بعدما أطلق المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب مزاعم بشأن مهاجرين يأكلون الحيوانات الأليفة، قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إن تصريحات الرئيس السابق ساهمت في ارتفاع حالات العنصرية ضد أميركيين من أصول هايتية، بالإضافة إلى تأجيج "الصراع الثقافي" داخل بعض المجتمعات.
وذكرت الصحيفة أن حالات العنصرية طالت سبرينجفيلد بولاية أوهايو، بعد ادعاءات ترمب بأن المهاجرين الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة، إذ اشتكت مطاعم تحت إشراف طهاة من هايتي، باستقبال اتصالات هاتفية تستفسر عن توفر هذا النوع من الطعام على سبيل "السخرية والتهكم"، إذ سأل أحد الأشخاص بصوت ساخر "هل لديك أي قطط أو كلاب؟"
وكانت المكالمة الهاتفية بمثابة "إزعاج بسيط"، مقارنة بالتهديد بوجود قنبلة في مبنى البلدية، الخميس الماضي، وإغلاق مدرستين ابتدائيتين، والتي أشار مسؤولين محليين في الولاية بأنها رسالة "بغيضة" تجاه المهاجرين.
وسلطت الادعاءات التحريضية بشأن المهاجرين التي رددها ترمب، الضوء على المهاجرين في المدن التي يذكرها باستمرار "سبرينجفيلد، وأورورا (ولاية كولورادو)"، وهي ضاحية في دنفر حيث أكد مراراً وتكراراً أن المجرمين الفنزويليين يستولون عليها، بحسب زعمه.
وقال ترمب في مؤتمر صحافي، الجمعة، إنه "سيطرد هؤلاء الأشخاص (المهاجرين)"، مكثفاً هجومه ووعيده، بتنفيذ "أكبر عملية ترحيل في تاريخ البلاد" حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.
تضخيم إعلامي لمزاعم ترمب
وقال أكثر من 10 مهاجرين في مقابلات أجريت معهم هذا الأسبوع، إن كلمات ترمب لا تعكس واقعهم، لكن خطابه، الذي يشهد تضخيماً من وسائل إعلامية تخدم أجندة اليمين المتطرف، ووسائل التواصل الاجتماعي، أثار حالة من الذعر في الأماكن التي تتمتع بـ"بتنوع وتعدد الثقافة".
وفي سبرينجفيلد، حيث ارتفع عدد السكان الهايتيين بشكل كبير منذ عام 2020، يقول مسؤولون في المدينة إن "بعض أبناء الدولة الكاريبية يمنعون أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة خوفاً من التنمر أو ما هو أسوأ، وأبلغ آخرون عن تعرضهم للتحرش في الشارع، وفي سياراتهم وفي المتاجر".
وفي أورورا، وهي مدينة كبيرة ومتنوعة بولاية كولورادو، حيث بدأ الآلاف من الفنزويليين في الوصول إليها في عام 2022، قال العديد من المهاجرين إنهم "أُبلغوا بأن جنسيتهم تجعلهم غير مؤهلين للحصول على وظائف أو سكن"، بحسب الصحيفة.
سيطرة فنزويلية
وقال ترمب في تجمع بولاية أريزونا، الخميس، إنه "غاضب من سيطرة العصابات الفنزويلية على أورورا، ومن سيطرة المهاجرين الهايتيين غير الشرعيين على مكان جميل مثل سبرينجفيلد".
وأكد أحد المسؤولين في المدينة، مرات عدة، أن "الهايتيين في سبرينجفيلد موجودون بشكل قانوني". ووفقاً للشرطة، لا يوجد دليل على أن أياً منهم "سرق قطة أو كلباً أو حيواناً أليفاً آخر، أو ساهم بشكل غير متناسب في الجريمة".
وذكرت الصحيفة أن "الطفرة السكانية (جراء توافد المهاجرين) تسببت في استنزاف الموارد، إذ ارتفعت "كلفة السكن، وازدادت حركة المرور، وأصبحت الفصول الدراسية مكتظة، وأوقات الانتظار في المراكز الصحية أطول".
وعلى مدار ربع القرن الماضي، تقلص عدد السكان إلى ما يقرب من 60 ألف نسمة مع إغلاق المصانع، ولكن عندما بدأ الانتعاش، مؤخراً، مع افتتاح مصانع ومستودعات جديدة، جذبت أصحاب الوظائف اليدوية من المهاجرين إلى المنطقة ذات الأغلبية البيضاء، ووفقاً لتقديرات المدينة، فمنذ انتشار جائحة كورونا وصل نحو 20 ألف هايتي إلى سبرينجفيلد.
وتصاعدت التوترات في أغسطس الماضي، عندما "صدم سائق هايتي لا يحمل رخصة سارية، حافلة مدرسية انقلبت بعد ذلك، ما أودى بحياة مراهق وإصابة 23 طفلاً آخرين. لتجد سبرينجفيلد نفسها في قلب عاصفة إعلامية.
عصابة فنزويلية
وعلى بعد حوالي 1200 ميل إلى الغرب في أورورا، أصدر رئيس البلدية وعضو مجلس المدينة، وكلاهما من الحزب الجمهوري، بياناً مشتركاً يهدف إلى "تطهير السجل" المحيط بالتقارير المحمومة، بشأن تواجد العصابة الفنزويلية، "ترين دي أراجوا".
واعترفت العصابة بأنها "موجودة في المنطقة، وقد تمكنت الشرطة من تحديد هوية 8 من أعضائها واعتقالهم".
وقالت الصحيفة إن "الاستيلاء على أورورا أمر صعب، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 400 ألف نسمة، وتحوي وحدائق عامة خضراء، وأحياء سكنية راقية، ويتحدث طلاب المدارس العامة أكثر من 160 لغة".
وذكر مسؤولون أن "المنطقة التي تقع فيها الشقق المذكورة، بالقرب من شارع كولفاكس المزدحم، تعاني من الجريمة منذ سنوات".
وقالت المرأة لشبكة CBS NEWS إنها "شهدت أسلحة وإطلاق نار، لكنها لم تحصل على أي مساعدة من الشرطة".
وسرعان ما ذكر الجيران للصحافة إن "المخاوف من العصابات مبالغ فيها"، مصرين على أن المشكلة الحقيقية هي إهمال الإدارة.
واشتكت فنزويلية، الخميس، من أن الأشخاص الذين "لا يملكون عقود إيجار يشغلون الشقق، ويقيمون حفلات صاخبة، ويتشاجرون دون عواقب تذكر".
لكن يوسيمليس، التي طلبت الكشف عن اسمها الأول فقط، خوفاً من استهدافها وسط الضجة التي أشعلها ترمب، أنها "شعرت بالحيرة إزاء الادعاء بأن أعضاء العصابات يتقاضون الإيجار"، إذ تبلغ تكلفة غرفة النوم الواحدة التي تتقاسمها مع زوجها وابنتها 1200 دولار شهرياً.
وأضافت أنها "تشعر بأمان أكبر في أورورا مقارنة بفنزويلا، على الرغم من أن الجدل الأخير جلب تطورات غريبة ومخيفة".
وأخرجت يوسميليس هاتفها لتعرض مقطع فيديو التقطته من نافذتها "يظهر العديد من الرجال الملثمين، أحدهم يحمل مسدساً طويلاً، ويتحدثون باللغة الإسبانية، ولكن بلكنة مكسيكية، يعلنون أنهم متواجدون لحماية السكان من العصابات الفنزويلية"، مضيفة: "ركضت إلى الداخل مع ابنتي، ظننت أنهم سيطلقون النار علينا".
وعلى بعد 15 دقيقة من مجمع سكني آخر، قال السكان إن طاقماً محلياً من الأميركيين وصل مؤخراً بحثاً عن عصابة "ترين دي أراجوا"، وحين لم يجدوا شيئاً، كما روت إحدى النساء، "قاموا برسم رسومات على الجدران وغادروا".
وحاول رئيس مركز المساعدة والدعم المجتمعي الهايتي فايلز دورسينفيل، من خلال عرض تقديمي على PowerPoint الشرح أكثر بشأن ثقافة الطعام الذي يتناوله المهاجرون، إذ أراد من خلال العرض، أن يعلم الجميع أن "الهايتيين لا يأكلون الكلاب أو القطط، إنهم يتمتعون بعادات مختلفة، لكنهم ليسوا متوحشين" و(هي التسمية التي أطلقها ترمب).
وكان قد أعد هذا العرض قبل أشهر من المناظرة الرئاسية، بهدف تثقيف الآخرين في سبرينجفيلد حول من هم "المهاجرون الحقيقيون، ولكن للأسف، اكتسب قسم الطعام أهمية من جديد".