شكلت رحلات الرؤساء الأميركيين السابقين لممارسة الجولف "مصدر قلق دائم" منذ فترة طويلة لمسؤولي جهاز الخدمة السرية، لكن محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب، الأحد، في ملعبه للجولف بولاية فلوريدا أظهرت بشكل خطير التحديات الأمنية التي يواجهها الجهاز المكلّف بحماية المسؤولين السياسيين بالولايات المتحدة، وفق ما ذكره مسؤولون أميركيون سابقون لصحيفة "واشنطن بوست".
وذكر المسؤولون أنه بعد فترة وجيزة من تولي ترمب منصب الرئيس، حاولت السلطات تحذيره من المخاطر التي تشكلها ممارسة الجولف في ملاعبه الخاصة؛ بسبب قربها من الطرق العامة.
وقدم عملاء الخدمة السرية أدلة غير اعتيادية؛ لا تشمل ملفات مشتبه بهم أو مظاريف رصاص فارغة، بل صوراً بسيطة التقطتها طواقم الأخبار له وهو يلعب الجولف في ناديه الخاص في ستيرلينج بولاية فرجينيا.
ونقلت الصحيفة في تقرير، الاثنين، عن المسؤولين الذين شاركوا في المناقشات، وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الأمر، قولهم إن عملاء الجهاز "استنتجوا أنه إذا كان المصورون الذين يستخدمون عدسات طويلة المدى يمكنهم وضع الرئيس في مرمى بصرهم أثناء لعب الجولف، فإن مسلحين محتملين يمكنهم فعل ذلك أيضاً، لكن ترمب أصر على أن نواديه للجولف آمنة، وأنه يريد الاستمرار في لعب الجولف".
لكن هذه الممارسات شكلت مخاطر تتعلق بحمايته، والتي قال مساعدون سابقون لترمب، ومسؤولو خدمة سرية، وخبراء أمن إنها اشتدت فقط خلال السنوات التي تلت مغادرته للبيت الأبيض، إذ تقلص فريقه الأمني، ولم يعد العملاء يحافظون على محيط واسع النطاق لحراسة تحركاته.
ولم يرد متحدث باسم ترمب على طلب من الصحيفة للتعليق.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المخاطر أصبحت واضحة بشكل خطير، الأحد، عندما دفع مسلح بندقية نصف آلية عبر الشجيرات في "نادي ترمب الدولي للجولف" في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا، فيما تحقق فيه السلطات باعتباره محاولة محتملة لاغتيال الرئيس السابق، وهي الثانية خلال شهرين، ولكنه لم يصب بسوء جراء الحادث.
أساليب حماية "فعالة"
وأعرب المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب عن شكره لجهاز الخدمة السرية ومسؤولي إنفاذ القانون. وكتب، الاثنين، في تدوينة عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "كان يوماً مثيراً للاهتمام بالتأكيد! العمل الذي قاموا به كان رائعاً تماماً".
بدوره، حض الرئيس الأميركي جو بايدن الكونجرس، الاثنين، على النظر في زيادة تمويل جهاز الخدمة السرية، فيما تعهد الجهاز بإجراء تحقيق جديد.
والاثنين، أجرى القائم بأعمال مدير جهاز الخدمة السرية رونالد رو زيارة ميدانية إلى موقع الحادث، حيث كان المسلح المشتبه به، ريان ويسلي روث، يحمل سلاحاً على بعد 500 ياردة (نحو 457 متراً) من الرئيس السابق. وأكد رو خلال مؤتمر صحافي أن أساليب الجهاز نجحت في تجنب الكارثة قائلاً: "أساليب الحماية التي اتبعتها الخدمة السرية كانت فعالة أمس".
وأشار رو أيضاً إلى أن نزهة ترمب لممارسة الجولف كانت غير مخطط لها، ما أجبر السلطات على العمل على الفور، مضيفاً: "في الحقيقة، لم يكن من المفترض أن يذهب الرئيس (السابق) إلى هناك، هذا الأمر لم يكن الأمر مخططاً حسب جدول أعماله الرسمي".
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن هذه الحادثة تزيد من الضغوط على جهاز الخدمة السرية، الذي كان موضع انتقاد منذ أن تمكن مسلح من استهداف ترمب خلال تجمع انتخابي في 13 يوليو في بتلر بولاية بنسلفانيا، وأطلق عدة طلقات أصابت أذن الرئيس السابق.
وتعكس واقعة إطلاق النار خلال تجمع انتخابي قبل شهرين ما وصفه مشرعون وقادة جهاز الخدمة السرية بأنه "فشل أمني كبير، وتخطيط رديء"، يشكل خطراً واضحاً وانهياراً في التواصل بين السلطات الفيدرالية والمحلية.
كما يحقق قادة جهاز الخدمة السرية بالفعل فيما إذا كان أي من هذه العوامل ساهم في أن شخصاً كان يحمل سلاحاً مجدداً على مسافة قريبة تضع المرشح الجمهوري للرئاسة في مرمى نيرانه.
"كابوس أمني"
ورجحت الصحيفة أن الحادث في "ويست بالم بيتش" كان "كارثة يمكن التنبؤ بها" من عدة نواح. ففي الواقع، كان مساعدو ترمب وعملاء جهاز الخدمة السرية يساورهم قلق منذ فترة طويلة بشأن تعرضه المحتمل لهجوم أثناء لعب الجولف.
وأوضحوا أن المسألة ذات شقين، إذ يختار (ترمب) أماكن لممارسة الجولف، وهي نواديه الخاصة، التي يصعب تأمينها بشكل خاص. ثم يتبع روتيناً يمكن التنبؤ به بدرجة كبيرة في أي عطلة أسبوعية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي رفيع سابق قوله: "يقول الناس، كيف عرف (المشتبه به) أنه سيكون هناك؟ حسناً، إذا كنت تبحث عن ترمب في فترة ظهر الأحد، يمكنني أن أخبرك أين سيكون. أي ملعب جولف يملكه كان أقرب إلى مكان تواجده".
وفي هذا السياق، قال بيل جيج، وهو عميل سابق في جهاز الخدمة السرية، إن المسلح المشتبه به ربما لم يكن بحاجة إلى إجراء عملية "مراقبة معقدة للغاية".
وأضاف: "كان عليه فقط الجلوس وانتظار وصول ترمب. ليس من الضروري بذل الكثير من الجهد في التخمين لمعرفة المكان الذي سيتواجد فيه، وهذا يمنح المجرم الوقت الكافي للتحضير".
وذكرت شكوى جنائية قدمت، الاثنين، أن الهاتف المحمول الذي استخدمه المشتبه به روث يبدو أنه كان في محيط الملعب لمدة 12 ساعة تقريباً قبل أن يكتشفه أحد عملاء الخدمة السرية، ما يشير إلى أنه ربما انتظر ببساطة ظهور ترمب.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترمب يلعب الجولف في نواديه الخاصة، وهي مواقع للنخب، ولكن بالرغم من ذلك مفتوحة لبعض أفراد الجمهور وضيوفهم.
وتقع الملاعب في مجتمعات مزدحمة. ورغم أنها محاطة ببعض السياج، لكن المساحات الخضراء تفتقر إلى بنى تحتية محصنة، ما يؤدي إلى "كابوس أمني" بالنسبة لجهاز الخدمة السرية وشركائه في الشرطة المحلية، لا سيما في غياب الموظفين الإضافيين والأجهزة المخصصة لحماية الرئيس الحالي.
"مصدر قلق دائم"
وأوضح عملاء حاليون وسابقون في جهاز الخدمة السرية، أن فريقاً مضاداً للقناصين يسبق ترمب عادةً بمسافة حفرة واحدة (240 متراً) لاستكشاف المخاطر المحتملة، فيما يتحرك فريق آخر ورائه بمسافة حفرة للتأكد من عدم وجود خطر كامن خلفه أثناء تقدمه في ميدان الملعب، وحماية ما يسمى "موضع الساعة السادسة".
ويتحرّك عميل مضاد للقناصين وعميل هجوم مضاد وبعض أعضاء فريقه الأمني المنتظمين إلى جانب ترمب، الذي يقود عادةً عربة الجولف الخاصة به. وبحسب أشخاص رافقوه في جولاته، فإن ترمب يحب اللعب بسرعة والقيادة بمفرده، حتى لو انضم إليه أصدقاء أو مساعدون للعب بضع جولات.
وخلال فترة رئاسته كانت نزهات جولف ترمب تشكل "مصدر قلق دائم" وفق مسؤولين سابقين، قال أحدهم إن عملاء الخدمة السرية كانوا يعرفون أنهم لن يتمكنوا من إقناعه بالعدول عن لعب الجولف، لذلك طلبوا منه، دون جدوى في الغالب، تغيير روتينه بدلاً من ذلك؛ على الأقل لتجنب الذهاب إلى نفس النادي في نفس الوقت كل أسبوع.
وكانت ممارسات ترمب تختلف عن ممارسات سلفه باراك أوباما، الذي كان يلعب الجولف بشكل متكرر عندما كان رئيساً للبلاد، ولكن عادة في ملعب على أراضي قاعدة "أندروز" العسكرية المشتركة في مقاطعة برينس جورج أو أثناء إجازته في هاواي، على قواعد عسكرية هناك.
وهذه الملاعب معزولة عن الطرق العامة، وأي شخص يتواجد على الملاعب كان يخضع لعملية فحص أمني صارمة.
وقال جيج، العميل السابق، الذي عمل في حماية بعض رحلات أوباما للجولف في قاعدة "أندروز" وفي هاواي، إنه حتى كبار المسؤولين العسكريين كان يجري إبعادهم إذا تعارضت أوقات لعبهم للجولف مع نزهة رئاسية.
مع ذلك، بذلت السلطات جهوداً كبيرة للحفاظ على سلامة ترمب أثناء لعب الجولف، إذ حافظ العملاء على محيط أمني أوسع حوله عندما كان رئيساً، وأقاموا نقاط تفتيش في نواديه، وحاولوا الحد من حركة المشاة حوله، وفقاً لمسؤول كبير سابق.
لكن بعض هذه الإجراءات "أغفلت خلال السنوات الأخيرة"، وفقاً لضيوف نادي ترمب للجولف في "ويست بالم بيتش"، الذين قال عدد منهم إنهم فوجئوا بعدم خضوعهم لفحص أمني بشكل أكثر شمولاً أو إبعادهم عن الرئيس السابق.
وقال أحد الأشخاص الذين لعبوا العام الماضي، "إنه لم يُطرح عليه أي أسئلة، أو يجري تفتيش حقيبته"، مضيفاً أنه بعد أن إنهاء جولته من لعب الجولف، دخل إلى النادي، وجلس على طاولة جانبية بالقرب من المكان الذي جاء إليه ترمب لاحقاً لتناول العشاء.
ترمب ليس الأول
وبعد تعرّضه لإطلاق النار في 13 يوليو الماضي خلال تجمع انتخابي في بتلر، عزز المسؤولون الإجراءات الأمنية حول ترمب، وكان عدد أفراد فريق الخدمة السرية الذي يحميه في ملاعب الجولف، الأحد، مماثلاً لما كان عليه عندما كان رئيساً.
كما استخدمت طائرة مسيرة، الأحد، لإعطاء عملاء الجهاز نظرة عامة على الملعب، ونشر عملاء مراقبة مضادة لمسح المنطقة، وكان عملاء الاستخبارات الوقائية متواجدين لتقييم المخاطر المحتملة، وفقاً لمسؤول في جهاز الخدمة السرية مطلع على خطة الأمن.
وأعرب الرئيس السابق عن تقديره للتدابير الأمنية المشددة، التي تشمل رجالاً مسلحين من فريق حراسته في لعبة الجولف، لكنه أظهر في بعض الأحيان شعوراً بالانزعاج حيال هذا المشهد، حسبما قال أشخاص كانوا معه. وقال مؤخراً لأحد مساعديه: "الناس يأتون للعب الجولف. إنهم لا يريدون رؤية ذلك".
وترمب ليس أول رئيس يمارس رياضة الجولف، أو يقع في مرمى نيران أشخاص يريدون إلحاق الأذى.
وقام الرئيس الـ25 للولايات المتحدة ويليام ماكينلي (مارس 1897 - سبتمبر 1901) بأول ضربة جولف رئاسية في عام 1897، لكن الرئيس الـ27 ويليام هوارد تافت (مارس 1909- مارس 1913) كان بلا شك أول رئيس يمارس الجولف، حيث جلب الحماس لهذه الرياضة إلى البيت الأبيض بعد نحو عقد.
لكن التحديات الأمنية التي فرضتها هذه الهواية أصبحت واضحة بشكل خاص في الخمسينيات، عندما شغل الرئيس دوايت د. أيزنهاور (يناير 1953- يناير 1961)، وهو من هواة لعبة الجولف، البيت الأبيض. كان لديه 3 ملاعب مفضلة، وفقًا لكتاب "ملاحقة الرئيس: تهديدات ومؤامرات ومحاولات اغتيال- من فرانكلين دي. روزفلت إلى أوباما" الصادر عام 2014.
وبعد 3 عقود، اشتد الخوف من أن تجعل لعبة الجولف الرؤساء أهدافاً سهلة، عندما اقتحم مسلح بوابات ملعب "أوجوستا الوطني"، أثناء لعب الرئيس رونالد ريجان، واحتجز المتسلل، تشارلز ر. هاريس، 5 رهائن وطالب بالتحدث مع ريجان.
وبعد الأزمة، توقف ريجان عن ممارسة الجولف في الملاعب باستثناء ملعب خاص كان مملوكاً آنذاك لصديقيه والتر وليونور أنينبيرج، وفقاً لكتاب "الوقوف بجانب التاريخ" الذي صدر عام 2005 للعميل سابق في جهاز الخدمة السرية، جوزيف بيترو.