة كانت تحمل مواد نووية، من مصنع لخان متجهة إلى ليبيا. وضغطت واشنطن لإنهاء أنشطته، فأُخضع لإقامة جبرية لخمس سنوات.

اعترف خان عام 2004 بأنه سرّب أسراراً نووية لإيران وكوريا الشمالية وليبيا، لكنه تراجع عن تصريحاته في وقت لاحق.

ورغم الشعبية التي يتمتع بها في بلاده، بوصفه "أبو القنبلة الذرية الباكستانية"، وبعدما كان الرجل الأخطر في القرن العشرين، وفق وصف أوساط أميركية، فإن ذكر خان تراجع كثيراً في الخارج، مع بقاء بصماته في كل مكان توجد فيه برامج نووية مثيرة للجدل.

تصنيفات

قصص قد تهمك