لا يزال مصدر أجهزة الاتصال اللاسلكي و"البيجر" Pagers التي تفجرت في لبنان، الثلاثاء والأربعاء، يثير علامات استفهام كبرى، إذ قالت شركة "جولد أبوللو" GOLD APOLLO التايوانية المتخصصة في تصنيع "البيجر" إن شركة بالمجر هي التي صنَعت الأجهزة التي استوردها "حزب الله"، فيما أشارت شركة "آيكوم" Icom اليابانية لتصنيع معدات الاتصال اللاسلكية إلى عدم قدرتها على تأكيد ما إذا كانت شحنت منتجاً مرتبطاً بالتفجيرات من عدمه.
ولقي 37 شخصاً على الأقل حتفهم، وأصيب نحو 3 آلاف آخرين عندما انفجرت، الثلاثاء، أجهزة "بيجر" أفادت تقارير بأنها تتسق مع التي تصنعها شركة "جولد أبوللو" في بادئ الأمر، ثم أجهزة اتصال لاسلكي عليها شعار شركة "آيكوم" اليابانية، الأربعاء، وتقول الحكومة اللبنانية و"حزب الله" إن إسرائيل هي التي نفذت هذه العمليات.
وبينما لا يزال هناك غموض بشأن طريقة تفجير هذه الأجهزة، أو جهة تصنيعها، قال المسؤول بشركة "آيكوم" اليابانية، يوشيكي إينوموتو، الخميس، إنه لا يمكن أن تكون الشركة صنعت هذه الأجهزة، مشيراً إلى أنه "لا يمكن تثبيت قنبلة في أحد أجهزتنا أثناء التصنيع.. عملية التصنيع آلية للغاية وسريعة، لذا لا يوجد وقت لمثل هذه الأمور".
وقال إينوموتو في تصريحات لوكالة "رويترز"، إن الشركة "أوقفت إنتاج هذا النوع من الأجهزة اللاسلكية التي انفجرت، منذ 10 سنوات"، مبيناً أن "معظم النماذج المتاحة للبيع ليست أصلية".
جاء تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي التي استخدمها "حزب الله"، الأربعاء، في ضواحي بيروت ووادي البقاع في أعقاب سلسلة انفجارات أجهزة "بيجر"، الثلاثاء الماضي، أودت بحياة ما لا يقل عن 12 شخصاً وإصابة أكثر من 2300 آخرين.
وعرض مصدر أمني لبناني وصفته وكالة "رويترز" بأنه "كبير" صورة لجهاز الاتصال المتفجر، وهو من طراز AR-924، وهو مثل أجهزة "البيجر" الأخرى التي تستقبل وتعرض الرسائل النصية لاسلكياً، لكنها لا تستطيع إجراء مكالمات هاتفية.
وأفاد المصدر بأن جماعة "حزب الله" طلبت 5 آلاف جهاز اتصال من إنتاج شركة "جولد أبوللو" في تايوان، وتقول عدة مصادر إنها وصلت إلى البلاد في الربيع الماضي.
تايوان تتهم المجر
من جهتها، دافعت شركة "جولد أبوللو" عن نفسها في بيان، الأربعاء، بقولها إن أجهزة "البيجر" التي تعرضت للتفجير من إنتاج شركة BAC، التي تتخذ من العاصمة المجرية بودابست مقراً، ولديها ترخيص لاستخدام العلامة التجارية لـ"جولد أبوللو".
وذكرت الشركة التايوانية، أن "شركة BAC هي التي تنتج وتبيع طراز AR-924"، موضحةً أنها "منحت الترخيص لشركة BAC لاستخدام علامتها التجارية لبيع المنتجات في مناطق محددة، وأن تصميم وتصنيع المنتجات يتم بالكامل بواسطة BAC".
وأوضح مؤسس شركة "جولد أبوللو"، هسو تشينج كوانج، للصحافيين في مقر الشركة بمدينة نيو تايبه شمال تايوان، أنه "تم رصد مشكلات تتعلق بالتحويلات المالية من الشركة المجرية"، مشيراً إلى أن "التحويلات المالية كانت غريبة للغاية، وأن المدفوعات جاءت عبر الشرق الأوسط".
ونفى هسو، معرفته بكيفية حدوث التلاعب في أجهزة "البيجر" لإعدادها للانفجار.
واعتبر هسو أن "جولد أبوللو" كانت "ضحية للحادث"، وأعلن أنها "تخطط لمقاضاة الشركة التي حصلت على الترخيص".
وتابع: "قد لا نكون شركة كبيرة، ولكننا شركة مسؤولة، وهذا محرج للغاية".
وبينما كان مؤسس شركة "جولد أبوللو" يتحدث للصحافيين، وصل مسؤولو الشرطة إلى الشركة، كما زارها مسؤولون من وزارة الاقتصاد التايوانية.
وقالت الوزارة، في بيان، إنه "لم يتم تسجيل أي صادرات مباشرة لأجهزة البيجر من تايوان إلى لبنان".
في حين أكد وزير الدفاع التايواني ولنجتون كو، الخميس، أن فريق الأمن الوطني في البلاد "يولي اهتماماً كبيراً" في هذه المسألة.
الشركة المجرية.. مجرد عنوان
وقاد البحث عن العنوان المذكور لشركة BAC للاستشارات في بودابست، إلى مبنى صغير يقع في شارع معظمه سكني في ضاحية نائية، ووجد اسم الشركة مكتوباً على ورقة A4 على الباب الزجاجي، فيما قال شخص في المبنى طلب عدم ذكر اسمه، إن "الشركة مسجلة في هذا العنوان، ولكن ليس لها وجود فعلي به".
وتتنوع أنشطة شركة BAC المسجلة، من نشر ألعاب الكمبيوتر، إلى استشارات تكنولوجيا المعلومات، إلى استخراج النفط الخام.
تم تسجيل شركة BAC كشركة ذات مسؤولية محدودة في مايو 2022، بحسب سجلاتها التي أظهرت أن رأس مالها يبلغ 7840 يورو، وحققت إجمالي إيرادات بلغ 725 ألف و768 دولار في العام ذاته، أما العام الماضي فحققت 593 ألف و972 دولاراً، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ولم ترد الرئيسة التنفيذية لشركة BAC كريستيانا بارسوني-أرسيداكونو، على رسائل عبر البريد الإلكتروني من وسائل إعلام، للتعليق.
وفي السياق، نفى المتحدث باسم الحكومة المجرية، زولتان كوفاكس، دخول أجهزة "بيجر" المتفجرة المجر، وقال إن السلطات تأكدت من أن شركة BAC هي "وسيط تجاري، وليس لها موقع تصنيع أو تشغيل في المجر".
بلغاريا والنرويج على الخط
وبينما لم يثبت ما إذا كان تصنيع الأجهزة في تايوان أو المجر، دخلت بلغاريا والنرويج على خط عملية تعقب عالمية لتحديد الجهة التي زودت "حزب الله" بالآلاف من أجهزة "البيجر".
في بلغاريا أعلنت وكالة أمن الدولة، الخميس، أنها ستحقق مع شركة مرتبطة ببيع الأجهزة إلى "حزب الله"، مشيرةً في بيان، إلى أنها تعمل مع وزارة الداخلية للتحقيق في دور شركة مسجلة في الدولة، دون تسميتها.
ونقلت قناة PTV البلغارية عن مصادر في وكالة الأمن الوطني، قولها إن 1.6 مليون يورو مرتبطة بالهجوم المميت بأجهزة "بيجر" مرت عبر بلغاريا قبل تحويلها إلى المجر.
وكانت تقارير إعلامية بلغارية قالت، إن شركة "نورتا جلوبال" المحدودة ومقرها صوفيا، سهّلت بيع أجهزة "البيجر"، كما ذكر موقع "تيليكس المجري" الإخباري أن "نورتا سهّلت البيع بالفعل".
ولدى شركة "نورتا" مقراً مسجلاً في بلغاريا داخل مبنى سكني في العاصمة صوفيا يضم ما يقرب من 200 شركة أخرى، وفقاً لمكتب تسجيل شركات محلي، لكن لم يكن هناك شعار للشركة.
وكان المحامي فلاديمير كوزمانوف، الذي قال إنه يمثل الشركة، موجوداً في المقر، لكنه أحجم عن الرد على الأسئلة عندما اتصلت به "رويترز".
واحتوى الموقع الإلكتروني للشركة، في وقت سابق، على إصدارات باللغات الإنجليزية والبلغارية والنرويجية، وكان يعلن عن خدمات تشمل الاستشارات والتكنولوجيا والتوظيف والتعهيد.
وظهر على الموقع وفقاً لنسخ منه قبل التعديل اطلعت عليها "رويترز"، إعلاناً يقول: "هل تبحث عن شركة مرنة لمساعدتك على النجاح أو العثور على الحل التكنولوجي المناسب لك؟ لا تبحث أكثر".
ويقيم رينسون خوسيه، مؤسس "نورتا"، في النرويج، وأحجم عن التعليق على واقعة أجهزة "البيجر" بعد التواصل معه هاتفياً، وأنهى المكالمة عندما سئل عن أنشطة الشركة في بلغاريا.
وقال جيرانه في ضاحية هادئة في أوسلو إنهم "لا يعرفون الكثير عنه"، فيما ذكر أمون جوف، الرئيس التنفيذي لشركة "دي.إن ميديا" حيث يعمل خوسيه حالياً، لـ"رويترز"، أنه على علم بالتقارير، وأبلغ الشرطة وأجهزة الأمن، لافتاً إلى أن خوسيه مسافر إلى الولايات المتحدة.
وأكدت شرطة أوسلو، أنها بدأت "تحقيقات أولية بخصوص المعلومات التي استجدت"، في حين لفت جهاز المخابرات الداخلية النرويجي إلى أنه على علم بالوضع، وأحجم عن التعليق أكثر من ذلك، ولا يوجد دليل على وجود صلة بين "دي.إن ميديا" و"نورتا".