منذ اللحظة التي بدأت فيها أجهزة الاستدعاء "بيجر" Pager تنفجر في مختلف أنحاء لبنان، الثلاثاء، بدأ تداول نظريات بشأن طريقة تحويل أجهزة تعتبر قديمة الطراز في كثير من أنحاء العالم إلى أسلحة خطيرة، أودت بحياة 9 أشخاص وإصابة نحو 3 آلاف آخرين، وفق "بلومبرغ".
وأعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض خلال مؤتمر صحافي، الثلاثاء، أن الانفجارات أدت إلى سقوط 9 أشخاص وإصابة 2750 حتى الآن، مشيراً إلى أن 200 من المصابين حالتهم حرجة.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أنه مع توجيه لبنان الاتهام إلى إسرائيل بتدبير الهجوم الذي استهدف مقاتلي جماعة "حزب الله" اللبنانية، تركز أغلب النقاش بشأن إمكانية أن سلسلة توريد أجهزة الاتصال قديمة الطراز تعرّضت للاختراق، وكانت إحدى الأفكار السائدة هي أن أجهزة النداء صُممت بحيث تُسخن بطارياتها حتى تنفجر الأجهزة.
وفي تعليق على الأمر، قال وزير الاتصالات اللبناني جوني القرم لـ"بلومبرغ"، إن ارتفاع درجة حرارة البطاريات يشير إلى "حادث مدبر".
لكن روبرت جراهام وهو أحد خبراء الأمن الإلكتروني، رفض هذه النظرية، وكتب في تدوينة على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، أن "جعل البطاريات تفعل أي شيء أكثر من الاحتراق أمر صعب للغاية وغير مقنع. والأكثر منطقية هو أن شخصاً ما رشى المصنع لإدخال مواد متفجرة".
ومن بين النظريات الأخرى أن إشارة إلكترونية تسببت في حدوث الانفجارات.
وفي هذا السياق، قال مارك مونتجومري، وهو أميرال متقاعد، والمدير التنفيذي للجنة سولاريوم للفضاء السيبراني (Cyberspace Solarium Commission): "لو كان هذا صحيحاً، فأنا أشك في أنه كان عيباً مادياً مقصوداً جرى تفعيله من خلال إشارات إلكترونية أو ترددات لاسلكية".
وبعد أن عرضت شبكة تلفزيون تابعة لجماعة "حزب الله" لقطات فيديو أظهرت ما قالت إنه أجهزة استدعاء (بيجر) "موتورولا" التي كانت تستخدم قبل الهجوم، قال النائب البرلماني عن "حزب الله" إبراهيم الموسوي لشبكة تلفزيون الجماعة: "أجهزة الاستدعاء هذه تم تفجيرها باستخدام تقنية متطورة من قبل العدو الإسرائيلي".
في المقابل، نفت شركة "جولد أبوللو"Gold Apollo، وهي شركة تايوانية صغيرة ذكرت تقارير إعلامية أنها الشركة المصنعة لأجهزة الاستدعاء التي انفجرت، أنها صنعت الأجهزة.
وقال مسؤول في الشركة، طلب عدم ذكر اسمه قبل إصدار بيان رسمي: "هذه الأجهزة ليست أجهزتنا"، مشيراً إلى أن "جولد أبولو" ترخص علامتها التجارية لشركة أخرى على الأقل، دون تقديم مزيد من التفاصيل. بينما لم ترد شركة "موتورولا" على طلبات "بلومبرغ" للتعليق.
"اختراق" سلسلة التوريد
من جانبها، قالت ديبا كوندور، أستاذة الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة "تورنتو"، إنها تشك في أنه كان "توظيفاً لسلسلة التوريد".
وأوضحت أنه "في مثل هذا النوع من الهجمات، سيخترق الجاني المراحل الأولية في سلسلة توريد جهاز الاستدعاء، لتصنيع مكون أساسي مع شحنة مواد متفجرة مدمجة، دون علم البائع النهائي".
ولفتت إلى أن "المكون المتفجر يمكن أن يبقى في جهاز استدعاء لشهور أو سنوات قبل تفجيره عند تلقي رسالة تؤدي إلى تفعيل الجزء المعدل".
وحلت الهواتف المحمولة محل أجهزة الاستدعاء في معظم أنحاء العالم، على الرغم من أن الإذاعة الوطنية العامة الأميركية NPR ذكرت مؤخراً أن الأطباء في المستشفيات الأميركية ما زالوا يفضلون مراسلات هذه الأجهزة البسيطة. كما تُستخدم أجهزة الاستدعاء أيضاً بشكل روتيني في المرافق الطبية في لبنان.
ويستخدم عناصر "حزب الله" أجهزة منخفضة التقنية مثل أجهزة الاستدعاء، وأجهزة الاتصال اللاسلكي لتجنب اعتراض اتصالاتهم من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، حتى يمكنهم إرسال رسائل مشفرة دون الكشف عن مواقعهم.
من جانبها، لم تؤكد إسرائيل، أو تنفِ أنها تقف وراء الهجمات. لكن أستاذ العلوم السياسية ماثيو ليفيت والزميل في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، قال "إنها بكل تأكيد ضربة استخباراتية كبيرة لإسرائيل، ما يدل على أنها اخترقت قنوات حزب الله الأمنية".
واعتبر أن "إسرائيل تصعد الأمور على نحو ما، لكنها في الواقع تحاول إرسال رسالة إلى حزب الله من خلال شيء أقل من الحرب الشاملة".
وفي واشنطن، قال مسؤولون أميركيون، إنهم لم يكن لديهم علم مسبق بشأن أجهزة الاستدعاء المتفجرة.
عملية استخباراتية
"بلومبرغ" لفتت إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية أظهرت "براعة فائقة" في هندسة مثل هذا النوع من عمليات التخريب السري، على الرغم من أنها لا تعترف أبداً بدورها.
والمثال الأكثر شهرة، هجوم "ستوكسنت" السيبراني، الذي اكتشف في نوفمبر عام 2010، والذي تضمن زرع شفرة كمبيوتر دمرت ما يصل إلى 1000 جهاز طرد مركزي نووي في إيران بجعلها تخرج عن نطاق السيطرة، واعتبر على نطاق واسع جهداً مشتركاً بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي عام 1996، اغتيل صانع القنابل في حركة "حماس" يحيى عياش في مدينة غزة عندما انفجر هاتفه المحمول أثناء مكالمة هاتفية أسبوعية مع والده في الضفة الغربية. ويعتقد أن جهاز الأمن الإسرائيلي "شين بيت" كان وراء العملية.
وفي عام 2001، وجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل بعد تفخيخ هاتف عمومي وسط مدينة نابلس الفلسطينية، والذي انفجر عندما ذهب القيادي في حركة "فتح" الفلسطينية أسامة جوابرة لاستخدامه.
وفي يوليو 2024، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، في انفجار أثناء إقامته في بيت ضيافة في طهران. وكالعادة، لم تؤكد إسرائيل، أو تنفِ وقوفها وراء الهجوم، الذي يُعتقد أنه وقع عند تفجير قنبلة زُرعت في بيت الضيافة عن بعد.