غزة بعد عام من الحرب.. أكوام ركام تنذر بمستقبل "كارثي وقاتم"

time reading iconدقائق القراءة - 10
فلسطينيون يبحثون عن ضحايا تحت أنقاض مبنى سكني ومتاجر بسوق البلدة القديمة في غزة دمرتها غارات إسرائيلية بمدينة غزة في فلسطين. 4 يوليو 2024 - REUTERS
فلسطينيون يبحثون عن ضحايا تحت أنقاض مبنى سكني ومتاجر بسوق البلدة القديمة في غزة دمرتها غارات إسرائيلية بمدينة غزة في فلسطين. 4 يوليو 2024 - REUTERS
غزة-الشرق

مع انتهاء العام الأول من الحرب في غزة، بدا القطاع الساحلي ذو المساحة الضيقة عبارة عن أكوام ركام وخراب، وسط مخاوف من استمرار الحرب، إذ لا يلوح في الأفق أي أمل لوقف قريب لإطلاق النار.

وحوّلت الحرب الإسرائيلية التي توصف بالأعنف والأكثر دموية وتدميراً، ما بين 70 إلى 80% من المباني والمرافق والبنية التحتية إلى ركام، وفق تقارير أعدتها منظمات الأمم المتحدة ومؤسسات محلية.

ورغم تصاعد المواجهات على جبهة الحدود مع لبنان، لازال الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته الميدانية في غزة والتي تترافق مع قصف جوي وبري وبحري وعمليات نسف المباني وتدمير الطرقات والبنية التحتية بما فيها تحت الأرض.

ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه يواصل ضرباته الجوية المركزة باستهداف مواقع وأهداف لحركة "حماس" والفصائل، فيما صرح كبار القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل بأن هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر مثل "تهديداً وجودياً" لإسرائيل.

لكن وُجهت انتقادات لاذعة لإسرائيل، من منظمات دولية وحكومات، تمحور بعضها بوصف ما يجري بـ"المجازر وجرائم حرب" و" حرب إبادة وتطهير".

وفي مقالة نشرها المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني، في مجلة "ذي إيكونوميست" في الثاني من أكتوبر الجاري، قال إنه بعد مرور عام على هذه الحرب، "أصبح المجتمع الدولي في خطر شديد من أن يصبح متواطئاً في جرائم دولية".

وعبّر لازاريني عن "عجز مخيف في التعاطف المتبادل. ما يمكن أن يوقف الانحدار نحو البربرية هو قوة القوانين التي تنزلق لتصبح بلا قيمة".

وتابع: "بدون هذه القوانين قد يتجه العالم نحو نفس المصير الذي تسير إليه غزة". في إشارة إلى الدمار الذي أصاب القطاع الفلسطيني، وأحاله إلى منطقة غير قابلة للحياة كما تقول الأمم المتحدة.

خسائر فادحة

لا توجد إحصائيات نهائية بشأن الخسائر الهائلة التي تعرض لها القطاع، إذ أصابت الحرب كافة الوزارات والمرافق التابعة لحكومة غزة، التي تديرها حركة "حماس"، بشلل شبه كلي، ويتولى المكتب الإعلامي الحكومي ووزارة الصحة، إعلان ونشر إحصائيات يومية للخسائر البشرية والمادية.

وأعلن المكتب الإعلامي أن الجيش الإسرائيلي نفذ أكثر من 3 آلاف و600 "مجزرة"، سقط خلالها حوالي 42 ألف من الضحايا، من بينها حوالي 17 ألف طفلاً و11 ألفاً و500 سيدة، إلى جانب أكثر من 10 آلاف مفقود، غالبيتهم تحت الأنقاض لم تتمكن طواقم الدفاع المدني انتشالهم؛ بسبب خطورة التحرك وانعدام الإمكانيات والمعدات، إذ قتل الجيش الإسرائيلي خلال عام 85 من عناصر الدفاع المدني، و986 من الطواقم الطبية، و176 من الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام.

وخلال العام اضطر أكثر من مليوني فلسطيني للنزوح؛ جزء كبير منهم نزح لعدة مرات، ويعيش معظمهم في أكثر من 200 مركز إيواء في مدارس تابعة لوكالة "الأونروا" ومخيمات عشوائية لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، في ظل انعدام الأمن الغذائي والدوائي بحسب منظمات أممية.

وبحسب إحصائيات غير نهائية أعدها المكتب الإعلامي مستنداً إلى فرق تعمل ميدانياً وتقارير منظمات الأمم المتحدة والإنسانية، دمر الجيش الإسرائيلي كلياً أو بشكل كبير، أكثر من 450 ألف منزل ومبنى سكني وتجاري و201 مقراً حكومياً من بينها كافة مراكز الشرطة والدفاع المدني والسجون، و125 مدرسة وكلية وجامعة، وكذلك 814 مسجداً و3 كنائس وحوالي 30 مقبرة؛ كلياً أو جزئياً، إذ استخدمت إسرائيل أكثر من 85 ألف طن من المتفجرات فوق الأرض وتحتها، خلال أقل من عام.

وأدت الحرب لزيادة نسبة البطالة لأكثر من 90% وفق وزارة الاقتصاد، مع إغلاق المعابر كلياً ووقف الاستيراد والتصدير منذ عام، إذ تحول كل سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون إلى نازحين يتلقى غالبيتهم مساعدات غذائية.

ودمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية أكثر من 80% من البنية التحتية في القطاع، بحسب مكتب الإعلام الحكومي، وتسببت الضربات الإسرائيلية المتواصلة باستحالة الزراعة وتوقف كلي لعجلة الاقتصاد الهش بالأساس، بسبب الحصار الذي كانت تفرضه إسرائيل منذ 2007.

ويقول الخبير الاقتصادي مازن العجلة إن القطاع يحتاج لما بين 5 إلى 7 سنوات لتجاوز مرحلة إزالة الركام في حال توقفت الحرب، وإن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى أكثر من 30 مليار دولار.

أما أستاذ العلوم السياسية، جمال الفاضي، فرأى أنه من دون اتفاق إقليمي "لن تتوقف الحرب بشكلها الحالي أو بأشكال أخرى"، مبيناً أن العالم لن يسمح بعودة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، بمعنى عدم قبول "حماس" في المشهد السياسي.

سيطرة عسكرية 

يسيطر الجيش الإسرائيلي بشكل كامل على قطاع غزة منذ الأسبوع الثاني لاندلاع الحرب، وأقام مدعوماً بمئات الآليات المدرعة والدبابات وبغطاء جوي وبحري دائم، عشرات النقاط والمواقع العسكرية.

أبرز هذه المواقع في محوري نتساريم وهو الطريق الواصل بين مفترق الشهداء على طريق صلاح الدين في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، وطريق الرشيد الساحلي غرباً، حيث تقسم القوات الإسرائيلية القطاع إلى قسمين شمالاً وجنوباً، وتمنع التنقل بينهما، ومحور الشريط الحدودي مع مصر حيث أقام الجيش مؤخراً عدداً من أبراج المراقبة العسكرية المزودة برشاشات آلية وكاميرات وأضواء كاشفة، إلى جانب 19 نقطة عسكرية على محور فيلادلفيا الممتد لثلاثة عشر كيلومتراً من الغرب إلى معبر كرم أبو سالم شرقاً.

ويقيم الجيش موقعين مركزيين في منطقة السوداني في شمال غرب القطاع، وشرق خان يونس في جنوبي القطاع، كما عمد الجيش لإقامة عشرات النقاط العسكرية بين المدن تنطلق منها الدبابات لتنفيذ عمليات توغل في أي وقت.

ولا زالت العملية العسكرية البرية الأوسع مستمرة منذ أكثر من 4 أشهر، في مخيم ومدينة رفح وبعض المناطق في جنوب شرق مدينة خان يونس.

وأقام الجيش ممرات وحوجز عسكرية للتفتيش على طريقي الرشيد وصلاح الدين عند محور نتساريم، إذ تخضع شاحنات المساعدات حال مرورها أو سيارات الإسعاف للتفتيش.

وترفض السلطة الفلسطينية والفصائل التواجد العسكري الإسرائيلي، وتعتبره إعادة احتلال للقطاع. وتشترط حماس الانسحاب العسكري الإسرائيلي بما في ذلك من محوري نتساريم وفيلادلفيا للتوصل لاتفاق لوقف النار. 

لا مستقبل 

ويشير الفاضي إلى أن المستقبل السياسي والاقتصادي بالنسبة لقطاع غزة "قاتم وكارثي"، ومن غير المعروف هل تنجح المساعي الدولية والأميركية لحل أزمة القطاع بشكل منفرد، أي "حل مؤقت معيشي خدمي"، أو ضمن السلطة الفلسطينية؛ وبالتالي حل سياسي قد يتطلب توافقاً إقليمياً.

وترفض حركة "حماس" أية مساع أو حلول تتجاهلها. وتعتبر أن أي قوة أو جهة عربية أو دولية تأتي إلى غزة من دون اتفاق هي "جهة معادية".

القيادي في حركة حماس طاهر النونو شدد على أن حركته "ستبقى لاعباً رئيسياً في القضية الفلسطينية، وليس فقط في حكم قطاع غزة".

ويقر القيادي في "حماس"، باسم نعيم، بأن "حماس" كحركة وحكومة أيضاً تلقت "ضربات قاسية"، لكن "حماس والمقاومة لا تزال صامدة وقادرة على ضرب الاحتلال في أي مكان".

وأكد نعيم الذي يقيم إلى جانب عشرات من قادة حماس في الدوحة، أن "الصورة الحقيقية هي الصمود ومواصلة المقاومة"، رغم "حجم الدمار الهائل والتجويع وحرب الإبادة".

لم تترك الحرب التي لا تهدأ أي شبر في القطاع آمناً، ولا أفق للمستقبل بالنسبة للغزاويين، إذ فقد نحو نصف مليون تلميذ الدراسة، ولم يعد هناك مراكز للرعاية الأولية الصحية والعلاج.

وبحلول منتصف عام 2024، انخفض اقتصاد غزة إلى "أقل من سدس مستواه في عام 2022"، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة التي أكدت في تقارير أن الأمر "سيستغرق عقوداً" لإعادة غزة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع هذه الحرب.

وفشلت حتى الآن كل جهود الوساطة التي تقودها مصر وقطر مع الولايات المتحدة لوقف الحرب وتبادل الرهائن والأسرى، تمهيداً لاتفاق يفتح الطريق أمام دول العالم لتقديم الدعم السياسي لحل في المنطقة وتقديم المنح المالية لإعادة إعمار القطاع.

من جهته، يقول المفوض العام للأونروا، أن شكل الاستجابة الإنسانية للمجتمع الدولي حتى الآن يطيل أمد الاحتلال، الذي أعلنته أعلى محكمة في العالم بأنه غير قانوني.

وأوضح المسؤول الأممي أن الأرض الفلسطينية المحتلة، تتقلص المساحة العملياتية فيها بسرعة ليس فقط للأونروا، ولكن لأي فرد أو منظمة أو دولة تدعو إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، أو تدعم حلاً سياسياً سلمياً لهذا الصراع المستمر منذ عقود.

تصنيفات

قصص قد تهمك